أقلام الوطن

الأنظمة وتهجير غزة بين “التنمية بالحماية الشعبية” ومواجهة الصهيمريكي

مشروع ترامب أُضطر هذه الانظمة للتفكير ولو جزئياً كمجموع وليس فرادى

د. عادل سمارة
د. عادل سمارة

د. عادل سماره

قد يكون حديث ترامب عن اقتلاع الشعب الفلسطيني من قطاع غزة وتحويلها إلى ما اسماه ريفيرا هو أخطر حديث عن البشر بمعنى:

  •  ان الناس بالنسسبة له قطيعا، لكنه لم يفهم أو يرفض  ما هي المق، ومنطقه ليس حتى منطق معظم أنواع التجار
  • وأنه وضع الأنظمة العربية في أدنى درجات التبعية والإهانة والإذلال وليس هذا حال مختلف الأنظمة التابعة في الكوكب.

وضع ترامب مختلف الأنظمة العربية ،باستثناء اليمن/صنعاء أمام تحدٍّ لا يمكنهم قبوله رغم أنه من عدو متوحش لا يعطف على توابعه سواء كان حديثه مناورة أو قرارا أو خطة! لقد وضع كسرى الإمبراطور تابعه ملك المناذرة النعمان بن المنذر بن ماء السماء تحت سنابك الخيل واستشهد حينها لأنه رفض تزويج حرة عربية لعدو ونتيجة ذلك كانت تضافر العرب وهزيمة الفرس في معركة ذي قار، والتي أعتبرها بداية الثورة المحمدية التي فتك بها الفقهاء وجردوها من عروبيتها وحولوها ضد العروبة فانتهى الإسلام إلى حالة فقهية متخشبة في الدينسياسي خانعة للإمبريالية وله طبعات وهابية وإخوانية/بريطانية وأمريكية وتركية وباكستانية…الخ .وعلى من يفهم التاريخ أن يقرأ هذا وأن يفهم العبارة العبقرية لمعاوية بن أبي سفيان الذي اسس لدولة عربية حقيقية حينما قال:”إن علي أقرب إلى الله مني، وأنا أقرب إلى الشعب منه” ولذا اقام الدولة الإمبراطورية. لكن الحكام العرب والمسلمين لا هم بطهارة علي ولا بعبقرية معاوية  كرجل دولة وهو ابن هند بنت عُتبة  التي أحرجت الرسول وابن ابي سفيان صخر بن حرب الذي يوم فتح مكة اعتبر الرسول  بيت ابي سفيان مكان أمان للناس كبيت الله الحرام. أما وهذا موقف البني، فلماذا لم يفكر معاوية سياسيا وبراجماتيا وحتى حقه في الحكم كحق علي؟

مشروع ترامب المكتوب بالعجرفة البيضاء قاتلة مئات ملايين البشر وضعت التوابع العرب في مأزق شديد الخطورة أرغم هذه الأنظمة، وهي لا شك لديها أدوات من المثقفين الذين لديهم قدرات تحليل واستشراف ما يمكن أن يؤدي إليه ربط مصيرهم بقرار الإمبريالية وخاصة الأمريكية والإقرار بأن المحتل 1948 لم يعد للفلسطينيين والعرب، بل إن مشروع ترامب  يذهب بعد غزة للضفة الغربية أيضاً مما يعدم الوجود الفلسطيني بشريا وليس فقط سياسياً، وهذا يعني وصول خنوعهم  إلى إدارة ظهورهم للأمة بالمطلق وخاصة أن الكيان يتوسع في سوريا ولبنان بوقاحة وعلانية!فهل إنقاذ غزة يجب أن يكون مقابله ضياع سوريا ولبنان وغيرهما!

وبالمقابل، يدرك الحكام  بأن وصول الخنوع إلى هذا الحد لا بد أن يتبعه وضع شعبي، ولو تدريجي أو في قطر بعد آخر ،إلى حالة الرد الشعبي وهذا يعني أن العروش يمكن أن تتساقط

أي أن مواقف هذه الأنظمة ليست بناء على عروبة أوقومية أوإسلام ابداً لأنها لو كذلك لتوقفت إبادة غزة ولما تجرأ ترامب على مشروعه.

كما أن مواقف هذه الأنظمة لا تزال محصورة قطريا بمعنى أن كل قطر تابع بطريقته وبمفرده الغني والفقير على حد سواء.وكما يبدو فإن هذه الأنظمة  تطبق قانون أن  “المال” لا يتوازى في الأواني السياسية المستطرقة، فلو كانت بصدد “توازي” المال لتوصلت إلى أن ثروات الوطن العربي وموقعه تجعل كل العالم بحاحة لهذه الأمة وليس العكس.

 يبدو ان مشروع ترامب أُضطر هذه الانظمة للتفكير ولو جزئياً كمجموع وليس فرادى وخاصة في قضية مركزية في الوجدان والروح الشعبي العربي وأن هذه الأنظمة تخشى تحول هذه الروح والوجدان إلى فعل  وهو ما أسميه ضرورة إستعادة الشارع العربي من ايدي قوى الدينسياسي والأنظمة وطابورها الثقافي السادس الذي يأخذ مثقفين عرباً زرافات ووحداناً إلى الدوحة للفتك بعروبتهم قبل تحصيلهم الأكاديمي وليقوموا بدور الأفاعي السامة في ثقافة العروبة.

هنا قد يقول البعض أن الأداة الثورية غائبة عن المشهد وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن هذا لا يعني أن التحدي سوف يتمكن من مواصلة لجم الشعب وحتى بغياب قيادة وربما يفرزها الحدث نفسه.

هذا الاحتمال الرفضي الشعبي الذي تخشاه الأنظمة وهي مضطرة لذلك، هو ما أعتبره شكلاً من التطبيق أو الإنطباق الأولي لنظريتي في “التنمية بالحماية الشعبية” وهي بإيجاز وصول الشعب إلى قناعة بقضية وحق مركزيين سواءفي التنمية أو الوحدة القومية أو حتى الإيديولوجيا بحيث يتمكن الشعب من الضغط على السلطة بقبول وتلبية ما يطلبه.

إن وصول التحدي إلى درجة إصرار الشعب على الحماية الشعبية سواء لحماية الوطن أو إنجاز التنمية  هي حالة يصبح النظام/السلطة حينها أمام إما العناد ومن ثم الانفجار الثوري أو الرضوخ للضغط الشعبي سواء جزئيا  أو كلياً.

التنمية بالحماية الشعبية هي جوهر أطروحتى للدكتوراة في ثمانينات القرن الماضي وقد تأكدت بانتفاضة 1987 الكبرى في الأرض المحتلة حيث تمكنت الجماهير من مواجهة الاحتلال الصهيوني مواجهة جماعية شاملة وما كان لها ان تنتهي لو أن قيادة م.ت.ف تفاعلت تنمويا مع الانتفاضة ولو قامت  الأنظمة العربية حينها بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ولم تكن تحت ضغط لتقف هذا الموقف.

ومن ناحية نظرية عامة، وبقرائتي لسقوط التجارب  في المعسكر الإشتراكي وعلى ضوء نظرية الرفيق سمير امين فك الإرتباط، وهي مدخل إلى التحول الإشتراكي لكنه مدخل إعتمد على قرار الدولة اي من الأعلى ، وربما لذلك سواء بالبقرطة والتمايزات الطبقية والوهن الإيديولوجي والأزمة الإقتصادية وبالطبع حرب الإمبريالية ضد الاتحاد السوفييتي عبر تسخير إمكانياتها وإمكانيات معظم بلدان المحيط ضد الكتلة الإشتراكية التي كانت أقل كثيرا حتى من حيث الإمكانيات، بل إن معظم بلدان المحيط التي كات صديقة للسوفييت كانت قد إنخرطت في السوق الراسمالي كتوابع ومنها الجمهوريات العربية التي كانت تتسلح من الشرق وتتتاجر مع الغرب!.

أصل إلى الاعتقاد بأن موقف الأنظمة العربية من مشروع ترامب الصهيوني ضد غزة هو موقف المتخوف من الرد الشعبي العربي وهو ما أسميه الرد والضغط على طريق الثورة والتنمية بالحماية الشعبية.

وهذا يقود لسؤال آخر،إذا تم النجاح في لجم مشروع ترامب وحتى أُقيمت دولة فلسطينية في الضفة والقطاع فإن هذه لن تكون سوى هدنة لجولة أخرى وأعتقد أن الكيان يفهم ذلك جيدا وتماما وهنا مأزقه.

ولكن توقف مشروع ترامب أو تأجيله  أو استخدامه فزاعة لا ينفي ولا يعفي الأنظمة العربية من الإصرار على إعادة الإعمار في غزة والضفة والضاحية  لأن هذا واجب وهو ايضاً إنتزاع حق من الأعداء وبدايو موقف مختلف مع الأعداء. فهل يرتقون له؟.

لقد تعودنا من الأعداء على المطالبة بالأكثر، ولذا لم  يرضو بالتطبيع فذهبوا إلى التهجير ولم يكتفوا باحتلال فلسطين بل احتلوا سوريا وبعض لبنان، ولم يكتفوا بالاعتراف بالكيان بل وصل نتنياهو إلى عدم اعترافه بسيادة السعودية على أرضها حيث طلب تهجير الفلسطينيين إليها. ولم يكتف الأعداء بالصناديق السيادية العربية عندهم وشراء سندات الخزينة الأمريكية وغيرها،ولا التبرع لهم باستثمارات هناك والتي من السهولة بمكان سرقتها كما حصل ضد إيران بعد الشاه وضد روسيا مؤخرا، ولم يكتفوا بأن هذه الأنظمة القطرية خدمت الأعداء الغربيين الرأسماليين بمحاربة الإشتراكية وخلق طبعات مشوهة للإسلام لتجريده من عروبته.

إن التجريد من الإسلام هو في أعلى مخاطره اليوم حيث تحتل تركيا سوريا علانية ومع ذلك لا يزال كثيرون حتى فلسطينيين يغمضون الأعين عن وداعة ترامب الأفعوانية وعن حديثه العالي ضد الكيان وهو نفسه اسوأ من الكيان.

بقي أن نختم بأن هذه القطريات العربية إذا ما اتخذت موقفاً أفضل، فهي من جهة مضطرة وعلينا مواصلةالضغط عليها سواء بحراك الشارع أو بدور اليمن النموذجي ومختلف قوى المق.

يجب أن يعمل تقدميوا وشرفاء ويساريوا وقوميوا هذه الأمة على إغلاق الباب أمام  بقاء الدولة القطرية، وهذا معنى إسترداد الشارع العربي ولن ينجح هؤلاء إن لم يتوحدوا في حركة كتلة تاريخية عروبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *