دراسة توثيقية :مؤتمرات القمة العربية
بانوراما القمم العربية من “أنشاص” المصرية حتى “الظهران” السعودية
بقلم: محمود كعوش
يتعذر على من يطلع على محاضر أعمال القمم العربية والقرارات التي صدرت عنها التمييز بين تلك المحاضر والقرارات التي بلغت ما يزيد على الثلاثمائة قرار منذ نشأتها، لأنها عادة ما كانت تتشابه في مضامينها، وفي معظم النتائج التي تتمخض عنها، وحتى في طرق انعقادها وانفضاضها، وفي بياناتها الختامية، وفي كل تفاصيلها من الألف إلى الياء تقريباً.
ومن المفيد البدء بالإشارة إلى أن القضية الفلسطينية كانت في فترة من الفترات، وبالأخص في فترة المد القومي العربي بين خمسينات وستينات القرن الماضي وفي ظل قادة تاريخيين من أمثال الراحل الكبير جمال عبد الناصر، قضية العرب الأولى ومحور اهتمامهم الرئيسي. ومن المفيد الإشارة أيضاً إلى أن الوقائع التي استجدت على مسرح الأحداث في الوطن العربي في ظل ما اصطلح على تسميته زوراً وبهتاناً “الربيع العربي”، دللت على أن غالبية القادة العرب الحاليين ليسوا في وضع يُحسدون عليه، أكان ذلك لجهة تحمل المسؤوليات الوطنية والقومية الملقاة على عاتقهم، أو لجهة كفاءاتهم وقدراتهم على مواجهة التحديات التي طرأت على القضية الفلسطينية، في ظل تزايد حديث الرئيس الأمريكي عن قرب نقل سفارة بلاده من تل أبيب ألى القدس، وفي ظل تزايد الضغوط الأميركية “الإسرائيلية” المشتركة على القيادة الفلسطينية لغرض إجبارها على الاعتراف بيهودية “إسرائيل”، وفي ظل تصاعد وتيرة الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، واستمرار عمليات التهجير والتهويد في الجزء الشرقي من مدينة القدس. وأكثر من ذلك فإن هؤلاء القادة غير مؤهلين لإيجاد حلول للقضايا الجوهرية المتعلقة بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ما قبل الخامس من حزيران/يونيو 1967، وغير مؤهلين كذلك لمواجهة وحل أبسط المشاكل والصعوبات التي تواجهها بعض البلدان العربية، خاصة وأن بينهم وللأسف من تسبب في افتعال وتأجيج وتيرة تلك المشاكل والصعوبات.
منذ قمة “أنشاص” المصرية، التي انعقدت في شهر أيار/مايو 1946، يتوالى عقدُ القمم العربية قمةً بعد أخرى، وما بين العادية والطارئة منها كان هناك ثمة قضايا جوهرية بات عمرُها من عمر القمم ولا حاجة لتعدادها وإعادة اجترارها، لأن ذلك لن يفيد أو يضر ولن يقدم أو يؤخر.
يمكن القول أن التوافق في الرؤى بين القادة العرب إزاء العديد من القضايا المشتركة وفي طليعتها القضية الفلسطينية وحقوق البلدان العربية في الاستقلال قد حافظ على وضوحه في العديد من القمم العربية، مما لم يستوجب حتى الحد الأدنى من التشاور والتنسيق قبل انعقادها، إلا أن عقد الستينيات شهد تبايناً حاداً في الآراء في ما بين العديد من الأنظمة العربية ، فبرزت الخلافات إثر انفصال الوحدة بين مصر وسوريه، واشتعال حرب اليمن، وولادة المقاومة الفلسطينية، مما حتم التشاور والتنسيق للتقريب بين وجهات النظر المتباينة ومواجهة المخاطر “الإسرائيلية” المحدقة بالأمة العربية.
وشهدت العقود التي تلت عقد الستينات من القرن الماضي انعقاد العديد من القمم وسط أجواء سياسية مشحونة، كانت أبرزها قمة الخرطوم التي أعقبت نكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967، والتي سميت بقمة “اللاءات الثلاثة، لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع كيان العدو الصهيوني”. وفي تلك القمة أجمع القادة العرب على دعم دول المواجهة وشهدت المصالحة بين الراحلين جمال عبد الناصر وفيصل بن عبد العزيز.
ولربما أن قمة القاهرة 1970 والتي انعقدت على خلفية أحداث أيلول الدامية بهدف تسوية الأزمة بين الملك حسين وقادة فصائل الثورة الفلسطينية كانت الأكثر سخونة، بسبب ما تخللها من اجتماعات جانبية كثيرة ومباحثات صعبة وشاقة دفع الرئيس جمال عبد الناصر حياته ثمناً لها، جراء الجهود المرهقة و المضنية التي بذلها لرأب الصدع.
ولم تقل قمة بغداد عام 1978 عن قمة القاهرة 1970 سخونة، لأنها أعقبت توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع “إسرائيل”. كما وشهدت قمة القاهرة 1990 التي جاءت إثر اجتياح العراق للكويت انقساماً حاداً بين الدول العربية بعدما دان غالبية القادة العرب ذلك الاجتياح وطالبوا العراق بالانسحاب الفوري، وأيدوا طلب قوات أجنبية وعربية للدفاع عن المملكة السعودية وإخراج الجيش العراقي من الكويت.
وفي قمة شرم الشيخ 2003 التي سبقت غزو واحتلال العراق بثلاثة أسابيع، ساد التوتر أجواء القمة وتبادل القادة الصراخ والألفاظ الجارحة والاتهامات التي بلغت حد اتهام البعض بالخيانة والتآمر مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وفي ما يلي جدول القمم العربية ونبذة موجزة عن كل قمة وإنجازاتها وإخفاقاتها:
قمة أنشاص:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر أيار/مايو 1946، بدعوة من ملك مصر فاروق في قصر أنشاص، بحضور الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية، وهي مصر،وسوريه، والأردن، والسعودية، واليمن، والعراق، ولبنان.
وخرجت القمة بعدة قرارات، أهمها:
مساعدة الشعوب العربية المستعمرة على نيل استقلالها، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي قلب القضايا القومية. والدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مع اعتبار أي سياسة عدوانية ضد فلسطين من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا هي سياسة عدوانية تجاه كافة دول الجامعة العربية. إضافة إلى ضرورة حصول طرابلس الغرب على الاستقلال، والعمل على إنهاض الشعوب العربية وترقية مستواها الثقافي والمادي، لتمكنها من مواجهة أي اعتداء صهيوني داهم.
قمة بيروت:
انعقدت في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1956، بدعوة من الرئيس اللبناني كميل شمعون، إثر العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة. وشارك في القمة تسعة رؤساء عرب أجمعوا في بيان ختامي على مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي، واللجوء إلى حق الدفاع المشروع عن النفس، في حالة عدم امتثال الدول المعتدية (بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل) لقرارات الأمم المتحدة وامتنعت عن سحب قواتها. وأعربت القمة عن تأييدها لنضال الشعب الجزائري من أجل الاستقلال عن فرنسا.
قمة القاهرة:
انعقدت في الثالث عشر من شهر كانون الثاني/يناير 1964، بناءً على اقتراح من الرئيس المصري جمال عبد الناصر في مقر الجامعة العربية بالقاهرة. وخرجت ببيان ختامي تضمن عدة نقاط أهمها، الإجماع على إنهاء الخلافات، وتصفية الجو العربي، وتحقيق المصالح العربية العادلة المشتركة، ودعوة دول العالم وشعوبها إلى الوقوف بجانب الأمة العربية في دفع العدوان الإسرائيلي. إضافة إلى إنشاء قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية، يبدأ تشكيلها في كنف الجامعة؛ وذلك رداً على ما قامت به “إسرائيل” من تحويل خطير لمجرى نهر الأردن، مع إقامة قواعد سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني من أجل تمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره، وتوكيل أحمد الشقيري بتنظيم الشعب الفلسطيني.
قمة الإسكندرية:
انعقدت في الخامس من شهر أيلول/سبتمبر 1964، في قصر المنتزه بمدينة الإسكندرية المصرية، بحضور 14 قائداً عربياً، ودعت إلى دعم التضامن العربي، وتحديد الهدف القومي ومواجهة التحديات، والترحيب بمنظمة التحرير الفلسطينية.
قمة الدار البيضاء:
انعقدت في الثالث عشر من شهر أيلول/سبتمبر 1965، وتقرر فيها الالتزام بميثاق التضامن العربي، ودعم قضية فلسطين عربيا ودوليا، والتخلي عن سياسة القوة وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية.
قمة الخرطوم:
انعقدت في التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس 1967، بعد الهزيمة العربية أمام “إسرائيل” في 5 حزيران/يونيو 1967، بحضور جميع الدول العربية ما عدا سورية، التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد “إسرائيل”. وخرجت القمة بعدة قرارات، أبرزها اللاءات الثلاثة، وهي لا صلح، ولا تفاوض مع “إسرائيل”، ولا اعتراف بها، إضافة إلى التأكيد على وحدة الصف العربي، والاستمرار في تصدير النفط إلى الخارج.
قمة الرباط:
انعقدت في الحادي والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر 1969، بمشاركة 14 دولة عربية، بهدف وضع استراتيجية عربية لمواجهة “إسرائيل”، ولكن قادة الدول العربية افترقوا قبل أن يصدر عنهم أي قرار.
قمة القاهرة:
انعقدت في الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر 1970، بعد أحداث أيلول/سبتمبر الأسود التي شهدتها المخيمات الفلسطينية في الأردن وكان من أهم توصياتها، الإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية، وتميزت بعقد مصالحة تاريخية بين الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وملك الأردن الراحل الملك حسين.
قمة الجزائر:
انعقدت في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1973، بحضور 16 دولة، بدعوة من سوريا ومصر بعد حرب أكتوبر 1973، وقاطعتها ليبيا والعراق. ووضعت القمة شرطين للسلام مع “إسرائيل”، هما انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها القدس، واستعادة الشعب الفلسطيني لكافة حقوقه. ودعت إلى تقديم كافة الدعم المالي والعسكري للجبهتين السورية والمصرية من أجل استمرار نضالهما ضد العدو “الإسرائيلي”. وشهدت هذه القمة انضمام موريتانيا إلى الجامعة العربية.
قمة الرباط:
انعقدت في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1974، ووضعت أسس العمل العربي المشترك، واعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
قمة الرياض غير العادية “مؤتمر القمة السداسي”:
انعقدت في السادس عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1976، بدعوة من السعودية والكويت لبحث الأزمة في لبنان وسبل حلها. وضمت هذه القمة كلا من السعودية ومصر والكويت وسوريا ولبنان إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية. ودعت إلى وقف اطلاق النار في لبنان وإعادة الحياة الطبيعية إليه واحترام سيادته ورفض تقسيمه، وإعادة اعماره، وتشكيل لجنة عربية لتنفيذ اتفاقية القاهرة.
قمة القاهرة:
انعقدت في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1976، وشاركت فيها 14 دولة لاستكمال بحث الأزمة اللبنانية التي بدأت في مؤتمر الرياض الطارئ. صدقت على قرارات قمة الرياض السداسية ودعت إلى ضرورة أن تساهم الدول العربية حسب امكانياتها في إعادة اعمار لبنان، والتعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي.
قمة بغداد:
انعقدت في الثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1978، ورفضت اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع “إسرائيل”، ونقلت مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وعُلقت عضوية مصر في الجامعة.
قمة تونس:
انعقدت في العشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1979، بمبادرة من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وأكدت تطبيق المقاطعة على مصر، وأدانت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة “لإسرائيل” بتطرف.
قمة عمان:
انعقدت في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1980، واعتبرت إن قرار مجلس الأمن 242 لا يشكل أساسا صالحاً للحل في المنطقة، ودعت إلى تسوية الخلافات العربية.
قمة فاس:
انعقدت في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1981، بمشاركة 19 دولة وتغيب كل من ليبيا ومصر، وبحثت في مشروع السلام العربي، والموقف العربي من الحرب العراقية – الإيرانية، وموضوع القرن الإفريقي.
قمة فاس:
انعقدت في السادس من شهر أيلول/سبتمبر 1982، وشاركت فيها 19 دولة وتغيبت كل من مصر وليبيا، واعترفت فيها الدول العربية ضمنياً بوجود “إسرائيل”. وصدر عنها بيان ختامي تضمن:
(1) انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، وإزالة المستعمرات “الإسرائيلية” في الأراضي التي احتلت بعد عام 1967 وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب بالعودة.
(2) الإدانة الشديدة للعدوان “الإسرائيلي” على الشعب اللبناني.
(3) بخصوص الحرب العراقية – الإيرانية، دعت القمة إلى ضرورة التزام الطرفين بقرارات مجلس الأمن، وأعلنت أن أي اعتداء على أي قطر عربي هو اعتداء على البلاد العربية جميعاً.
(4) مساندة الصومال في مواجهة وإخراج القوة الأثيوبية من أراضيها.
قمة الدار البيضاء غير العادية:
انعقدت في العشرين من شهر آب/أغسطس 1985، وتركز بحثها على القضية الفلسطينية، وتدهور الأوضاع في لبنان، والإرهاب الدولي.
قمة عمان غير العادية:
انعقدت في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1987، وبحثت في أمور الحرب العراقية – الإيرانية والصراع العربي “الإسرائيلي” وموضوع عودة مصر إلى الصف العربي.
قمة الجزائر غير العادية:
انعقدت في السابع من شهر حزيران/يونيو 1988، ودعت إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة 1987″، وبحثت موضوع المؤتمر الدولي حول السلام، وقضية فلسطين.
قمة الدار البيضاء غير العادية:
انعقدت في الثالث والعشرين من شهر أيار/مايو 1989، وهي القمة التي أعادت مصر إلى عضوية الجامعة العربية، وبحثت في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والمؤتمر الدولي للسلام، وتشكيل لجنة لحل الأزمة اللبنانية، والتضامن مع العراق.
قمة بغداد غير العادية:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر أيار/مايو 1990، واعتبرت القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين، ودعمت قيام اليمن الموحد، وأدانت قرار الكونجرس الامريكي باعتبار القدس عاصمة “لإسرائيل”.
قمة القاهرة غير العادية:
انعقدت في الخامس عشر من شهر آب/أغسطس 1990، ودانت قراراتها اجتياح الجيش العراقي لإمارة الكويت، وأكدت سيادتها على أرضها.
قمة القاهرة غير العادية:
انعقدت في الحادي والعشرين من شهر حزيران/يونيو 1996، بدعوة من الرئيس المصري محمد حسني مبارك، ودعمت جهود السلام على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي، وأيدت اتفاق العراق مع الأمم المتحدة حول برنامج النفط مقابل الغذاء.
قمة القاهرة غير العادية:
انعقدت في الحادي والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2000، إثر أحداث العنف التي تفجرت ضد الفلسطينيين بعد أن دخل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” المقبور آرئيل شارون الحرم القدسي الشريف، وسميت بقمة الأقصى. حضرتها جميع الدول العربية وانسحب وفد ليبيا الدبلوماسي في اليوم الثاني من القمة. وقرر المشاركون إنشاء صندوق باسم انتفاضة القدس برأس مال 200 مليون دولار لدعم أسر الشهداء، وإنشاء صندوق الأقصى برأس مال 800 مليون دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني. وقد استحدثت هذه القمة غير العادية مبدأ الانعقاد الدوري للقمة بعد أن كان يتم بشكل غير دوري وفقا للحاجة.
قمة عمان:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2001، وتعهد القادة العرب فيها بدعم صمود الشعب الفلسطيني مالياً وسياسياً، وتحذير “إسرائيل” من مخاطر التفلت من مقررات مؤتمر مدريد لعام 1991، وكلفوا العاهل الأردني الملك عبد الله إجراء المشاورات اللازمة لبحث الحالة بين العراق والكويت، كما وافقوا على اختيار السيد عمرو موسى أميناً عام للجامعة العربية خلفاً للدكتور عصمت عبد المجيد.
قمة بيروت:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2002، وأقرت أن “السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية” يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده “إسرائيل” في هذا الصدد. وطالبت القمة “إسرائيل” بإعادة النظر في سياساتها وبالجنوح إلى السلم. ودعتها إلى الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967، بما في ذلك الجولان السوري، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، إضافة الى ضرورة التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. يُذكر انه طغى على أعمال تلك القمة الوضع في الأراضي الفلسطينية بعد مذبحة مخيم جنين وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقره برام الله. أُقرت فيها مبادرة السلام العربية التي كانت تحمل تسمية “المبادرة السعودية للسلام” والتي اقترحها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز.
قمة شرم الشيخ:
انعقدت في الأول من شهر آذار/مارس 2003، قبل ثمانية عشر يوما من قيام الولايات المتحدة والبلدان المتحالفة معها بجريمة غزو واحتلال العراق.
بيان القمة الختامي شدد على ضرورة احترام سيادة شعب العراق على أراضيه. وشهدت إحدى جلسات القمة تبادل الزعيم الليبي معمر القذافي الاتهامات في جلسة على الهواء مع ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز. وأحدثت مبادرة الإمارات التي اقترحت تنحي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عن السلطة ردود فعل مختلفة بين القادة العرب وكانت سببا بعد ذلك في أزمة عميقة بين الإمارات وأمين عام الجامعة عمرو موسى.
قمة تونس:
انعقدت في التاسع والعشرين من شهر آذار/مارس 2004، وأكدت على التمسك بدعم وحدة العراق واحترام سيادته واستقلاله، ودعت مجلس الأمن لإعطاء الأمم المتحدة دورا مركزيا وفعالا في العراق بهدف إنهاء الوجود الأمريكي وترتيب مراحل نقل السلطة إلى الشعب العراقي.
قمة الجزائر:
انعقدت في الثاني والعشرين من شهر آذار/مارس 2005، وافتتحت بالوقوف دقيقة صمت وتلاوة الفاتحة على أرواح رئيسي كل من الإمارات الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان وفلسطين ياسر عرفات ورئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وحضر الموضوع اللبناني بقوة في تلك القمة، وركز المشاركون على الدعوة للانسحاب السوري من لبنان واجراء الانتخابات في موعدها. وتمسكوا بالسلام كخيار استراتيجي، وقرروا إنشاء برلمان عربي انتقالي لمدة خمس سنوات يجوز تمديده لمدة عامين كحد أقصى.
قمة الخرطوم:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر آذار/مارس 2006، وأعادت التركيز على مركزية قضية فلسطين، والتمسك بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام الفين واثنين، وجددت التضامن مع الشعب العراقي، ودعت إلى احترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام إرادته في تقرير مستقبله وخياراته الديمقراطية.
قمة الرياض:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر آذار/مارس 2007، تحت اسم “قمة التضامن العربي”، وقد وضعت على جدول أعمالها مختلف القضايا التي تهم المسلمين من مشكلة لبنان إلى الصومال إلى السودان إلى العراق إلى فلسطين ، فكررت القمة نفسها ولم تقدم شيئاً يذكر -طبعاً بالسوء- سوى لقضية فلسطين بل قل”قضية التنازل عن فلسطين” حيث أكدت على تمسك جميع الدول العربية بمبادرة السلام العربية التي قدمها ملك السعودية كما أقرتها قمة بيروت العربية 2002 بكافة عناصرها، والمستندة إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادئها لإنهاء النـزاع العربي “الإسرائيلي”، وإقامة السلام الشامل والعادل الذي يحقق الأمن لجميع دول المنطقة، ويمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وطالبت بانسحاب “إسرائيل” من كل الأراضي العربية التي احتلتها بعد 4/6/1967 بما فيها الجولان، وطالبت “إسرائيل” بقبول المبادرة كما هي بلا تعديل ولا تطوير ولا تغيير. لاءات ثلاث عودنا حكام العرب على البدء بها والانتهاء بضدها تكررت في مؤتمر قمة الرياض الذي أجمع المراقبون على أنه كان الأسوأ في تاريخ مؤتمرات القمة العربية.
قمة دمشق:
انعقدت في التاسع والعشرين من شهر آذار/مارس 2008، وسط أجواء من التشاحن والاختلاف والتوترات في العلاقات العربية ــ العربية كادت تكون شبيهة بتلك التي سبقت قمة القاهرة الطارئة عام 1990، بعد قيام العراق باحتلال الكويت، وهي الحالة التي عادة ما لا تنبثق من اختلاف الرؤى الذاتية بين بعض الدول العربية بشأن قضايا ملحة على الساحة وحسب، ولكن أيضًا نتيجة لضغوط أو تدخلات دولية، بما طرحت في حينه من الأسئلة والقضايا التي لم ترتبط فقط بالقمة كمؤسسة وآلية دورية تشاورية، وإنما بمستقبل النظام العربي ككل في ضوء الإشكاليات والتحديات التي تواجهه بداية من التحدي الأساسي والمتمثل في القضية الفلسطينية، مرورا بالأزمة اللبنانية، فالأزمة العراقية، وانتهاء بالتحديات الأخرى الأقل ظهورًا في خلفية واقع أزمات النظام العربي مثل مشكلة دارفور وجنوب السودان والصومال والصحراء الغربية، فضلاً عن القضايا التقليدية الأخرى كالتعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب.
قمة الدوحة:
انعقدت في الثلاثين من شهر آذار/مارس 2009، وأكدت رفضها لمذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير، على خلفية النزاع في إقليم دارفور غرب السودان، كما وشددت على دعم السودان في مواجهة كل ما يستهدف النيل من سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه. وكانت قمة المصالحات العربية التي لم تكتمل، أو بكلام آخر لم يتحقق منها شيء.
قمة سرت غير العادية:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2010، وسط تساؤلات حول إمكانية نجاحها في حل الخلافات العربية المستشرية أو فشلها في ذلك وبقاء القديم على قدمه، انعقد مؤتمر قمة “سيرت” الليبية في غياب بعض الحكام العرب الذين كان من المفترض أن يكونوا مهمين قياساً بحجم دولهم والأدوار السياسية المنوطة بها، وقد أقرت سلسلة توصيات عامة بشأن تفعيل العمل العربي المشترك وأكدت على دعم السودان والصومال ورحلت عددا من القضايا الخلافية الى قمة بغداد التي تلتها.
قمة بغداد:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2012، ودعت الى حوار بين الحكومة السورية و”المعارضة”، التي طالبوها بتوحيد صفوفها. وطالبت الحكومة وكافة أطياف المعارضة بالتعامل الإيجابي مع المبعوث الأممي والعربي المشترك إلى سورية كوفي عنان، لبدء حوار وطني جاد يقوم على خطة الحل التي طرحتها الجامعة وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكان من المقرر عقد هذه القمة عام 2011 إلا أنه نظرا لظروف الثورات العربية أو ما سمي زوراً وبهتاناً بالربيع العربي تم تأجيلها عاماُ آخر.
قمة الدوحة:
انعقدت في السادس والعشرين من شهر آذار/مارس 2013، في دورتها العادية لمدة يومين متتاليين في ظل ظروف استثنائية كانت تجتاح منطقة الشرق الأوسط، ووسط حراك اجتماعي عربي طالبت فيه الشعوب العربية بالمزيد من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وفي خضم تحديات هائلة كانت تعصف بالأمن القومي العربي، وعلى إيقاع تناقض واضح في ملفات، أبرزها الأزمة السورية والقضية الفلسطينية. ولربما أن ابرز ما لفت الأنظار في تلك القمة هو حلول المعارضة السورية المرتبطة بالغرب وبعض الأنظمة العربية التي تدور في فلك تحالف واشنطن وتل أبيب محل حكومة دمشق للمرة الأولى منذ تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وذلك في خطوة كرست القطيعة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
قمة الكويت:
انعقدت بين 25 و26 آذار/مارس 2014، وأكدت مشاريع القرارات التي تبنتها بشأن رفض يهودية دولة “إسرائيل”، وحملتها مسؤولية تعثر عملية السلام، كما طالبت مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته حيال ما يجري في سورية.
وفي ما يلي ابرز النقاط التي تضمنها القرار الذي اتخذته قمة الكويت بخصوص القضية الفلسطينية:
(1) التأكيد مجددا على ان السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي وان عملية السلام، عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، والتأكيد على أن السلام العادل والشامل في المنطقة لا يتحقق إلا من خلال الانسحاب “الإسرائيلي” الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بما في ذلك الجولان، وحتى الخط الرابع من حزيران/يونيو 1967، وكذلك الأراضي التي لا تزال محتلة في الجنوب اللبناني والتوصل الى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين استنادا الى مبادرة السلام العربية، ووفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194).
(2) رفض كافة اشكال التوطين وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لما جاء في المبادرة العربية التي اقرت في قمة بيروت 2002، وأعادت التأكيد عليها القمم العربية المتعاقبة ووفقا لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيتها ذات الصلة.
(3) الرفض المطلق والقاطع للاعتراف “بإسرائيل” دولة يهودية ورفض جميع الضغوطات التي تمارس على القيادة الفلسطينية في هذا الشأن.
(4) حمل مشروع القرار “إسرائيل” المسؤولية الكاملة لتعثر عملية السلام والتأكيد على ان استئناف المفاوضات جاء نتيجة لتجاوب الدول دائمة العضوية في مجلس الامن مع التحرك العربي المطالب بإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” وتغيير المنهجية الدولية المتبعة في معالجة القضية الفلسطينية وإدارة عملية السلام.
(5) دعوة مجلس الامن الى تحمل مسؤولياته والتحرك لاتخاذ الخطوات والاليات اللازمة لحل الصراع العربي “الإسرائيلي” بكافة جوانبه وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة على أساس حل الدولتين وفقا لحدود 1967.
(6) دعوة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطين على خط الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
قمة شرم الشيخ:
انعقدت قمة شرم الشيخ بين 28 و29 آذار/مارس 2015، واستمدت أهميتها من الظروف السياسية الصعبة والمعقدة التي كانت تمر بها معظم البلدان العربية، والتي تزداد تأزماً عاماً بعد عام، بدءاً بتطورات القضية الفلسطينية واستمرار سلطات الاحتلال في سياساتها الاستيطانية التوسعية، مروراً باستمرار الأزمة السورية التي كانت قد دخلت في حينه عامها الخامس، وصولاً إلى الحاجة الماسة لإعادة ترتيب البيت العربي بشكل جذري وحاسم.
دعا البيان الختامي لقمة شرم الشيخ إلى إنشاء قوة عسكرية عربية، تشارك فيها الدول اختياريا، وتتدخل هذه القوة عسكريا لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء بناء على طلب من الدولة المعنية، وهو القرار الذي تحفظ عليه العراق.
وفيما يتعلق بالأحداث الجارية في اليمن، أيد البيان الختامي الإجراءات العسكرية التي يقوم بها التحالف الذي تقوده السعودية ضمن عملية عاصفة الحزم، مطالبا الحوثيين “بالانسحاب الفوري من العاصمة صنعاء والمؤسسات الحكومية وتسليم سلاحهم للسلطات الشرعية”.
وشدد المجتمعون على ضرورة الاستجابة العاجلة لدعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعقد مؤتمر في السعودية تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي.
العراق من جهته، جدد رفضه لأي تدخل عسكري من أي دولة في شؤون أي دولة أخرى، ودعا الى اعتماد الحوار سبيلا للحل، أما لبنان فشدد على السير بأي موقف يقوم على الإجماع العربي، ونأى عن أي خطوة لا تحظى بالإجماع أو التوافق.
وبخصوص ليبيا، دعا البيان إلى تقديم الدعم السياسي والمادي الكامل للحكومة الشرعية بما في ذلك دعم الجيش الوطني.
وطالب القادة العرب مجلس الأمن بسرعة رفع الحظر عن واردات السلاح إلى الحكومة الليبية باعتبارها الجهة الشرعية، وتحمل مسؤولياته في منع تدفق السلاح إلى الجماعات الإرهابية.
كذلك شدد البيان على دعم الحكومة الليبية في جهودها لضبط الحدود مع دول الجوار، وهو قرار تحفظت قطر عليه بالكامل، فيما فسرت الجزائر الفقرات المتعلقة برفع الحظر وتسليح الجيش الليبي على أنه يندرج ضمن السياق السياسي للحل.
أما بشأن سورية، فأكدت القمة ضرورة تحمل مجلس الأمن مسؤولياته الكاملة إزاء التعامل مع مجريات الأزمة السورية، وطالبت الأمين العام للجامعة العربية بمواصلة اتصالاته مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إقرار خطة تحرك مشتركة تضمن إنجاز الحل السياسي للأزمة السورية وفقا لمؤتمر جنيف (1).
وعن فلسطين، دعت القمة الدول العربية لدعم موازنة دولة فلسطين لمدة عام تبدأ من الأول من أبريل المقبل، ودعمت قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الداعية لإعادة النظر بالعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع “إسرائيل” بما يجبرها على احترام الاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية.
وفيما يتعلق بالجزر الإماراتية، جدد المجتمعون تأكيدهم المطلق على سيادة دولة الإمارات الكاملة على جزرها الثلاث، داعين الحكومة الإيرانية إلى الدخول بمفاوضات مباشرة مع دولة الإمارات أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإيجاد حل سلمي لقضية الجزر.
قمة نواكشوط 2016 “قمة الأمل”:
اقتصر انعقاد القمة في دورتها السابعة والعشرين على يوم واحد تفادياً لتفجر الخلافات العربية، بالرغم من أنه كان مقرراً لها أن تنعقد على مدار يومي 25 و 27 من شهر تموز/يوليو، وكانت القمة الأولى التي استضافتها العاصمة الموريتانية منذ بدء انعقاد القمم العربية في عام 1946. اكتسبت القمة أهمية خاصة لأنها أنقذت دورية انعقاد القمم العربية السنوية، التي استحدثت في قمة القاهرة غير العادية عام 2000 واختير شهر آذار من كل عام موعداً لانعقادها، بعد أن أوشكت أن تنتهي بسبب اعتذار المملكة المغربية في 19 شباط/فبراير 2016، عن استضافتها بذريعة “عدم توفر الظروف الموضوعية لعقد قمة عربية ناجحة تكون قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يتطلبه الوضع العربي”، استناداً لما جاء في بيان للخارجية المغربية آنذاك.
تناول جدول أعمال القمة عدداً من القضايا والملفات العربية الشائكة، مثل الأزمات في سورية واليمن وليبيا والعراق، بالإضافة إلى علاقة العرب بالقوى الإقليمية، وتحديدا إيران وتركيا. ورغم اختيار الحكومة الموريتانية شعار “قمة الأمل” عنواناً للقمة “العتيدة”، إلا أن القمة لم تخرج بما من شأنه إحياءُ آمال المواطنين العرب في إيجاد حلول وتسويات للأزمات الأمنية والسياسية، التي تعصف بالعالم العربي.
وجاء اختيار عنوان القمة المذكور من قبل الحكومة الموريتانية اعترافا صريحاً منها بحجم المآسي، التي تعيشها البلدان العربية، والتأزم الذي يمر به العمل العربي المشترك نتيجة الخلافات البينية العميقة. كما أرادت موريتانيا بهذا الشعار لفت انتباه العرب إلى أول قمة عربية تستضيفها، وهي التي كان يعتقد بعض المراقبين أنها يمكن أن تقدم شيئا للعرب بحكم بُعدها نسبيا عن لعبة الاستقطاب، التي تعمق الشرخ العربي.
وإن كانت موريتانيا قد كسبت رهان التنظيم من الناحيتين اللوجستية والأمنية في تلك القمة، فإن النتائج التي تمخضت دون سقف تطلعات المراقبين والمواطنين العرب، حيث لم يختلف البيان الختامي للقمة عن البيانات المعهودة.
وما عدا دعوة إيران إلى الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية، وتبني المبادرة الفرنسية للسلام بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”؛ فإن البيان الختامي لقمة نواكشوط لم يحمل ما يميزه عن بيانات القمم السابقة، وتوزعت فقراته بين الأمل والمناشدة والترحيب.
وحول النزاع السوري الذي كان عمره في حينه أكثر من خمس سنوات، فقد اكتفى البيان الختامي لقمة نواكشوط بالإعراب عن “أمل القادة العرب في أن يتوصل السوريون إلى حل سياسي لأزمتهم، يحافظ على وحدة بلادهم ويصون استقلالها وكرامة شعبها”.
وتحت ضغوط خليجية، ناشد البيان الختامي المتنازعين في اليمن “تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج من مسار الكويت بنتائج إيجابية”، بينما دعا القادة العرب أطراف الأزمة الليبية إلى “السعي الحثيث لاستكمال بناء الدولة من جديد والتصدي للجماعات الإرهابية”.
وأبدى “إعلان نواكشوط” دعم العرب للعراق في الحفاظ على وحدته ومساندتهم لهذا البلد في حربه ضد تنظيم “داعش”، الذي قال ممثل العراق في القمة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري إن بلاده تتطلع للقضاء عليه نهائيا بحلول نهاية العام الجاري. ومر البيان الختامي بالوضع في الصومال والسودان، معربا عن دعم القادة العرب لمسار المصالحة الوطنية في كل منهما.
الخلافات حاضرة:
وألقت الخلافات البينية بظلالها الكثيفة على قمة نواكشوط، حيث انعكس ذلك في ضعف مستوى الحضور الذي كان مفاجئا للموريتانيين وللجامعة العربية. وكان مستوى حضور الزعماء أقل من المستوى المتوسط الذي حدده الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط بأنه يتراوح بين 11 و 15 زعيما، في حين لم يحضر قمة نواكشوط سوى سبعة زعماء بينهم رئيس موريتانيا المضيِّفة.
وفي المجمل، كانت الغيابات وازنة، بحيث انخفض تمثيل عواصم صنع القرار العربي في القمة، مثل مصر والسعودية والمغرب والأردن لأسباب مختلفة، تركت العديد من علامات الاستفهام حول مدى اهتمام العرب بقضاياهم.
وكشفت وسائل إعلام موريتانية النقاب عن خلافات حادة بين حاضري قمة نواكشوط حول الأزمة السورية، إذ انقسم العرب إزاء منح مقعد سورية في الجامعة للمعارضة إلى ثلاث طوائف، تدعم أولاها منح المقعد السوري للمعارضة وتقودها معظم دول الخليج ومعها السودان واليمن، وترفض ثانيتها منح مقعد سورية للمعارضة وتتزعمها كل من مصر والعراق والجزائر وتونس وليبيا وفلسطين ولبنان وعمان وجيبوتي، أما الطائفة الثالثة فوقفت على الحياد من طرفي النزاع السوري وهي المغرب وموريتانيا والإمارات والأردن والصومال وجزر القمر.
قمة البحر الميت في الأردن:
انعقدت قمة البحر الميت في الأردن في دورتها العادية الثامنة والعشرين في 29 آذار/مارس 2017، بحضور 16 زعيماً عربياً، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ومبعوثه الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، ورئيس البرلمان العربي ومبعوثين رئاسيين من الولايات المتحدة وروسيا وآخر من الحكومة الفرنسية.
وكان مقرراً لهذه القمة أن تنعقد في اليمن، إلا أنها اعتذرت عن ذلك نظراً للأوضاع الميدانية والسياسية فيها، فآلت رئاسة القمة العربية بعد اعتذارها إلى الأردن، وفقاً للترتيب الهجائي للدول الأعضاء بالجامعة.
وتعتبر قمة البحر الميت القمة الرابعة التي تستضيفها الأردن، إذ استضافت القمة العربية أعوام 1980، 1987 و 2001.
دعت القمة في بيانها الختامي دول العالم إلى عدم نقل سفاراتها إلى القدس ورفض تحركات “إسرائيل” الأحادية.
أكدت على أهمية محادثات “جنيف” و”أستانا” لحل الأزمة السورية، وطالبت بضرورة دعم اللاجئين. أكدت دعمها للحل السياسي لإنهاء الأزمة وحفظ وحدة سورية، واعتبرت أن لا مكان للحل العسكري فيها.
ثمنت الإنجازات التي حققها الجيش العراقي، وأيدت جميع الجهود الهادفة لعودة الأمن إلى العراق وتحقيق المصالحة الوطنية فيه.
وبخصوص الملف الليبي، أكدت على ضرورة اعتماد “اتفاق الصخيرات” لتحقيق الاستقرار في ليبيا، كما أيدت جهود دول الجوار لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية.
وفي الوقت الذي أعربت عن قلقها من تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، شددت على مكافحة الإرهاب وإزالة أسبابه حماية للشعوب العربية.
ودانت القمة في بيانها الختامي للقمة اضطهاد أقلية “الروهينغا” المسلمة بميانمار.
وفي ما يختص بالموضوع الإيراني – الإماراتي، دعا البيان الختامي إلى الاستماع لدولة الإمارات بخصوص مسألة الجزر الإماراتية الثلاث، وشدد على استمرار التشاور لحل الأزمات والحد من الصراعات وتحقيق التنمية المستدامة.
أكدت دعم ومساندة التحالف العربي للشرعية في اليمن، والتمسك بالمبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية.
وأعربت عن رفض الخطوات “الإسرائيلية” التي تُعرقل المضي قدما في حل الدولتين، وطالبت بوقف الانتهاكات “الإسرائيلية” ضد المسجد الأقصى.
وأكدت الحرص على بناء علاقات حسن الجوار مع إدانة التدخلات في الشؤون العربية.
قمة الظهران “قمة القدس”:
انعقدت القمة العربية التاسعة والعشرون التي سُميت “قمة القدس” في مدينة الظهران الواقعة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية في 15 نيسان/أبريل 2018. واختير مركز الملك عبد العزيز الثقافي في المدينة المذكورة مكاناَ لانعقاد القمة، التي مُثلت فيها جميع الدول العربية، باستثناء سورية التي لم توجه الدعوة لها بسبب تجميد عضويتها في الجامعة العربية مع بداية هبة “الربيع العربي” المزعوم في عام 2011. وقد استضافت المملكة القمة بناء لطلب من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سبق لها أن اعتذرت عن استضافتها. وحضر القمة 14 من الملوك والرؤساء العرب، هم: ملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزير آل سعود، وملك المملكة الأردنية الهاشمية عبدالله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الحمد الجابر الصباح، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس جزر القمر غزال عثماني، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، والرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس اللبناني ميشال عون، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والرئيس اليمني عبد ربه منصور، والرئيس العراقي فؤاد معصوم، وحضرها ممثلون عن إمارة قطر وليبيا والإمارات العربية المتحدة وعُمان والجزائر والمغرب.
ولم يكن مفاجئا إعلان المملكة العربية السعودية الدولة المضيفة للقمة تسميتها بقمة القدس، كما لم يكن مفاجئا أيضا أن البيان الختامي لها حفل بفقرات عديدة تعلقت بالقدس، فالقضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها القدس، تمثل القضية الوحيدة التي ظلت محل وفاق “علني” بين الحكام العرب، وبقيت بندا ثابتا تنتقل فيه الفقرات والعبارات ذاتها من بيان إلى بيان ومن قمة إلى أخرى.
لكن الحقيقة أن القمة التاسعة والعشرين التي انعقدت في الظهران كانت “قمة طهران” أكثر منها “قمة القدس”، فقد كان التركيز الإعلامي قبل وأثناء وبعد القمة على إيران وخطرها على الأمن القومي العربي، وضرورة حشد كل الجهود العربية لمواجهتها. كما جاءت أغلب الخطابات “الأكثر أهمية” منساقة في هذا الاتجاه، محذرة من التمدد الإيراني وداعية على مواجهته والوقوف في وجهه.
فتسمية القمة بالقدس لم تكن أكثر من ذر للرماد في العيون ومحاولة تلميع للموقف العرب الرسمي عموما، والسعودي خصوصا، بعد ما تكشف في الشهور الماضية من أدوار لدول عربية وازنة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، في ترويج لما عرف بصفقة القرن التي تمنح القدس بالمجان “لإسرائيل”. وهي الصفقة التي ووجهت بردود فعل شعبية رافضة ومستنكرة على مستوى الوطن العربي وبرفض فلسطيني وأردني رسمي وشعبي، وتسربت معلومات أكدت قيام المملكة العربية السعودية بالضغط على أطراف معنية – من بينها قيادة السلطة الفلسطينية – للقبول بهذه الصفقة التي تعني التخلي عن القدس وطي ملفها بشكل نهائي ونقل عاصمة الدولة الفلسطينية إلى بلدة “أبو ديس”.
يمكن القول دون تردد أن قمة الظهران حققت الأهداف التي عقدت من أجلها على أكمل وجه. ودلل على ذلك البيان الختامي للقمة الذي أكد على مواقف المجتمعين من القضايا الساخنة في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وفق منظور محور الاصطفاف العربي المناهض لنهج المقاومة والممانعة. وليس من باب المبالغة القول أن مقررات القمة قد فُصلّت على مقاس المملكة العربية السعودية ودول ذلك المحور، الذي يحلو للبعض تسميته “المحور السني المعتدل”!!
فقد أدانت القمة التدخلات الإقليمية في الشؤون العربية، وبالأخص تدخلات كل من إيران وتركيا ومحاولاتهما مد نفوذهما في المنطقة. وأعادت القمة التأكيد على رفض العرب للموقف الأمريكي المتمثل باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، والتأكيد على أن القدس الشريف هي عاصمة دولة فلسطين، التي يأمل العرب بمن فيهم الفلسطينيون إقامتها كحل نهائي للصراع العربي – “الإسرائيلي”، طبقا لمقررات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، التي أكدت القمة أنها لا زالت مطروحة على الطاولة، برغم عدم اعتراف “إسرائيل” بها.
لا شك أن قمة الظهران “قمة القدس” كانت قمة روتينية كسابقاتها من القمم العربية، وليس من المأمول التعويل على مقرراتها، التي جاءت في أحسن الأحوال تسجيلاً لمواقف دبلوماسية خالية من المضمون، بسبب حالة التشرذم التي تعيشها الأمة العربية منذ اندلاع ثورات “الربيع العربي” المزعوم. ولربما أن أبرز ما حققته القمة هو إعطاء “صك براءة” للعرب الذين تورطوا مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عبر ما عُرف بصفقة القرن!!
وفي الختام من المفيد الإشارة إلى أن أكثر من 300 قرار صدرت عن مؤتمرات القمة العربية من قمة “انشاص المصرية 1946” إلى “قمة البحر الميت 2017” كان أبرزها، قرارات اللاءات الثلاثة “لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح”، ومقاطعة مصر إثر توقيعها معاهدة السلام المشؤومة مع “إسرائيل”، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وإقرار مشروع السلام العربي مع “إسرائيل” . ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أن الصراع العربي “الإسرائيلي” ظل على الدوام المحور الرئيسي لجميع مؤتمرات القمة، علماً أنه يتعذر على المطلع على محاضر أعمال القمم العربية والقرارات التي صدرت عنها التمييز بين تلك المحاضر والقرارات، لأنها عادة ما كانت تتشابه في مضامينها، وفي معظم النتائج التي تمخضت عنها، وحتى في طرق انعقادها وانفضاضها، وفي بياناتها الختامية، وفي كل تفاصيلها من الألف إلى الياء تقريباً.
المصادر:
1 – إصدارات جامعة الدول العربية
2 – موقع جامعة الدول العربية الإلكتروني
3 – البيانات الختامية لمؤتمرات القمة العربية
4 – دراسات ومقالات توثيقية سابقة لي
محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك
hawashmahmoud@yahoo.co.uk