إن إبتدأت ، ثِقْ
كتب د سمير محمد ايوب
في حوارٍ معها ( الجزء الثاني والثلاثين )
إن إبتَدَأتَ ، ثِقْ …
ما تطلبه المرأة في الحب ، لم يعد يا شيخنا ، فارساً كما يعتقد البعض . ولا ثراءً ماديا ، كما يقول بعض دهاقنة المال . ولا جِداراً تَتكئُ عليه كما تقول ألأمثال . فالمرأة المعاصرةُ ، باتت قادرةً على تأمين كل إحتياجاتها ألمادية بنفسها ، بِلا فارسٍ وبِلا رجلٍ حتى .
لكنّها عاجزةٌ عن الحُبِّ لِوحدها . الحبُّ قانونٌ يربطها مع شريك . فارساً كان ذاك الشريكُ ، أو غيرَ فارس . غذاءُ المرأةِ ألذي يُبقيها ملكةً ، هو الحب وليس المال ، ولا الفرسان ولا الرجال .
قلتُ مُتساءِلا : ولكن ما الحب بالنسبة لها ؟
قالت : ليس سلعةً يُساوَمُ عليها ، أو متاعا لشاريه . فالمتاعُ كما تعلم ، ويعلم جُلُّ عقلاءِ الناس ، يُقَوَّمُ بِما يُدْفَعُ أو يُبْذَلُ فيه ، غالِياً أو رخيصا كان . ألشريك للشريك قلبٌ لِقلب ،لا يقوم أيٌّ مِنهما إلا بما يكون فيه .
لا يُقال للحب سحابةُ صيفٍ تزول . ولا نَصِفَهُ بِفَصلٍ من الفصول . و ليس ورقةً تَسقط من شجرةٍ ، أو دمعةٍ نَزَّازةٍ من عين ، ولا حتى أحلاما تتبدد بالهَبَلِ أو تضيعُ بالعَبث .
الحُبُّ ليس لقبا إجتماعيا ، يُؤطرُك برقاعِ دعوةٍ مُزَخرفة . وفاتحةٍ بعد شكلياتِ فِنجالٍ من قهوة ، تُتمتم بها مواكبُ جاهاتٍ إستعراضية ، قبل توثيقِ العقود ، وتوقيع الوثائق ، وقسائم الملكية ،وقواشينِها .
وهو بالتأكيد ، ليس مهرجانات إستعراضٍ للثراءِ والتسابق للبذخ العبثي ، في صالات مكيفة مزينة ، أو أسواق عكاظ في مضارب معاصرة ، تحف بها وصلات من النق والإستغابة والتحاسد والتبسم المتكلف ، على إيقاع ضجيجِ الفِرَقِ الصاخبة والتصوير الملون ثلاثي الأبعاد .
قلت مغلفا إستنكاري ببسمةٍ حَيرى : قليلُ تلك الهيصة أوكثيرها ، لا يعدو أن يكون زيطةً أو زمْبَليطة ، تومئ إلى مناسبةٍ وإشهارٍ جمعي لها . تماما كالإيماء إلى الرجولة ، أو الأنوثة وقدرتها على التناسل .
قالت متابعة دون أن تلتفت إلى وجهي : أو قل يا شيخي ، كالسيف إيماءٌ إلى القوة . يستطيع كل إمرئ أن يحمل سيفا . غير أنه ليس كل ذوي السيوف سواء . فقد يحمل ألجبان في كل يد سيفا . ويملك في داره مائة سيف . كلها إيماء للقوة ، ولكن البطل ليس هناك ؟
قلت وانا احدق في عينيها تعمدا : الحب الصحيح ، ليس الذي يأخذه أو يقوله كل شريك للآخر ، قبل أن تتسع لهم جنبات الدار . لكنه ذاك الذي يجدوه بعد أن يدلفا معا ، العتبات إليها . وتُغلق وراءهم الأبواب .الحب معاملات جارية ، يسحب الشريكان من نبعها ، كل يوم .
سألَتْ وهي تركز في عيني : كيف ترى الحب أنت ؟
قلت مُعابِثاً : الحب يا سيدتي كاشِفٌ ، كالعطر تماما . لا يُمكن للإنسان أن يُخبّئهما لو أراد . ولكن الحب ، لا يُكْتَفى بإستنشاق طيبه . لله دره ، إنه كتابٌ ضخمٌ من الطلاسم والأحجيات ، مكتوبة بعدة لغات ، منطوقة وأكثرها مُشَفَّرٌ . يحتاج البصير الحصيف ، ممن يتوسله أو يتوسده ، لملكاتِ وحكمةِ نبي الله سليمان علية السلام ، ليعجم كنانته ويروضه قبل أن يتذوق ثمار كل صفحة من صفحات ذاك السفر.
سألِتْ مُتعجلة : بم تنصح يا شيخي ؟
قلتُ متمهلا : بعد إتقان ألكثير من لغات الحب ، أنصحك بفنونِ ومهاراتِ ألتغابي ألذكي . فَمِنَ الذكاء أحيانا ، أن تكوني غبية لبعض الوقت . فما على ضفاف وحواف المرآةِ إلا زبَدْ . والزبد كما تعلمين لا يَسقي العِطاش ، لا يرويهم ، لا يشبع أو يغني من جوع .
وأضَفْتُ وأنا أُنَقِّلُ بصري بين عينيها والأفق البعيد : ليغمرَكِ دفءُ المشترك ، إبحثي عنه مع شخص مُختلف ، عن كل من حولَك ، وضَعيه بين قوسين ، لتشيخي معه .
إن كنتِ الشريكَ المناسب في الحب ، إذهبي حتى الأقصى فيه . ولكن إياك أن تُمْنِني أو أن تنتظري مُقابل . ألوصول إلى قطوفه الدانية ، بعد العتبة الأولى ليسَ عسيراً .
الأصعب ، هو التوقف في أنصاف معارجه ، أوالتردد في جنبات أرباعها . أوالجلوس على أرصفتها وضفافها . والكوارث في العودة مُبْتَلة من حياضه ، أو السقوط في قيعانه ، فهي إن كنت لا تدرين ، بلا قَرار يا سيدتي .
الأردن – 5/3/2018