فشل الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط
د. غازي حسين
تقوم الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة على أساس السيطرة على مصادر الثروات الطبيعية وفي طليعتها النفط والغاز وتهويد القدس بشطريها المحتلين وبقية فلسطين , والتصدي لحركات المقاومة في فلسطين وسورية ولبنان والعراق وأفغانستان وليبيا, ومواجهة حركات التحرر الوطني والأنظمة الوطنية والقومية , والإطاحة بها ومشاركة العدو الإسرائيلي في حروبه العدوانية , والدفاع عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان ومزارع شبعا في جنوب لبنان , والمحافظة على النفوذ الغربي في المنطقة وتقوية ” إسرائيل ” سياسياً واقتصادياً وعسكرياً , ومحاربة العروبة والإسلام ودعم المجموعات الارهابية في سورية وتنظيف خزائن المال في السعودية وقطر والإمارات وإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير ومدينة نويم السعودية.
تبنّت الولايات المتحدة الاستراتيجيات التي وضعتها إسرائيل في الخمسينيات والستينيات والثمانينيات من القرن الماضي لتفتيت الدول العربية الكبيرة كالعراق والسودان وسورية و ليبيا وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد ورسم خريطة للمنطقة أسوأ من خارطة سايكس بيكوبالتعاون والتنسيق الكاملين مع آل سعود وجامعة الدول العربية .
رفع الرئيس أوباما الدفاع عن كيان الاستعمار الاستيطاني اليهودي ” إسرائيل ” إلى مرتبة القداسة الدينية . وتبنى المتهور المتصهين ترامب مشروع الفاشي نتنياهو لتطبيع العلاقات مع السعودية وتهويد القدس وتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع وتحالف دول الخليج مع العدو الإسرائيلي لمواجهة محور المقاومة وحركات التحرر الوطني.
إنَّ انطلاق الإدارات الأمريكية من هذه الاستراتيجية يجعلها تحدد ألاساليب السياسية والاقتصادية والعسكرية وفرص الحصاروالعقوبات الاقتصادية التي تتبعها في هذه المنطقة . وتلقى سياسات وممارسات إسرائيل الاستعمارية والإرهابية والعنصرية التأييد والدعم الكاملين من الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة وخارجها و ممن أسمتهم رايس و أسماهم أولمرت بالمعتدلين العرب وعلى رأسهم آل سعود وآل ثاني ونهيان لبيع فلسطين لليهودية العالمية لحماية عروشهم المستبدة والفاسدة والمهترئة.
تناضل الجماهير العربية وحركات المقاومة من أجل تحقيق وتوطيد الاستقلال الكامل بنوعيه السياسي والاقتصادي ومن أجل استغلال النفط والغاز من قبل العرب ولمصلحة العرب من أجل بناء حياة أفضل للأجيال العربية القادمة , وتعزيز وترسيخ التضامن والتعاون والتنسيق العربي وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية . وتصطدم خلال عملية النضال هذه بالإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والرجعية العربية وتقف الولايات المتحدة على رأس الدول الاستعمارية التي تقاوم حقوق ومصالح وأهداف وآمال وأحلام الشعوب العربية الإسلامية.
وتلتقي مصلحة الولايات المتحدة و” إسرائيل” في مقاومة أهداف الجماهير العربية والإسلامية وعرقلة التنمية والتطور والاستقرار والازدهار بجميع الوسائل المتوفرة لديها بما فيها الحروب العداونية . ويتحدد الموقف الأمريكي من قضية فلسطين وبقية القضايا العربية والإسلامية في المنطقة انطلاقاً من التناقض الحاد بين المصالح الإمبريالية والصهيونية وبين حقوق ومصالح شعوب المنطقة . وتلعب قوة اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة وازدواجية ولاء اليهود مع أولوية ولائهم لإسرائيل وقوة نفوذ اليهود الإنتخابية والمالية والإعلامية دوراً أساسياً في تصعيد الموقف الأمريكي المعادي لقضية فلسطين وللعروبة والإسلام وحركات المقاومة.
وتعادي الإدارات الأمريكية حقوق الشعب الفلسطيني و حركات التحررالوطني العربية وحركات المقاومة وتحارب نضال الشعوب من أجل التحرر وممارسة حقها في تقرير المصير وبدون التدخل الخارجي .
وتحارب ” إسرائيل ” أيضاً حركات المقاومة , وتعتبرنفسها امتداداً للغرب وتتعاون مع الإمبريالية الأمريكية وبقية الدول الغربية والصهيونية العالمية وبعض الأنظمة العربية وجامعة الدول العربية للقضاء عليها أو لإضعافها وترويضها.
وتبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً بالغاً بالمنطقة وتعتبرها حيوية جداً للأمن القومي الأمريكي لوجود ” إسرائيل” وكميات هائلة من النفط فيها . والنفط يجلب الأرباح الأسطورية لشركات النفط الأمريكية و للصناعات الحربية ومصدر أساسي لتزويد أوربا الغربية وحلف الناتو بالطاقة النفطية . وتولي المنطقة اهتماماً بالغاً لموقفها الاستراتيجي الهام وقربها من أوروبا ولوجود قناة السويس وخليج هرمز وباب المندب وخليج العقبة ومضيق البوسفور فيها .
وتقوم الولايات المتحدة بالتعاون مع العدو الإسرائيلي وفرنسا وبريطانية بدور الشرطي العالمي للمحافظة على مصالح الدول الاستعمارية و” إسرائيل ” في المنطقة واستغلال ثروات شعوبها وفي طليعتها النفط وأمواله وعقد صفقات الأسلحة الضخمة مع دول الخليج العربية للتخفيف من الأزمات الاقتصادية في أمريكا وبريطانية وفرنسا .
ونشرت العديد من القواعد العسكرية فيها ونقلت غرفة العمليات المركزية للجيوش الأمريكية الوحيدة من فلوريدا إلى قاعدة العديد في قطر لخدمة مصالحها ومصالح ” إسرائيل” المعادية لمصالح شعوب المنطقة .
فرضت الولايات المتحدة قرارتقسيم فلسطين رقم 181 واستغلته بالتعاون والتنسيق الكاملين مع اليهودية العالمية لتأسيس إسرائيل باستغلاله معزوفتي اللاسامية والهولوكوست وصوَّرت اضطهاد النازية على أنَّه لليهود فقط كما بالغت كثيراً في أعداد الضحايا وتناست الآخرين.
وحاولت تشكيل عدة أحلاف عسكرية للمحافظة على مصالحها النفطية وقواعدها العسكرية وإسرائيل ومنها الناتو و السنتو و حلف بغداد ومبدأ أيزنهاور.
وكان الهدف من تشكيل الأحلاف العسكرية المحافظة على مصالح أمريكا النفطية ونشر قواعد عسكرية على حدود الاتحاد السوفيتي وحماية إسرائيل وممارسة الضغوط القوية على سورية ومصر إدخالهما في هذه الأحلاف وعرقلة الوحدة العربية وتحرير القدس والعمل العربي المشترك.
وأكدت الصحف الأمريكية ومنها نيويورك بوست الصادرة في 3/ 1/1957 أنَّ ” الهدف من مبدأ أيزنهاورهوحماية المصالح البترولية للغرب في الشرق الأوسط والتعاون مع الأصدقاء في المنطقة وإنذارالبلدان العربية بأنَّ لاتؤمم امتيازات النفط التي تملكها شركات النفط الأمريكية”
ووضع بن غوريون حلف الطوق برعاية الولايات المتحدة لوأد الوحدة العربية ومحاربة العروبة والإسلام وفبركة إسلام أمريكي بمساعدة آل سعود .
فشلت استراتيجية الأحلاف العسكرية كما فشل أيضاً مبدأ أيزنهاور لذلك تواطأ الاستعمارالأمريكي مع إسرائيل والسعودية للقيام بحرب حزيران العدوانية عام 1967.
وازداد موقف الولايات المتحدة عداءً للعرب وتأييداً لإسرائيل بعد الحرب العدوانية , لأنَّ مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية والنفطية موجودة في البلدان العربية وبدلاً من القضاء عليها بعد الحرب العدوانية ازدادت هذه المصالح وازدادت تبعية دول الخليج العربية للإمبريالية الأمريكية واستعدداهم لبيع فلسطين لليهودية العالمية للمحافظة على كراسيهم بإرضاء الولايات المتحدة والصهيونية العالمية .
لقد صوّرت اللوبيات اليهودية للرؤساء الأمريكيين أنَّ إسرائيل هي الحامي والمدافع عن المصالح الأمريكية في المنطقة وهي العصا الغليظة بيد الولايات المتحدة لتأديب كل من يتمرّدعلى السياسات الأمريكية .ورأت الولايات المتحدة ضرورة دعم إسرائيل دعماً مطلقاً لأنَّ مصالحها لم تتأثربعد حرب حزيران على الرغم من الدورالأمريكي في الحرب ودور واشنطن في الدفاع عن نتائجها داخل الأمم المتحدة وخارجها.
إنَّ السيطرة العالمية هي جوهر الاستراتيجية الأمريكية الشاملة وسيطرتها على الشرق الأوسط تعتبرأهم عناصرهذه الاستراتيجية . وتسخّراستخدام القوة بإشعال الحروب العدوانية أو التهديد باستخدامها .والعقوبات الاقتصادية والإطاحة بالأنظمة الوطنية والقومية التي لا تروق لها لتحقيق استراتيجيتها .
لذلك وقَّعت العديد من معاهدات التحالف الاستراتيجي مع ” إسرائيل ” عدوة الوطن والمواطن وعدوة الله و الرسل و العروبة و الاسلام و مع السعودية و قطر و الإمارات العربية و البحرين و غيرها لتحقيق استراتيجتها المعادية لحقوق ومصالح شعوب المنطقة و المخالفة لأبسط مبادئ الحق و العدالة و الإنصاف و مبادئ القانون الدولي, مما أدى إلى فشل الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط لأنَّها موجّهة ضد المصالح الحيوية لشعوب المنطقة و قضية فلسطين وجميع الشعوب في العالم.