ملف الاسرى- لغة القوة فقط…!
نواف الزرو
تفتح مناسبة يوم الاسير الفلسطيني التي تحل في السابع عشر من نيسان في كل عام، ملف الاسرى على اوسع نطاق، وتثير الاسئلة الكبيرة حول قضيتهم واستمرار اعتقالهم، وحول تحريرهم المعلق والمؤجل دائما…!
ولعل السؤال الكبير الرئيس في الوعي الجمعي الفلسطيني العربي: لماذا يبقى هؤلاء الاسرى في معتقلات الاحتلال…؟!، ولماذ تعجز القيادات والفصائل الفلسطينية عن تحريرهم…؟!، ولماذاتعجز المفاوضات السياسية عن تحريرهم…؟!.
في المشهد الصراعي الفلسطيني مع الدولة الصهيونية، نتابع كيف قامت تلك الدولة منذ البدايات ب”اكبر عملية اعتقال جماعي في التاريخ الحديث”، فاعتقلت نحو مليون فلسطيني امضوا نحو مليون سنة اعتقالية وراء القضبان الصهيونية، كما نتابع في السياق حكايات الدم والالم والبطولة في معتقلات الاحتلال الصهيوني، وحكايات المفاوضات والمعركة على ما اطلق عليه”الاسماء من العيار الثقيل، اولئك الملطخة ايديهم بالدماء اليهودية”، وكيف ارتهن مستقبل آلاف الاسرى الفلسطينيين في مهب رياح المعايير الاسرائيلية.
فمنذ البدايات الأولى للاحتلال أعلن جنرال حربهم آنذاك موشيه ديان معقباً على انتهاج سياسة الاعتقالات والمحاكمات بالجملة:”سوف تخرج السجون الإسرائيلية معاقين وعجزة يشكلون عبئاً على الشعب الفلسطيني”، وعززه اسحق رابين وزير قمع الانتفاضة حينما اعلن أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية بمنتهى الوضوح أيضاً على”أن الانتفاضة هي مواجهة بين كيانين، ودليل ذلك هو العدد الكبير جداً من المعتقلين الفلسطينيين”، مشيراً إلى”أن حل مثل هذا الصراع لن يكون إلا بواسطة عسكرية”، مؤكداً في ختام كلمته على ” أنه طالما هناك انتفاضة سيبقى كتسيعوت “، مشيراً بذلك إلى معسكرات الاعتقالات الجماعية للفلسطينيين، والتي كان من ابرزها معسكر كتسيعوت في صحراء النقب، وهي السياسة التي انتهجتها تلك الدولة بصورة مكثفة واسعة النطاق خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987-1993، وخلال سنو ات انتفاضة الاقصى ايضا.
الى ذلك، على قدر الاهمية والخطورة التي نظرت وما تزال فيها الدولة الصهيونية للاسرى الفلسطينيين، وعلى قدرالاهمية الاستراتيجية التي اولتها لهم، بوصفهم القيادة الطليعية للشعب الفلسطيني، واستهدفتهم معنويا وسيكولوجيا بغية تحطيم صورتهم وارادتهم ورمزيتهم للشعب والقضية، فتبنت تلك السلطات على مدى عقود الاحتلال الماضية سياسة متشددة جدا ازاء مساومات “تبادل الاسرى” و”تحريرهم”، على قدر ما احتلت قضية آلاف الاسرى الفلسطينيين في باستيلات الاحتلال قمة الاجندة السياسية الوطنية الفلسطينية على الدوام، باعتبارهم نخبة وطليعة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
لقد درجت تلك الدولة على اعتبار الاسرى الفلسطينيين”مخربين”او”ارهابيين”او” مجرمين” وليسوا اسرى حرب، ولذلك وضعت تلك الدولة معايير قولبت على شكل “تابو” خاص بشروط اطلاق سراح معتقلين فلسطينيين، وعلى هذه الخلفية دارت خلال سنوات المفاوضات حول صفقة التبادل-التي توجت في الصفقة الاخيرة باطلاق اكثر من الف اسير فلسطيني – رحى معركة تبادل الاسرى …!.
كان النائب عيسى قراقع رئيس نادي الاسير الفلسطيني تساءل قائلا: ان سؤال الاشكالية هو: هل أزمة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال هي أزمة سياسية أم تربوية؟، مضيفا:”ولأن الأسرى فرضوا وجودهم كأمر واقع على الحياة السياسية الاسرائيلية، فان التعامل معهم يجري وكأنهم أرقام لا بشر بل فئران كما قال الصحفي “عاموس هرئيل” ليس لهم حقوق، والذي يقرر حقوقهم هي نظرية القوة والأمن والأوامر والتعليمات العسكرية الصادرة عن الضابط أو من الجهاز القضائي الاسرائيلي…”.
وربما يكون الاستخلاص الابرز والاهم في سياق قراءة المشهد في يوم الاسيرهو ذلك الاستخلاص المتعلق بملف الآلاف من الاسرى الفلسطينيين والعرب الذين ما زالوا صامدين في باستيلات الاحتلال الصهيوني، وان الطريق الوحيد لتحريرهم كما برهنت التجربة المثخنة بالجراح الفلسطينية حتى الآن هو طريق القوة والقوة فقط …!
فهكذا –كما اقيم ذلك الكيان على الحراب والحروب والقوة والارهاب، فانه لا يرتدع ولا يتراجع ولا يهزم الا بالقوة …!
وليس ذلك فحسب…!
ففي القناعات الفلسطينية المتبلورة الراسخة على امتداد الفصائل والجماهير الفلسطينية فانه لن يتم تحرير آلاف الاسرى الا بالقوة فقط…!
ناهيكم عن ان هناك الكثير ايضا من الاعترافات والشهادات الاسرائيلية على مختلف المستويات التي تقول صراحة ان “اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة “…!.
فبالقوة فقط يمكن تحرير الآلاف من الاسرى…!
وبالقوة وحدها فقط يمكن تحرير الوطن المغتصب…!
وبالقوة وحدها يمكن تحرير شعب كامل يرزح تحت الاعتقال في معسكرات الاعتقال الجماعي الصهيونية ..!.
وكان الكاتب الاسرائيلي المعروف جاكي خوجي- ثبت هذا الاستخلاص في معاريف قائلا:
“ان التجربة علمت اسرائيل انه بخلاف مفهومها عن نفسها، فانها لا تفهم سوى لغة القوة، وهذه الحقيقة ثبتت من قبل الفلسطينيين”.
الى ذلك- نؤكد في الخلاصة المفيدة في هذا السياق، ان معركة تحرير الاسرى الفلسطينيين والعرب ستبقى مفتوحة على اوسع نطاق طالما بقي اسير واحد هناك في معتقلات الاحتلال وطالما بقي جندي او مستوطن صهيوني على ارض الوطن…!.