أقلام الوطن

متى ستعي سلطة عباس حقيقة الكيان اللقيط!!

سماك العبوشي
سماك العبوشي

سماك العبوشي*

أتذكرون اتفاقيات أوسلو، تلك الاتفاقية الغريبة العجيبة التي جرى توقيعها بتاريخ 13   أيلول / سبتمبر  1993 و التي وافق بموجبها مَنْ كان قد اُغْتصِبَتْ أرضُه على الجلوس مع سارق أرضه و مغتصبها، معترفا به، و متنازلا له عن طيب خاطر عن 78% من حقه في أرضه التاريخية التي كانت لأسلافه و أجداده عبر التاريخ و العصور، مقابل وعد كان السارق المغتصب قد قطعه على نفسه بإقامة دولة للضحية بعد خمس سنوات على 22% من حقه التاريخي بأرضه!!

أتذكرون اتفاقيات أوسلو، ذلك الفخ الكبير الذي وقعت فيه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية و التي بموجبها التزمت فيها على لسان رئيسها ياسر عرفات بحق الكيان اللقيط المغتصب السارق في العيش بسلام و أمن مع ضحيته، و الأنكى من هذا كله، يتمثل بقيام منظمة التحرير الفلسطينية بإدانة ما كانت تمارسه من حق شرعي بمقاومة الاحتلال و التي وصفت ببنود الاتفاق بـ (الإرهاب!!)، هذا كما و قامت بتعديل بنود الميثاق الوطني و إلغاء بعضها للتماشي مع متطلبات هذه الاتفاقية المشينة!!، علاوة على أخذها على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها و منع انتهاك هذه الحالة، بل و التعهد بضبط المنتهكين لها مستقبلا و التضييق عليهم!!.

 أتذكرون اتفاقيات أوسلو التي نص إعلان المبادئ فيها على إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطيني (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية) و مجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية و قطاع غزة، لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و 238  بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية، كما و نصت تلك الاتفاقية، على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس ، اللاجئون ، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات و التعاون مع جيران آخرين، وصولا لإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة، و ها قد مضت ثلاثة عقود دون أن يتحقق شيء منها، بل و ازدادت الأمور سوءً كما سنرى لاحقا !!.

ثم أتذكرون اتفاقيات أوسلو، تلك المصيدة التي حولت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها ( في سابقة تاريخية لم تحصل لآي حركة تحرر في العالم من قبل!!) من حركة تحرر وطني إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة!!

 تلك لعمري باختصار شديد، بعض من غيض ما نعرفه من تلك الاتفاقية المشؤومة التي وقعت كالصاعقة الماحقة على رأس الفلسطينيين في غفلة من أمرهم فأذاقتهم الويل والثبور، والتي بموجبها قُسمت أراضي الضفة الغربية إلى 3 مناطق، مع احتفاظ الكيان اللقيط بسيطرته على الحدود و الأمن الخارجي و القدس و المستوطنات و”مسؤولية الأمن الشامل للإسرائيليين”، و المناطق الثلاث هي:

منطقة (أ): و هي التي تخضع أمنيا و إداريا بالكامل للسلطة الفلسطينية، و تشكل 17.5% من مساحة الضفة الغربية، و هي مراكز المدن الفلسطينية، لكن و على أرض الواقع فإن قوات الاحتلال تقتحم هذه المناطق يوميا منذ سنوات، و لم يعد هناك فرق بينها و بين مناطق (ب) التي سيرد ذكرها تاليا!!

منطقة (ب): تخضع إداريا للسلطة الفلسطينية و أمنيا لإسرائيل، و التي تمثل ما نسبته 18.5% من أراضي الضفة، و هي الامتداد الريفي للمدن، و تدير شؤونها المدنيةَ السلطةُ الفلسطينية، لكنها تخضع أمنيا لسلطات الاحتلال التي تقتحم بدورها هذه المناطق و تعتقل الفلسطينيين و تهدم المنازل فيها!!.علما أن مناطق (أ) و(ب) تمثلان 36% من مساحة الضفة، و يسكنها 92% من الفلسطينيين، حيث تعد مناطق مكتظة، في وقت أبقت فيه اتفاقية أوسلو أكثر من 60% من أراضي الضفة تحت سيطرة الكيان اللقيط مدنيا و أمنيا، إذ شهدت هذه المنطقة أكبر عمليات الهدم و التهجير وأصبحت “شبه دولة” للمستوطنين!!

منطقة (ج): تخضع أمنيا و إداريا بالكامل لسيطرة الكيان اللقيط فقط!!.

و يذكر بأن أراضي الضفة الغربية التي قسمت بموجب اتفاقية أوسلو إلى مناطق (أ) و(ب) و (ج)، كان من المفترض أن يسري عليها هذا التصنيف لمدة 5 سنوات لحين التوصل لاتفاق دائم بين الجانبين.!!

و دارت الأيام و السنون، حيث انهمكت منظمة التحرير الفلسطينية بمفاوضات أقل ما توصف بها بأنها كانت عبثية عقيمة، حيث مارس السارق المغتصب خلالها الكذب و اللعب و التدليس، كما ونفذ شتى التجاوزات و الانتهاكات، كما و راح يقضم مما تبقى للضحية المسروق من أرضه ليقيم عليها الكيان اللقيط مستوطناته، و ليس هذا فحسب، هذا كما و اتسع الانقسام الفلسطيني جراء التوقيع على تلك الاتفاقية، لرفض الغالبية العظمى من شعب فلسطين لها (باستثناء حفنة من المنتفعين من إقامة السلطة الفلسطينية)!!  

و اليوم يطل علينا اليميني المتطرف إيتمار بن غفير برأسه العفن ليطيح بآخر أحلام قيادة السلطة الفلسطينية بإقامة دولتهم الموعودة من خلال إعلانه بأن حزب “عوتسماه يهوديت” (عظمة يهودية) الذي يرأسه سيقدم مشروع قانون في الكنيست الإسرائيلي لإلغاء اتفاقيات أوسلو، و اتفاقية الخليل، واتفاقية واي ريفر بشكل كامل، و أن الكيان اللقيط سيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه، بما في ذلك إعادة الأراضي التي تم التنازل عنها في إطار الاتفاقيات، هذا كما و سيتم إلغاء القوانين التي صدرت لتنفيذ تلك الاتفاقيات، معللا خطوته تلك ببيان له و أقتبس نصا ما ورد فيه: “إن إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل من شأنه أن يشكل تهديدا وجودياً لدولة إسرائيل و مواطنيها، و من شأنه أن يؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، و يقوض الاستقرار في المنطقة”!!، كما و قال عضو الكنيست بن غفير، إن “الوقت حان لتصحيح أحد أكبر الأخطاء في تاريخ البلاد – اتفاقيات أوسلو الملعونة التي جلبت لنا آلاف القتلى، و ما زلنا نعاني منها حتى يومنا هذا… انتهى الاقتباس!!

هكذا و بمنتهى البساطة و اليسر يتحدى بن غفير قرارات الأمم المتحدة بإقامة دولتين على أرض فلسطين، و أتوجه بالتساؤل لما تبقى من منظمة التحرير الفلسطينية:

هل أدركتم الآن حقيقة الفخ الكبير الذي وقعتم فيه حين وقعّت قيادتكم التاريخية على اتفاقية العار و الاستسلام و الخنوع في أوسلو!!؟، أم أنكم لا زلتم على وهمكم و غفلتكم تتمنون الأماني الواهمة و تلاحقون سرابا بإقامة دولة فلسطينية و على 22% فقط من أرض أجدادكم و آبائكم !!!؟

و هل أدركتم أم أنكم مازلتم لا تدركون بعد مضيّ ثلاثة عقود على توقيع تلك الاتفاقية أن ما تبقّى منها إنما كانت آلية إسرائيلية خبيثة بهدف السيطرة على الفلسطينيين و بأقل التكاليف!!؟

و هل أيقنتم الأن حجم الخطيئة الكبرى التي اقترفتمتوها بحق شعبكم الفلسطيني حين قمتم بتعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني، كما و الغيتم بعض بنوده علاوة على اعترافكم المجاني بحق الكيان اللقيط في 78% من أرض شعبكم التاريخية لتكسبوا ودّ ومرضاة راعية اتفاقيات أوسلو (الولايات المتحدة الأمريكية)!!؟

لاشك أن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات قد أدرك بعد سنوات قليلة من توقيعه اتفاقيات أوسلو بمراحلها المختلفة حجم الوهم الكبير الذي وقع فيه و ما قدّمه من تنازلات مجانية للكيان السارق اللقيط، إلا أنه للأسف الشديد لم يتمكن من تصحيح الأوضاع، حيث حوصر في رام الله، وترك وحيدا فريدا داخل ما يسمى بالمقاطعة ليتم اغتياله رحمه الله في ظروف غامضة بات يعلمها القاصي و الداني، ليحل محله من ارتضى السير في نهج الانبطاح و الذل و الهوان المتمثل بـ (التنسيق الأمني) مع قوات الكيان اللقيط، و لا يعرف ما مصيره بعد!!

و في المقابل، و إذا كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية قد سقطت في فخ اتفاقيات أوسلو، و فاتها تصحيح المسار المنحرف الذي انخرطت به، فإنني أتوجه لقيادة السلطة الفلسطينية عموما، و إلى رئيسها محمود عباس “أبي مازن” خاصة و الذي وصف حينها بأنه مهندس اتفاقيات أوسلو، فأخاطبهم:

أما فيكم رجل رشيد فطن يهمه أمر شعبه الفلسطيني، و يدرك أبعاد و نتائج تلك الخديعة و الوهم الذي وقعتم فيه وفق المعطيات التالية:

1-    قد فشلتم تماما طيلة ثلاثة عقود -مع سبق الإصرار و العناد و الكِبْر- في إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة و التي تم الاتفاق على إقامتها وفق بنود اتفاقيات أوسلو و برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، و تذكروا جيدا خيبة أملكم حين أعاد الكيان اللقيط السيطرة على ما كان تحت سيطرة سلطتكم من أراضٍ بعد أقل من 8 سنوات من توقيع ذاك الاتفاق!!.

 2-     قد ارتضيتم أن تكونوا مكلفين بممارسة دور المقاول الأمني لصالح الكيان اللقيط السارق المغتصب لأرضكم، و أصبحتم بذلك المسؤولين عن تهدئة المخاوف الأمنية و السياسية لهذا الكيان المغتصب من خلال التنسيق الأمني معه، و بالتالي صارت سلطتكم الفلسطينية ذراعا له تم استخدامه في قمع المقاومة الفلسطينية، فأي عار هذا و أي شنار قد أصابكم و لطخ سمعتكم!!؟

 3-    قد اتسعت – و تحت أنظاركم و مسامعكم – المستوطنات الإسرائيلية و انتشرت بشكل غير مسبوق منذ اتفاقيات أوسلو، حيث كان عدد المستوطنين في الضفة الغربية و قطاع غزة (وفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي) في نهاية عام 1993 أكثر من 116 ألفا، إلا أن عدد المستوطنين اليوم يبلغ 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة و شرقي القدس المحتلة، و برغم انسحاب “إسرائيل” من جميع مستوطناتها في غزة عام 2005 !!.  

 4-   أنه لا سلطة فعلية لكم في الضفة الغربية (باستثناء كونكم وكلاء أمن الكيان اللقيط)، حيث سلمتم مواردكم الوطنية الفلسطينية للكيان اللقيط، و من ضمنها المياه و الكهرباء و الطاقة، كما و حافظ الكيان اللقيط على سيطرته الكاملة على الحدود الخارجية و على حركة التجارة الفلسطينية مع الأسواق العالمية، هذا كما و اتاحت اتفاقيات أوسلو للكيان اللقيط السيطرة الكاملة على الإيرادات الضريبية للسلطة الفلسطينية، من خلال نظام المقاصّة، و بموجب هذا النظام، تُحصِّل إسرائيل بالنيابة عنكم الضرائب على الواردات إلى السوق الفلسطينية، و الضرائب غير المباشرة على السلع الإسرائيلية المصدّرة إلى الأراضي المحتلّة، و ضرائب الدخل و التحويلات الاجتماعية من الفلسطينيين العاملين في “إسرائيل” أو في المستوطنات الإسرائيلية، و بعدئذٍ، تقوم “إسرائيل” بتحويل إيرادات هذه الضرائب إليكم بعد خصم 3% منها كرسم تحصيل، و بذا فقد بقيَ اقتصاد الضفة الغربية معتمدًا على اقتصاد “إسرائيل” في مرحلة ما بعد أوسلو، تماما كما كان عليه الحال في مرحلة ما قبل أوسلو!!.

 5-    لقد كان المبدأ الأساسي في اتفاقية أوسلو الأولى يتضمن اعتبار أن قطاع غزة و الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية كيان جغرافي واحد موحد، إلا إن الكيان اللقيط بخبثه و دهائه المعهود ( وبغبائكم و عدم اكتراثكم!!) قد عمد الى تفتيت الأراضي الفلسطينية من خلال تطبيقه لنظام الاغلاق الإسرائيلي الذي بدأ العمل به في مطلع التسعينات، مما تسبب بقيود مفروضة منه على الحركة و التنقل، علاوة للتقسيم الإداري للضفة الغربية الى المناطق ( أ ، ب ، ج) بحسب اتفاقية أوسلو الثانية، كما و تم توسيع المستوطنات الاسرائيلية غير القانونية – كما أسلفنا سابقا- ، و بناء جدار الفصل، كل ذلك كانت عوامل قد أدت الى التفكك الجغرافي لأراضي الضفة، كما و أصبحت مفصولة أيضا عن القدس الشرقية و قطاع غزة، و صار بالتالي أمرا واقعا يصعب فيه إقامة دولة فلسطين الموعودة!!

 و من هذا المنطلق، و إزاء تلك الحقائق و غيرها من المعطيات مما لا يسعنا ذكرها بالكامل، فلا بدّ من إعادة طرح تساؤل هام:

ما الذي حقّقته اتفاقيات أوسلو للفلسطينيين في الواقع؟

لا نجافي الحقيقة و لا نبتعد عن الصواب لو أننا قلنا بأن اتفاقيات أوسلو قد كانت في المقام الأول مشروعا شيطانيا خبيثا كان يرمي إلى إعادة تنظيم السلطة الإسرائيلية، من خلال إنشاء السلطة الفلسطينية كمؤسسة حكم غير مباشر أحالت إليها “إسرائيل” مسؤولياتها المرتبطة بسكان الأراضي المحتلّة، و لعل السبب في ذلك يتمثل في أن إخضاع الفلسطينيين للحكم المباشر بات مكلفًا جدًّا للكيان اللقيط سواء على المستويَين المالي و العسكري، و لا سيما بعد اندلاع الانتفاضة الأولى في العام 1987، و لعل خير من عبّر بوضوح عما حققته اتفاقيات أوسلو من مصالح استراتيجية للكيان اللقيط، ما كان قد عبّر عنه دوف فايسغلاس، المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، حين كتب في العام 2012   ما مفاده و أقتبسه نصا: “اليوم، ونتيجةً لاتفاقيات أوسلو، أصبحت السلطة الفلسطينية، و ليس إسرائيل، مسؤولة عن الحياة اليومية لنحو 3.5  مليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة… أخبرني فلسطيني مرةً أن صفقة أوسلو كانت (ترتيبًا إسرائيليًا ذكيًا). سألته: كيف ذلك؟ فأجاب: (لقد أنشأَت أول سجن في العالم يتعيّن فيه على السجناء إعالة أنفسهم من دون أن تسهم الإدارة العليا في ذلك)، تتمتع إسرائيل بصلاحيات سلطة سيادية في الأراضي الفلسطينية – إنما من دون الالتزامات التي تترتّب عادةً عن ذلك، هذا الوضع هو نتيجة مباشرة لاتفاقيات أوسلو”… انتهى الاقتباس!!

كما و لا يفوتني أن أنبه الأنظمة العربية، سواء تلك التي سارت بركاب التطبيع، أم تلك التي تتهيأ للانضمام إليهم، أقول لهم ناصحا صادقا بأن خذوا حذركم من القادم، فإذا تأخرت نيران الكيان اللقيط عنكم فذاك لعمري سببه بسالة و مقاومة وجلد أبناء الرباط في فلسطين الذين صاروا خندق الدفاع الأول عنكم، فانصروهم و لا تخذلوهم لتأمنوا على سيادة أراضيكم و خيراتكم و استقراركم، و لكم عبرة بالمثل العربي القائل “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”!!  

قال تعالى بحق ما يصنعه قادة سلطة رام الله في محكم آياته من سورة الممتحنة، الآية 1: 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}.

 بغداد في 10 آذار 2025

simakali@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *