في يوم الأسير الفلسطيني “عمداء الأسرى” وعقود من الزمان خلف القضبان
عبد الناصر عوني فروانة
ثمانية وأربعون أسيرا قد مضى على اعتقالهم بشكل متواصل أكثر من عشرين عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي. بينهم خمسة وعشرون أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، ومن بين هؤلاء اثنى عشر أسيرا كانوا قد تجاوزوا في الأسر الثلاثين عاما وما يزيد. وإذا ما أضفنا لهؤلاء، أولئك الأسرى الذين سبق وأن تحرروا في صفقة “وفاء الأحرار” وأعيد اعتقالهم ثانية، فان الأرقام ستزداد وترتفع.
توقيع اتفاقية
لقد مرّ أسرى ما قبل أوسلو بتجربة صعبة ومريرة، ما بين القيود التي فرضتها حكومات الاحتلال حول إطلاق سراحهم، وما بين شروط سياسية وابتزاز تمارسه على القيادة الفلسطينية، وخاصة قيام تلك الحكومات بتجزئة الأسرى وتصنيفهم حسب الانتماء السياسي ومكان السكن وحسب التهم الموجهة لهم، مما يعتبر مساسا بوطنيتهم ووحدتهـم النضاليـة، ومحاولة للتفرقة فيما بينهم والتعاطي معهم كأفراد ووفق ملفات حمراء وخضراء.
أما مصطلح “عمداء الأسرى” فيُطلقه الفلسطينيون على من أمضوا في اعتقالهم في السجون والمعتقلات الإسرائيلية بشكل متواصل أكثر من عشرين عاماً. وان “جنرالات الصبر” يُطلقه الفلسطينيون على من أمضوا في اعتقالهم أكثر من ربع قرن، باعتبارهم أكثر الأسرى صبراً وتحملاً للبطش والعناء والعذابات. أما “أيقونات الأسرى” فهو مصطلح استحدث حديثا بعد تزايد أعدادهم، وهو يبعث في النفوس الألم والمرارة والشعور بالعجز، لأنه يتحدث عن أسرى أمضوا في السجون بشكل متواصل ما يزيد عن ثلاثين عاما، وحتى كتابة هذه السطور كان عددهم اثنى عشر أسيرا، أقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس من المناطق المحتلة عام 1948 والمعتقلان منذ كانون ثاني/يناير1983. فيما هناك في السجن الإسرائيلي الأسير “نائل البرغوثي” وهو واحد من ستة وخمسين أسيرا أعيد اعتقالهم ثانية بعد تحررهم بفترات وجيزة ضمن صفقة “وفاء الأحرار” أمضى ما مجموعه -على فترتين- ما يزيد عن سبعة وثلاثين عاما ويُعتبر أكثر الأسرى قضاء للسنوات في سجون الاحتلال..!!
إن معاناة هؤلاء الأسرى تتضاعف، وقصصهم تزداد ألماً وقسوة، وحكاياتهم مع الأسر مريرة ولا تُنسى، وهم من ذاقوا مرارة السجون وألم القيد وقسوة التعذيب بأشكاله الجسدية والنفسية، فتسربت الأمراض وانتشرت في أجسادهم واستوطنت بداخلها دون أن يتلقوا العلاج اللازم، فأنهكتهم وزادت من معاناتهم، وهم أيضا من عاصروا أجيال وأجيال، فاستقبلوا آلاف الأسرى الجدد، وودعوا أمثالهم، فيما أجسادهم لا تزال مقيدة بين جدران السجون تبحث عن ثقب لترى من خلاله قرص الشمس.
فبعضهم من أمضى في السجن من سنوات عمره أكثر مما أمضاه خارج السجن، وبينهم من ترك أبنائه أطفالاً، ليكبروا بعيدا عنه ويلتقي بهم شباناً داخل السجن، ومنهم من فقد أمه أو ابيه أو كلاهما ليصبح لطيماً، أو فقد أخيه أو أخته أو أكثر من فرد في العائلة دون أن يسمح له بإلقاء نظرة الوداع أو المشاركة في تشييع الجثمان الى مثواه الأخير.
كل هذا رغم حقيقة أن تجارب صمودهم – الجماعية والفردية – لا تزال تشكل نماذج فريدة ومميزة، في الوعي الجمعي الفلسطيني. وكل هذا وذاك يحتاج إلى أشهر الكتاب والمؤرخين لتدوينها وتوثيقها. فيما المطلوب من الجميع، السياسي والحقوقي، الإعلامي والناشط المجتمعي، المقاوم والمفاوض، دعمهم وإسنادهم والضغط باستمرار لوضع حد لمعاناتهم ومعاناة عائلاتهم وضمان إطلاق سراحهم وعودتهم إلى شعبهم الذي طال انتظاره لهم. وإذا كنا نفخر ونشمخ بهم ونعتز بصمودهم وثباتهم خلف القضبان وتحديه للسجان –وهذا حقهم علينا وواجبنا تجاههم- فعلينا بالمقابل أن نخجل من أنفسنا لاستمرار بقائهم في السجون طوال تلك العقود وعجزنا عن تحريرهم. مع التأكيد دوما على أن نصرة الأسرى ومساندهم والسعي إلى تحريرهم هو واجب شرعي ووطني وديني، وأيضاً أخلاقي وإنساني.
اللهم فرج كربهم وأطلق سراحهم وأعيدهم الى أهلهم وأحبتهم سالمين يأرب
وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا