الكيان الصهيوني ينقل السفارة الأمريكية إلى القدس رسمياً
عميرة أيسر*
بدأت سلطات مدينة القدس أولى الخطوات الرسمية لنقل السفارة الأمريكية إليها، بعد أن تم اعتمادها رسمياً كعاصمة أبدية لليهود من طرف الرئيس العنصري دونالد ترامب، والذي وقع مرسوم بهذا الخصوص بتاريخ 7 ديسمبر/ كانون الأول 2017م، وهي الخطوة الصهيونية التي يراها الكثير من المراقبين بأنها جاءت كمحاولة من طرف نتنياهو لكسب تأييد نفوذ اللوبي اليهودي في أمريكا، وذلك في مواجهات الضغوط السِّياسية المتزايدة التي يتعرض لها مؤخراً، واحتمال الزج به في السجن في أي وقت، بالإضافة إلى محاولته إشعال انتفاضة فلسطينية جديدة حتى يحشد الرأي العام الداخلي خلفه، استعداداً للحرب التي ينوي شنها الصيف المقبل حسبما صرح بذلك رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية اللواء غازي أيزنكوت لوسائل الإعلام الصهيونية، فقرار نقل السفارة رسمياً وبصفة نهائية من طرف واشنطن من مدينة تل أبيب لمدينة القدس المحتلة، مثلما أورد ذلك موقع صحيفة تايمز أوف إسرائيل الالكترونية، في 14 أيار (مايو الجاري)، والتي سيكون مقرها في شارع أريزونا، حيث ستقيم السفارة الأمريكية حفلاً بمناسبة ذلك، وطبعاً سيكون اليهودي المتصهين ديفيد فريدمان هو السفير الأمريكي المعتمد لدى الكيان الصهيوني، وبالتالي سيضمن نتنياهو ولائه المطلق فيما سيقوم بارتكابه من أعمال ومجازر وحشية في حق الأبرياء العزل في المدن الفلسطينية المحتلة، أو في حروبه القادمة التي سيشنها في المنطقة، وهو الذي يمتلك نفوذاً كبيراً في دوائر صنع القرار في واشنطن، ومن المقربين لجيرالد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي وزوج ابنته إيفنكا، واللذان سيحضران مراسيم الافتتاح كما أكد على ذلك بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية.
الكيان الصهيوني والذي أعطى الضوء الأخضر لبلدية القدس التي يترأسها اليميني المتطرف نير بركات، بالبدء في تعليق اللافتات المخصصة لمقر السفارة الأمريكية في مدينة السَّلام، كما تعرف لدى أتباع الديانات السماوية الثلاث الكبرى في العالم، و هذه اليافطات ستكون بثلاث لغات وهي العربية والعبرية والانجليزية، وفرضها كأمر واقع لا مناص منه على سكان مدينة القدس بما فيهم أولئك الذين ينحدرون من عرب 1948م، الذين هم في الحقيقة سكانها الأصليين، وبالرغم من معارضتهم الشديدة لهذا القرار وحمل معظمهم للهويات المقدسية، ولكن تمَّ تجاهلهم وكأنهم غير موجودين أصلاً، لأنهم في نظر النخب السِّياسية والعسكرية في إسرائيل مواطنون من الدرجة الثانية. حيث يطالب الكثير من نواب الكنيست الإسرائيلي، وعلى رأسهم نواب حزب كاديما الحاكم في تل أبيب بطردهم من مدينة القدس، و التي يريدونها مدينة خالصة لليهود فقط دون سواهم من سكان هذا الكيان الغاصب الاستيطاني.
السفارة الأمريكية الحالية في القدس حسبما أكدت على ذلك القائمون عليها ستكون مؤقتة، حيث أن معظم الموظفين فيها باستثناء السفير فريدمان وبضعة أشخاص فقط، سيعيشون في مدينة القدس، بينما الأغلبية العظمى منهم سيواصلون حياتهم الطبيعية في مدينة تل أبيب المحتلة، إلى حين استكمال بناء السفارة الأمريكية الجديدة، والتي تحتاج إلى سنوات لإكمالها، بالنظر إلى أنها ستكون أكبر سفارة لدولة أجنبية أقيمت على أرض فلسطين المحتلة منذ أكثر من 70 سنة، وبالتأكيد ستكون بمواصفات هندسية وتقنية وأمنية عالية جداً، كما هو الحال في السفارات الأمريكية في معظم دول العالم، أضف إلى ذلك بأن الحلف الاستراتيجي المقام بين تل أبيب وواشنطن، يتطلب وجود فرق أمنية متخصصة داخل السفارة، لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الاستخباراتية عن عناصر المقاومة الفلسطينية، واللبنانية وغيرها.
فالسفارة الأمريكية في القدس لن تكون مكاناً لتواجد البعثة الدبلوماسية الأمريكية فيها فقط، وإنما مركز لإدارة العمليات الأمريكية الاستخباراتية في العديد من دول المنطقة، كالعراق ولبنان وسوريا وحتى إيران، بالنظر إلى حجم التطورات العسكرية الجيواستراتيجية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط، ولا ننسى أيضاً بأن ترامب يعيش حالياً أسوء مراحل عهدته الانتخابية، ويطالب بعض أعضاء الكونغرس بالتحقيق معه على خلفية اتهامات قد تطيح به وتؤدي إلى إقالته من طرف الكونغرس الأمريكي، ومنها التهم التي تتعلق بتلقيه الدعم التقني والمعلوماتي من طرف أجهزة الاستخبارات الروسية.
ويأمل الكيان الصهيوني أن تكون هذه الخطوة البداية في سلسلة خطوات ستقوم عدَّة دول مماثلة باتخاذها ومنها غواتيمالا و البراغواي للاعتراف بالقدس عاصمة لهذا الكيان المجرم، و بالتالي نقل سفاراتها إليها، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء عن عمانؤيل نحشون المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإسرائيلية، في تجاوز فاضح وصارخ لكل الأعراف والقوانين الدولية، وقرارات الأمم المتحدة التي تجعل من مدينة القدس خارج دائرة الصراع العربي الصهيوني، لحين استكمال مفاوضات الحل النهائي، و تقسيمها إلى شطرين القدس الغربية عاصمة للصهاينة، والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة، وهذا ما لا تريده واشنطن أن يتم على أرض الواقع بالتأكيد.
*كاتب جزائري