لماذا سمح السيسي للصهاينة بالاحتفال وسط القاهرة!!(صور من الإحتفال المشؤوم)
محمود كعوش
تقاطعت آراء صحف ومواقع إنترنت مصرية متعددة عند نقطة مفادها أنه لو لم تكن علاقات الصهاينة بنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد بلغت ذروة التفاهم والاطمئنان، لما تجرأت سفارتهم في مصر على إحياء الذكرى “السبعينية” لاغتصابهم فلسطين والاحتفال بها في وسط القاهرة وعلى مقربة من ميدان التحرير – ميدان ثورة كانون الثاني/يناير التي طردتهم من سفارتهم، و بجوار مقر الجامعة العربية، التي يفترض أنها لا تعترف بهذا الكيان المجرم.
ولم يعد خافياً على المراقبين السياسيين والمهتمين بشئون الشرق الأوسط والصراع العربي – الصهيوني أن نظام الرئيس السيسي قد أبرم اتفاقات سرية مع كيان الاحتلال الصهيوني ونسق معه خاصة في سيناء، إلى درجة سمحت للطائرات الصهيونية بالعربدة في سماء شبه الجزيرة المصرية وفق ما طاب لطياريها، بل وإلى حد سمح للكيان بإدخال قواته البرية الخاصة في بعض الأحيان، كما أكد الصهاينة في تل أبيب ذلك بأنفسهم، فضلاً عن التنسيق الاستخباري والعسكري بين الجيش المصري وجيش الاحتلال الصهيوني، وفق ما أكدت صحف مصرية وصهيونية!!
ومع نضوج هذه الاتفاقات تهيأت الأجواء للإعلان عن العلاقات بين مصر والكيان الغاصب، بحيث لم يعد الرئيس السيسي يجد حرجاً في الالتقاء بالمجرم بنيامين نتنياهو علنًا، بعدما كان قد التقاه سرًا عدة مرات، وأن يستقبله في القاهرة بترحاب وبشاشة غير مألوفة إلا بين الأصدقاء!!
لهذا لم يكن مستهجناً أن يسمح النظام المصري للصهاينة بإقامة احتفالهم علنًا لأول مرة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد في 17 أيلول/سبتمبر 1978، في وسط القاهرة، وفي مكان قريب من ميدان التحرير، الذي يرمز إلى الثورة التي طرد شبابها الصهاينة من مقر سفارتهم، كنوع من الكيد للثوار والثورة، التي أظهر السيسي تحسسه منها وتحامله عليها في أكثر من مناسبة، وتعهد بعدم تكرارها مرة أخرى.
وفي حين أعلن الصهاينة صراحة عن الاحتفال قبل يومين من إقامته لزم نظام السيسي الصمت والتعتيم ربما لأسباب أمنية، واكتفى بحراسة الفندق وغلق الطرق حوله لحماية الصهاينة وهو مطمئن لعدم احتجاج أحد لأن المعارضين في القبور أو السجون، كما تقول وسائل إعلامهم.
هذا الخضوع الرسمي المصري عبَّر عنه ضمنًا السفير الصهيوني “ديفيد جوبرين” في كلمته الافتتاحية حين أشاد “بتطبيع القادة العرب مع إسرائيل”، ومدح استيراد مصر الغاز من الكيان المجرم الذي يمثل، وفق ما نقلته صحف مصرية غير موالية. وقال إننا “نلاحظ التغيير في معاملة الدول العربية لإسرائيل، التي لا تعتبر عدوًا بل شريكًا في صياغة واقع جديد وأفضل في المنطقة، واقع يستند إلى الاستقرار والنمو الاقتصادي”، بحسب قوله أمام المحتفلين.
وفاخرت سفارة الكيان الصهيوني في القول إنه “حضر المراسم لفيف من الدبلوماسيين ورجال الأعمال وممثلين للحكومة المصرية”، بل ونشرت صور الحفل علنًا، وشدد السفير “جوبرين” على ما أسماه “الشراكة المتينة بين مصر وإسرائيل”!!
ولاحتواء أبعاد الموقف و الارتدادات السلبية التي تسبب بها الغضب الشعبي وفي مقدمها الدعوات لتجريم من حضر الاحتفال من المصريين المطبعين ومقاطعة فندق “ريتز كارلتون”، اضطر نواب النظام للقيام بتمثيلية التبرؤ من الاحتفال بعدما وصلتهم 100 دعوة من 400 وجهت لمصريين، واضطر رئيس البرلمان “مجلس الشعب” للقول إنهم لن يحضروا.
وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية قد تحدثت عن “فيتو رسمي مصري” على الاحتفال الصهيوني بسبب المخاوف المصرية الرسمية من ردود أفعال الشعب المصري الرافضة للتطبيع، إلا أنها أكدت أن “تل أبيب لم تقبل هذا التوجه من قبل الجهات الرسمية المصرية ومارست ضغوطًا على القاهرة لإلغاء الفيتو المصري على إقامة الحفل”!!
كما تحدثت الصحيفة المذكورة عن ما أسمته “دراما دبلوماسية” حدثت في وقت سبق الاحتفال، عندما طالب مسئولون مصريون بارزون السفارة الصهيونية بإلغاء الاحتفال بعد إرسال الدعوات للضيوف، وكان المبرر الرسمي من قبل السلطات المصرية “لأسباب أمنية”، وخشية من ردود فعل الشارع على احتفال كهذا. لكن مكتب رئيس حكومة تل أبيب بنيامين نتنياهو تعامل مع القاهرة على عدة مسارات، من بينها القنوات الأمنية، وذلك لإقناع المصريين بضرورة الأمر لإعادة العلاقات المصرية مع الكيان الصهيوني إلى طبيعتها وإلى ما كانت عليه سابقاً، كما قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”.
وبعد تدخل مسئولين أمنيين مصريين كبار، تم إلغاء الفيتو الذي تبناه مسئولون بارزون بالقاهرة، وجرى تنظيم حفل الاستقبال كما خطط له يوم الثلاثاء الموافق 8 أيار/مايو 2018”.
يُشار في هذا الصدد إلى أن السفارة الصهيونية بالقاهرة ظلت في السابق تحتفل داخل مقرها بمنطقة الجيزة قبل إخلائه عقب هجوم المتظاهرين عليه في ذكرى ثورة كانون الثاني/يناير، وكانت تنحصر الدعوات بعدد من سفراء الدول الأوروبية والأفريقية، إلى جانب السفير الأمريكي، وعدد قليل من رجال الأعمال والدبلوماسيين المصريين، الذين عادة ما كان يجري التكتم على أسمائهم لاعتبارات أمنية ومخافة غضبة الجماهير المصرية.
في تعقيب له تناقلته صحف ومواقع إنترنت مصرية، اعتبر السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أستاذ القانون الدولي، قيام سفارة الكيان الصهيوني في مصر بتنظيم احتفال لها في فندق “ريتز كارلتون” وسط القاهرة بمناسبة ما سُمى زوراً وبهتاناً “استقلال إسرائيل”، كان اختباراً حقيقياً لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري، للنظام كي يثبت تواطئه مع الاحتلال وغرقه في التنسيق معه، وللشعب كي يؤكد مجدداً موقفه الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني.
وقد حدد السفير الأشعل أربعة أسباب أو دلالات لسماح الرئيس السيسي باحتفال الصهاينة بهذه الطريقة، أبرزها أن يكون تمهيدا لصفقة القرن، بحيث يذهب القادة العرب إلى القدس حينما يصلها ترامب يوم 15 أيار/مايو الجاري، ويزوروا الكيان الصهيوني، ويمهدوا الأرض للموافقة على الصفقة التي لم يزل الشعب الفلسطيني يرفضها بشدة، ويزيدوا الضغط على المقاومة الفلسطينية وتيار الممانعة في قطاع غزة.
وشدد الأشعل على أن “اليوم الوطني للصهاينة” هو تذكير بذكرى اغتصاب فلسطين التي تتجدد فيها الآلام والجراح، والاحتفال في مكان عام بهذه الجريمة في القاهرة يستفز المصريين بعد إحباط الكيان الصهيوني لثورتهم والتآمر على مياههم “، بحسب قوله.
ورأى أن الإعلان الصهيوني عن إقامة حفل بفندق مصري في ميدان التحرير، بذكرى اغتصاب فلسطين – “إنشاء إسرائيل”، يعني:
– أن الأرض متهيئة لتطبيق صفقة القرن وحضور ترامب والزعماء العرب إلى القدس.
– أن إقامة الحفل بالقاهرة بمثابة “حرب نفسية ضد العرب والفلسطينيين قبل مسيرة العودة الكبرى الجمعة المقبلة بمناسبة اغتصاب فلسطين”.
– أن عقد السفارة الاحتفال في فندق الـ “ريتز كارلتون” الذي يقع في محيط ميدان التحرير على نيل القاهرة، بمثابة سخرية من ثورة كانون الثاني/يناير ومن قاموا بها بعدما هاجموا سفارتها من قبل وصعدوا إليها وألقوا أوراقها في الشارع. وعقد الاحتفال في فندق بميدان التحرير معناه القضاء على الثورة ورمز من أهم رموز ثورة يناير، ومثلما تحدوا حق فلسطين في الوجود، يسعون للقضاء على حق المصريين في الثورة والعيش حياة كريمة. فثورة كانون الثاني/يناير 2011، حاصرت سفارة الكيان الصهيوني، وحركة تموز/يوليو 2013 سمحت باحتفال سفارة كيان الاحتلال الصهيوني بذكرى إنشائه على ضفاف النيل في رسالة تحد للثورة والثوار وتأكيدًا على تبعية النظام المصري الحالي للصهاينة.
– أن عقد الاحتفال بالزمان والمكان اللذين حصلا فيهما وبالكيفية التي اتبعت شكل تحد من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظامه للشعب المصري ودشن التحالف السيساوي – الصهيوني رسميًا وعلنيًا وأشر إلى ما يمكن فهمه أن السيسي يتعامل مع الكيان الصهيوني “كصديق لا كعدو”. فمنذ مجيء السفير الصهيوني الجديد “ديفيد جوفرين” إلى مصر قبل نحو عامين، سعى نحو مزيد من التطبيع في العلاقات مع مصر، وزار معابد يهودية تقوم الحكومة المصرية بإعادة ترميمها، كما ظهر في عدة مناسبات رسمية وغير رسمية. وبلغت سطوة السفارة الصهيونية في القاهرة حد قيام السفير في كانون الثاني/يناير 2018 الماضي، بالاحتجاج على تجاهله هو وأركان سفارته وعدم دعوتهم لحضور مناسبات مصرية رسمية عديدة.
صور جديدة من احتفال إسرائيل بـ”النكبة” في القاهرة
في هذه الصورة لا ندري ما هو السبب في تغطية الوجوه