أقلام مهجرية
إختلفوا على ” الله أكبر”.. واتّفقوا على الركوع للأميركان!!
في ذكرى ميلاده / صفحة من تاريخ أعدائه في مؤتمر لجيران العراق بعد احتلاله
نبيل أبو جعفر*
استَغَربَ البعض أن يشهد أول مؤتمر لدول جيران العراق عُقِد في الكويت بعد احتلاله خلافا حول موضوع أي عَلَم عراقي نرفع في المؤتمر : العَلَم الذي كان سائدا قبل حرب “تحرير” الكويت ، المكوّن من الألوان الأربعة مع شعار العراق ( النسر ) ، أم نفس العَلّم الذي أضاف إليه الرئيس صدام بخطّ يده شعار “الله أكبر” فأصبح بعدها لازمة له ؟!
وللحقيقة فإن هذا الخلاف لم ينشَب بين الجهة المسؤولة إداريا عن المؤتمر ، بل تعدّاه إلى سائر الوفود المشاركة ، حيث أدلى كل منهم بدلوه فيه وأبدى موقفه منه ، ولم يكن بالطبع دفاعا عن خيار “النظام السابق” ، ولا حتى غِيرَةَ على أعضاء المجلس الإنتقالي المُعيّن من قِبل الاحتلال الأميركي ، بل إعتقادا من معظم هذه الوفود أن قضيّة العَلَم أهمّ بالنسبة للأميركيين من الهدف الذي يُنتظر تحقيقه من قِبَل المؤتمر. ولهذا ارتأى البعض رفع العلم القديم الخالي من عبارة ” الله أكبر” ، لأن هذه “الزيادة” في نظرهم تُمثّل ما أراده صدّام كتحدِّ لطبول الحرب وقتها وللتحالف الثلاثيني الذي شارك فيها ، فضلا عن كونها تستفز مشاعر الكويتيين حسبما قالوا، وقد نجح هذا البعض في ترجيح كفّة رأيه في البداية حيث رُفِع العلم الخالي من “الله أكبر” وهو الذي أقرّ اعتماده مجلس الحكم “الأميركي” ، وظهر على أثرها وكيل وزارة الداخلية العراقية أمام الصحفيين الأجانب فَرِحا وهو يحمله قائلا للحاضرين :” أنظروا ما أنظفه ، لقد أزلنا عنه عبارة الله أكبر”!
ورغم ذلك ، إلاّ أن هذه الفرحة برفع هذا العلم داخل المؤتمر لم تدم أكثر من بضع ساعات ، حيث تبيّن من الوجهة القانونية أنه لا يحق لمجلس الحكم ولا لوزارة الداخلية أو سلطات الإحتلال إلغاءه ، أو إحداث أي تعديل عليه إلا من خلال تغيير ذلك في الدستور العراقي ذاته ، أو بكلام أدقّ تغيير صفات العلم العراقي الواردة في الدستور.
كلّه حسب سطوة الأميركان
وهكذا اضطر المشرفون على المؤتمر إلى رفع “عَلَم صدّام” وسط سائر أعلام الدول المشاركة ، وقد تمّ ذلك بدفع من بعض الوفود التي لم تر من اللائق تغيير علم بلد لم يتَغيَّر رسميا بعد.
وباستثناء هذا الخلاف الشكلي لم تُسجّل أجواء المؤتمر أي خلاف جذري ، على الرغم من اختلاف مواقفها المتباينة من” الحالة العراقية ” . فعندما أعلنت سائر الدول المجاورة عن رغبتها في التوصّل إلى حل يُخرج هذا البلد من حيّز الإرهاب ، كان معظمها يرمي من وراء ذلك مساعدة الأميركان على ضرب المقاومة العراقية والسيطرة الكاملة على هذا البلد العربي .
هذا جانب مما حصل ، أما الجانب الآخر فقد تعلّق بالإتفاق الأمني بين دول الجوار وحكم أذناب أميركا وملالي إيران في العراق المحتل حول ما سُمّي بتسلل الإرهابيين وإغلاق الحدود في وجوههم . وهذا لم يكن في الأساس إلا استجابة لرفع العصا الأميركية في وجوههم ، لأنه كان الهدف الرئيس من وراء عقد هذا المؤتمر بُغية العمل السريع على ضبط سائر الحدود المجاورة للعراق ، ولهذا جرى اقتصار بيانه الأميركي النّفَس على هذا الجانب دون لفت الأنظار إلى تسلل الإيرانيين وقتها بالآلاف يوميا إلى مناطق الجنوب العراقي تحديداَ !
مما تقدَّم يمكن القول أن هذا المؤتمر المفبرك بتوقيته والهدف من ورائه كان أصغر مما رُوّج له ، فقد بدأ بالإختلاف على “الله أكبر” ، وانتهى بالركوع الكامل تحت أعتاب الأميركان . ثم اكتفى أخيرا بكلام إنشائي عن وحدة أرض العراق بينما الأحزاب الكردية العميلة تمارس أمام أعين الجميع حرّيتها الكاملة في العمل على تحقيق الإنفصال من يومها لليوم ، بدعم دولة الإرهاب الأكبر وحليفها الكيان الصهيوني ، إلى جانب تخريب إجرامي ممنهج على صعيد الأرض والإنسان من قبل نظام الملالي … ومن يومها لليوم أيضا !!
*كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم بباريس