أقلام الوطن
المجلس الوطني في مهب الخلافات
-
هل المطلوب من المجلس أن يجدد الإلتزام بأوسلو أم أن يطور قرارات المجلس المركزي؟
-
الصندوق القومي.. في خدمة القضية وشعبها أم سلاح في يد القيادة المتنفذة لتصفية حساباتها السياسية والشخصية؟
معتصم حمادة
■ مازالت الدعوة لعقد المجلس الوطني في 30/4/2018، عالقة في عنق الزجاجة.
- فاللجنة التحضيرية التي يفترض أن تتشكل من رئيس المجلس الوطني، واللجنة التنفيذية والأمناء العامين، وربما شخصيات أخرى، لم تنعقد بعد، ومازال رئيس السلطة مصراً على تعطيلها. أما اللجنة التي تعقد إجتماعاتها في رام الله، وتتمثل فيها فصائل م.ت.ف، فهي لم تزل لجنة تشاورية، لا تملك شروط وصلاحية أن تكون لجنة تحضيرية. وإذا ما قارنّا بين «لجنة رام الله»، واللجنة التي إنعقدت في بيروت برئاسة رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون في شهر كانون الثاني (يناير) 2017، أدركنا الفرق الواسع بين هذه وتلك، من زاوية الشمولية الفلسطينية، وما عكسته هذه الشمولية من أجواء تفاؤلية على الصعيد الوطني، خاصة أن لجنة بيروت إتخذت قرارات بالإجماع على فتح صفحة جديدة في العلاقات الوطنية (حكومة جديدة وطنية، التحضير لإنتخابات شاملة…).
التحضير التوافقي
- مازالت المراجعة السياسية للمرحلة السابقة معطلة، ولا يغري أحداً القول بأن المجلس سيجري هذه المراجعة. المراجعة تتم بالإستناد إلى أوراق عمل تحضر له من قبل فريق وطني يمثل الشراكة الوطنية. حتى الآن، لا حديث عن تقرير سياسي تقدمه اللجنة التنفيذية، يجري مراجعة سياسية للمرحلة السابقة، ويرسم خط العمل الوطني النضالي للمرحلة القادمة. بل ما نسمعه هو العكس تماماً. حديث يتكرر أن المجلس سوف يتبنى ما يسمى «رؤية الرئيس» للحل مع إسرائيل، أي خطابه إلى مجلس الأمن في 20/2/2018، والذي أعاد فيه إعتماد أوسلو أساساً للحل، وجدد فيه تعهده العمل بهذا الإتفاق، الذي سبق له وأن وصفه أنه قد مات. إعتماد هذه «الرؤية» لا يشكل قاسماً وطنياً. فهناك العديد من الفصائل لا توافق على هذه «الرؤية»، وتصفها بأنها خطوة إنفرادية، لا تمثل القاسم المشترك الفلسطيني. وتدعو بالمقابل إلى إعادة الإعتبار لقرارات المجلس المركزي في 15/1/2018 بإعتبارها هي القاسم المشترك الذي توافقت عليه الحالة الوطنية الفلسطينية. وإن كان هذا يدل على شيء، فإنه يدل على أن مبدأ الشراكة السياسية بات مهدداً من قبل القيادة الفلسطينية الرسمية نفسها، التي يفترض بها هي أن تصون هذه الشراكة. وإن كان هذا يدل على شيء، فإنه يدل على أن القوى الفلسطينية لم تتفق بعد على البرنامج السياسي والإستراتيجية السياسية للمرحلة القادمة. ولا نعتقد أن مجلساً وطنياً من 700 عضو (كما أعلنت رئاسة المجلس الوطني) سيكون بمقدوره أن يناقش ورقة سياسية تقدم له، خلال يومين، ليغوص فيها في التفاصيل، إن لم يكن هناك تمهيد لذلك بلجنة تحضيرية سياسية ذات كفاءة. ما يجري بشكل، برأي البعض، محاولة لتلبيس المجلس الوطني إتفاق أوسلو مرة أخرى على غرار ما جرى عام 1996.
هل إكتمل الحضور السياسي؟
- مازال موقف بعض القوى بشأن حضور المجلس عالقاَ، ولهذه القوى رؤيتها الخاصة بها بشأن المجلس الوطني، ولها الحق في أن تكون لهذه الرؤية حيز للنقاش. ولعل تعطيل اللجنة التحضيرية هو الذي يحرم هذه القوى حقها في الشراكة السياسية. من هنا تراها متمسكة بموقفها بضرورة الدعوة للجنة التحضرية، وضرورة التوافق مسبقاً على مدخلات المجلس ومخرجاته، والتمهيد لذلك بالبدء بتطبيق قرارات المجلس المركزي، خاصة فك الإرتباط بإتفاق أوسلو، وبروتوكول باريس، وإلتزاماتهما وقيودهما. إذ يبدو الأمر شديد الغموض، ويلفه ضباب كثيف، أن تتم الدعوة إلى المجلس الوطني، وأن يتم الحديث عن تجديد الشرعية، وإن يتم في الوقت نفسه تعطيل قرارات المؤسسات الشرعية، كاللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، والصندوق القومي الفلسطيني.
- لازالت مسألة مكتب رئاسة المجلس الوطني عالقة ويلفها الغموض، ولم يتم التوافق الوطني بشأنها بعد. فمكتب رئاسة المجلس، منصب وطني من الطراز الأول، تشكيله يستند الى قواعد توافقية رسمتها القوى الوطنية الفلسطينية على مدى سنوات النضال، ولا يمكن تجاهل هذه القواعد، وإغفالها، أو الإستخفاف بها، ولا يجوز لأحد أن يستفرد وينفرد، بتشكيل مكتب رئاسة المجلس، مستنداً الى أنه يملك الأكثرية العددية المركبة إدارياً، والتي باتت تشكل واحداً من الأمراض المستعصية التي يعاني منها المجلس، ولا دواء لهذا الداء القاتل، سوى اللجؤ الى صندوق الإقتراع، بإعادة إنتخاب مجلس وطني جديد، في الداخل والخارج، وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، كما أقرت ذلك جلسات الحوار والتحضير في القاهرة وعمان برئاسة رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون.
الصندوق القومي.. في خدمة من؟
- لازالت الهيئة الإدارية للصندوق القومي الفلسطيني عالقة ولم يتم التوافق على حلها. الصندوق القومي، مؤسسة وطنية، لها قواعد عملها، وقوانينها، تلتزم قرارات المجلس الوطني بشأن الموازنات وحقوق الفصائل والقوى والمؤسسات الوطنية وغيرها. في زمن أوسلو (بل وقبله بسنوات) تحول الصندوق القومي الى أداة بيد القيادة الرسمية، تستعملها في خلافاتها السياسية مع القوى الفلسطينية، كأن تلجأ الى حرمان هذه الفصائل من حقوقها، إذا ما احتدمت الخلافات بينها وبين هذه الفصائل. هذا ما شهدته حقوق الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حين حرمت منها، بقرار منفرد من رئيس اللجنة التنفيذية لمدة تزيد على عشر سنوات. وهذا ما شهدته الجبهتان الديمقراطية والشعبية في السنوات الماضية في ظل رئاسة محمود عباس للجنة التنفيذية، فضلاً عن عدم إنتظام تسديد حقوق القوى الفصائل بذريعة غياب السيولة، بينما قوى أخرى، تكافأ على الدوام، ولأسباب سياسية معروفة، وكان إنتظام السيولة في خدمتها. وإذا ما استذكرنا موقف القيادة الرسمية وما أقرته من مساعدات لأبناء المخيمات المنكوبة في سوريا، لأدركنا مدى الهدر الذي يمارس في أماكن بيروقراطية غارقة في الفساد، ومدى الشح في دعم الحراك الشعبي، واحترام الحقوق المشروعة للقوى السياسية التي تصنف نفسها معارضة لأوسلو. ويعتقد المراقبون أن أحد المداخل الكبرى لإصلاح أوضاع م.ت.ف، ومجلسها الوطني، هو في إصلاح أوضاع الصندوق القومي، حتى يصبح صندوقاً للقضية الفلسطينية وليس أداة وسلاحاً تشهره القيادة المتنفذة في خدمة سياساتها وصراعاتها وتصفية حساباتها مع الآخرين.
لازالت تفصلنا عن موعد إنعقاد المجلس الوطني أيام قليلة، يرجح المراقبون أنها ستشهد تطورات ذات شأن. وما علينا سوى أن نراقب، وأن نتمسك في الوقت نفسه بضرورة إنعقاد مجلس وطني توحيدي يحضره الكل الفلسطيني، يشكل أساساً لإعادة بناء م.ت.ف والوحدة الوطنية الجامعة، ووضع نهاية للإنقسامات السياسية بتلاوينها المختلفة.