تمديد الهدنة أم تعطيل وتصعيد؟.


أسامة خليفة*
يوم السبت القادم 1 آذار/ مارس هو اليوم الـ«42» لوقف إطلاق النار، يعني انتهاء المرحلة الأولى، و الدخول في المرحلة الثانية دون التوصل إلى صيغة لترتيبات هذه المرحلة، و لا يتوقع خلال الأيام القليلة القادمة التوصل إلى صيغة اتفاق بين الطرفين حول هذه المرحلة، و كان مقرراً أن تبدأ المفاوضات في اليوم الـ«16» للاتفاق على ترتيبات المرحلة الثانية بعناوينها السياسية و العسكرية الهامة، حول وقف إطلاق نار مستدام، و صيغة تبادل الأسرى من الجنود الإسرائيليين بمقابل أسرى فلسطينيين ذوي أحكام عالية، و الانسحاب الشامل للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بما فيها محور فيلادلفيا، مما يطرح التساؤل عن تطورات الوضع المضطرب إلى أين تسير الأمور؟. تعطيل و تصعيد أم تمديد؟. يريد نتنياهو وحلفاؤه من اليمين المتطرف التعطيل و التصعيد و أن يمهد بالمماطلة الطريق إلى استئناف الحرب مجدداً، لكن الأمور لا تجري وفق ما يريده نتنياهو، و الولايات المتحدة ستزيد من الضغوط لتوسيع المرحلة الأولى لتشمل ما هو أبعد من الـ«33» مختطفاً المشمولين في المرحلة الأولى من الصفقة و قد تزيد الولايات المتحدة من الضغوط لتوسيع المرحلة الأولى بعد مهلة الـ«42» يوماً المخصصة لهذه المرحلة، و في حال تم الاتفاق على تمديد المرحلة الأولى، فإن وقف إطلاق النار سيستمر، إلى جانب إدخال المزيد من المساعدات الإنسانية و البيوت المتنقلة.
و المرجح خياران آخران، إما التمديد لمدة تصل إلى أسبوعين، أو حرق المراحل و جمعها في مرحلة واحدة، و أشار المحلل بالقناة الـ12 العبرية إيهود يعاري، إلى أنه «يوجد فرصة لتسريع الصفقة، و لجعل كل شيء يحدث بشكل أسرع”، منوها إلى أن “هناك استعداداً من جانب حماس أيضاً».
من جانبها المقاومة الفلسطينية أبدت استعدادها لقبول صفقة شاملة و تبادل الكل مقابل الكل دفعة واحدة، صفقة شامل تتضمن التوصل إلى اتفاق وقف مستدام لإطلاق النار، و الانسحاب الشامل من القطاع. و هذا يتوافق مع مطلب الرئيس الأميركي ترامب لإطلاق سراح الأسرى كلهم دفعة واحدة.
وقد طرحت المقاومة الفلسطينية الإفراج عن كل الأسرى دفعة واحدة دون تجزئة، و اعتبرت أنها مرونة في المرحلة الثانية، مقابل كل أسرى فلسطين، و نتنياهو هو من يريد تجزئة المراحل نواياه في اقتناص فرصة للتملص من الاتفاق، و العودة من جديد إلى حرب الإبادة الجماعية، بذريعة القضاء على الإرهاب، و عدم وقوع 7 أكتوبر جديدة. و كانت “إسرائيل” هي من تماطل و تجزّئ الصفقة و تتهرب من الدفعة الواحدة، بينما رحبت حماس منذ البداية على تبادل الأسرى دفعة واحدة. و قال القيادي في حركة حماس محمد نزال: «نحن لم نتراجع و لم نستسلم، بل قدمنا مبادرة واضحة لإطلاق سراح جميع الأسرى مقابل الإفراج عن أسرانا دفعة واحدة، لكن الاحتلال هو من يماطل و يؤخر الحل»، و الرئيس الأميركي ترامب عبر عن الضجر و الملل من تجزئة تبادل الأسرى على دفعات، و تبدو واشنطن راغبة بقوة في تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة و عودة جميع الرهائن، و استئناف التفاوض إما في الدوحة، أو من خلال جولات مكوكية للمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف مبعوث ترامب الخاص، الذي يواصل إظهار رغبته القوية في تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة، و عودة جميع الرهائن. حيث يبدو مسؤولو الولايات المتحدة أكثر حرصاً على التبادل و عودة الأسرى إلى ذويهم من نتنياهو، و يعتبر محللون إسرائيليون، أن تمديد المرحلة الأولى من الصفقة على حساب المرحلة الثانية هو حل سياسي ممتاز بالنسبة لنتنياهو. و حذّروا من أن تدمير الاتفاق الآن يضر بمصلحة “إسرائيل” في تمديد المرحلة الأولى قدر الإمكان و تحرير المزيد من الرهائن من غزة، و اعتبروا أنه « بأي حال من الأحوال ستكون هناك مرحلة ثانية، لذلك من الأفضل الإسراع، و تسريع الجدول الزمني بشكل أكبر .. و لا يوجد سبب حقيقي لعدم القيام بذلك».
و في البحث عن السبب في تعطيل المفاوضات نجد منذ اليوم الـ«16» للاتفاق، أن نتنياهو يماطل و يعرقل إطلاق المفاوضات الخاصة بالمرحلة الثانية من الاتفاق، الذي تم التوصل إليه بوساطة قطر و مصر ودعم الولايات المتحدة، حيث عمل نتنياهو على عرقلة التوصل إلى المرحلة الثانية بتأخير وصول الوفد المفاوض إلى الدوحة، و إرسال وفد غير مخول بأية صلاحيات، ثم طرح شروط جديدة غير قابلة للتطبيق، و غير متضمنة في الاتفاق و تنسفه من أساسه، فقد طلب نتنياهو نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، و إبعاد حركة حماس إلى خارج قطاع غزة، رغم معرفته أن من المستحيل التوصل إلى اتفاق مع حركة حماس بشأن نزع السلاح كما لا يمكن لأي فصيل أن يسلم سلاحه في غزة، و في كل منطقة في فلسطين، ما دام هناك احتلال.
ولا سيما أن الحديث في “إسرائيل” يدور حول استئناف الحرب بعد استكمال المرحلة الأولى من تبادل الأسرى، و أن هناك خطة حرب جديدة مع رئيس الأركان الجديد، ستكشفها الأيام، و تفيد مصادر بأن القرار تم اتخاذه بدعم أمريكي، و أن الحديث يدور عن عملية عسكرية ضخمة، تشمل إدخال عدد كبير من القوات البرية إلى مناطق محددة في غزة، بعد فترة استراحة للقوات الإسرائيلية خلال الهدنة الجارية، إلى جانب استلام تعزيزات عسكرية ضخمة من الولايات المتحدة، كذلك هي تصريحات نتنياهو الذي تعهد علناً بتنفيذ كل أهداف الحرب، و قال: «سنعمل على ضمان تحقيق كل أهداف الحرب في غزة، و ألا تشكل حماس تهديداً لإسرائيل. و على إعادة كل المحتجزين الإسرائيليين».
أما عن اليوم التالي للحرب بشأن إدارة قطاع غزة، حيث ترفض “إسرائيل” و معها الولايات المتحدة أي دور لحركة حماس في حكم غزة، و هذا لن يكون حجر عثرة في المفاوضات لأن حماس لا تسعى لحكم غزة، و هي غير متمسكة بالسلطة في غزة، و قد قال نزال: «نحن غير متمسكين بإدارة غزة، لكننا لن نسمح بأن يتم استئصالنا من المشهد السياسي .. و ستظل قوة سياسية ومقاومة فاعلة على الأرض ».
و قال نزال: « نحن لم نقل إننا سنسلم قطاع غزة إلى منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية، بل تحدثنا عن إدارة وطنية تشمل شخصيات مستقلة، لكن حركة فتح لم تكن جزءاً من هذا التوافق». و قد وافقت حركة حماس على تشكيل «لجنة الإسناد المجتمعي» لإدارة القطاع مدنياً و خدماتياً، و هي مبادرة تمت بموافقة مصرية و فصائلية، لكن السلطة الفلسطينية اشترطت أن تكون اللجنة تابعة لها، و رئيسها وزير في حكومة محمد مصطفى.
و في الواقع سيكون على نتنياهو أن يختار بين الحرب و تدمير حماس، و بين إعادة المحتجزين إلى ذويهم سالمين، و لن تتمكن “إسرائيل” من طرد عناصر حماس و قادتها أو نزع سلاحها. إذ اعتبر القيادي في حركة حماس محمد نزال: نزع سلاح حماس خط أحمر، و التهجير خط أحمر، و أكد نزال أن مطالب “إسرائيل” أو حتى الضغوط الدولية بشأن نزع السلاح غير مقبولة لدى حماس، مشيراً إلى أن سلاح المقاومة هو الضمانة الحقيقية لحقوق الشعب الفلسطيني. و قال: «السلاح ليس محل تفاوض، و سيبقى حتى زوال الاحتلال بالكامل و إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة».
*باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»