أقلام الوطن

المثقف المنشبك لا يُعوَّل عليه

د. عادل سماره

د. عادل سماره

صغتُ مصطلح المثقف المشتبك عبر قراءة و معايشة الصراع الإجتماعي بل الطبقي حيث أبانت أن هذا المثقف مُقاتل فكرياً و ميدانياً فهو لا يقف على الجبل بانتظار من يغلِب، و حتى بمجرد موقفه الفكري النظري هو مقاتل ايضاً. و هذا الوصف ينطبق طبقياً على مثقفي الطبقات المتصارعة المتناقضة بمعنى أن مثقف الطبقة السائدة التابعة معاً في الوطن العربي، الطبقة الحاكمة التي تشن حرباً أهلية ضد مختلف طبقات المجتمع الأخرى و هي الأكثرية هو أيضاً مشتبك، و مثقف الرأسمالية الغربية الإمبريالية هو مثقف مشتبك و لكن كجزء من الثورة المضادة.

لا يكون المثقف ثورياً نقدياً مشتبكاً إذا كان مجرد تابع لسلطة البلد/الطبقة الحاكمة المالكة المستغِلَّة  لأن المشتبك هو ثوري كذلك فهو مُبادر و مُنظِّر و مُجادل و مُدافع عن ما يطرحه، و لذا يكون هذا المثقف مثابة حامل مشعل النور في زواريب معتمة و من هنا أهميته بعكس مثقف السلطة الحاكمة الرأسمالية سواء في المركز أو المحيط بما هو مضاد للثورة.

كما يختلف هذا المثقف المشتبك عن المثقف المنشبك الذي هو وطني ايضاً ولكنه لا يملك شخصية المثقف المشتبك، فهو لا يجادل و لا يعترض بل يتلقى رؤية السلطة و يقوم بزخرفتها و تدبيجها لغوياً و إضافة محسِّنات عليها ضمن ما طرحه النظام مما يجعل منه بُوقاً للنظام. هو يتلقى و يتكيَّف أو يتصيَّد رغبات السلطة و يتلوى حولها. المثقف المنشبك أقرب إلى موظف ثقافي، لذا ليس مُبدعاً حيث يردد ما يُطلب منه.

المثقف المنشبك ليس حراً إذن و لذا ليس ديمقراطياً فهو يُعادي من ليس على شاكلته و كثيراً ما يتحول إلى مخبر للنظام و هو يسد طريق الكتابة و حتى العيش على المثقف المشتبك.

لكن الفارق الأهم بين المثقف المشتبك والمنشبك أن المثقف المشتبك لا يضرب بسيف السلطان بل يضرب السلطان، هو أصلاً ليس في موقع القوة و بالتالي يُقاوم، بينما المثقف المنشبك يزهو بسيف السلطان و لكن، إذا ما سقط النظام الذي يتذيَل له سرعان ما يرتد إلى أكثر من حالة:

الأولى: إما أن ينطوي على نفسه دون مقاومة مردداً المقولة الشائعة بأنها مرحلة إنتهت، و طالما لم تنتصر فلا معنى لأية معارضة أو رفض، إنتهى كل شيىء، وهذا مآله الطبيعي لأنه كان مثقف بلاط و للبلاط ولائه و ليس للوطن فإذا  سقط النظام وجد نفسه عارياً. هذا المثقف لا تاريخي بل لحظي و مؤقت. لقد مرَّت في الوطن العربي عدة تغيرات بانَ معها هبوط هذه الفئة من المثقفين.

لا يتوقف  وجود المثقف المنشبك على العلاقة بالسلطة السياسية بل هناك كثير من الحزبيين هم حالة مركَّبة من مشتبك خلال العمل السري و عدم إنكشافه و لكن حينما يُعتقل و يُضرب الحزب يتبين أنه كان منشبكاً بقيادة الحزب و حينما تُضرب يغادر الحزب و ينطوي ففي الزمن الذي عاصرته في السنوات الأخيرة للحكم الأردني أنهى كثيرون عضويتهم في الأحزاب التي ضُربت من المخابرات و لم تعد للعمل السياسي الوطني قط. و تكررت الظاهرة بعد هزيمة 1967 التي حاقت بحركة التحرر العربية عموماً والفلسطينية خصوصاً. هذه الفئة فاقدة لفهم حركة التاريخ.

و الثانية: أو يتذيَّل المثقف المنشبك بلا حياء للسيد الجديد النقيض للنظام السابق و يمدحه كما كان يمدح نقيضه.

و لعل أفظع ما يشاهده المرء هو سقوط كثير من المثقفين و الفنانين السوريين العرب الذين كانوا منشبكين بالنظام السابق/البعثي و تزلفهم الفوري لنظام الإحتلال المتعدد لسوريا بقيادة الجولاني الإرهابي الموصوف حيث يساهم هؤلاء في غسيله ليصبح السيد الرئيس أحمد الشرع. و لعله أمر مؤسف سقوط المرء إلى هذا الحضيض بلا خجل. و بالطبع، فالإنطواء أفضل. مثل هؤلاء مثقفين فلسطينيين كتبوا أطنان الكلام في مديح غابة البنادق و حينما حصلت إتفاقات أوسلو كمضادة للبنادق تحولوا  لمدحها بأطنان أكثر! و وصفوا المثقف المشتبك أو الشخصية النمطية بالمتخشب و الإنتحاري.

و الثالث: أو يغادر الوطن متخارجاً ضد الوطن نفسه فيغدو جزءاً من الطابور السادس الثقافي المتخارج و المتأجنب، هذا إذا كان لدى العدو متسعاً له أي إذا كانت لديه قدرات و مؤهلات يبيعها في خدمة العدو الخارجي.

لعل الفيصل في تحديد أين يتموضع هذا المثقف أو ذاك هو النقد، فالمثقف الثوري المشتبك يمارس النقد بمستوياته الثلاثة: نقد الذات، نقد الحزب و نقد النظام/الزعيم/القائد. و إذا تخلى هذا المثقف عن نقد الحزب و/أو القائد اصبح منشبكاً لا يُعوَّل عليه.

نعاني في الوطن العربي من خذلان كثير من المثقفين المتحولين من مشتبك إلى منشبك فهم فئة خطيرة تغطي على فشل أو دكتاتورية السلطان حتى بعد هزيمته التي له نصيب كبير في حصولها. ليس من العيب نقد حزب أو نظام كان ثوريا أو وطنياً و أخفق أي نقده بعد إخفاقه كي نحافظ على أن رسالة و هدف المثقف الثوري المشتبك هو “التجرُّؤ على النصر/ماو تسي تونغ”، و هذا لا يتأتى بغير التجرُّؤ على المقاومة و النقد بحد ذاته مقاومة و محاولة لتجليس التاريخ في مساره.

تجدر الإشارة إلى أن مصطلح المثقف/المثقف الثوري،  و النقدي و العضوي و الثورة الثقافية بدأ طرحها من ماركس ثم لينين ولاحقاً جرامشي و غيرهم كثيرين. أسوق هذه الملاحظة لأصل إلى أن هذا المثقف لا يمكن أن يكون مذهبيا و لا طائفياً. و عليه، فإن مما عانينا منه في الوطن العربي هو إنحطاط مثقفين إلى أحضان المذهب و الطائفة و من ثمَّ الدينسياسي! و ربما هذا الإنحطاط يساعدنا على التقاط أحد اسباب التخلف في وطننا و من ثم تفسيره و تغييره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *