مسيرات العودة تتواصل في ظلّ السّياسة الإسرائيلية الهمجية المتبعة لإحباطها
عميرة أيسر*
تتواصل مسيرات العودة السَّنوية للشعب الفلسطيني، والذي لم ينسى أرضه التي أخرج منها بالقوة وسط صمت دولي وعربي مطبق، وخيانة بعض السَّاسة الذين تآمروا على إنهاء قضية الأمة المركزية، والذين ينتمون لمختلف الفصائل والأحزاب في الداخل ودول الشتات، وبالرغم من أن مسيرة العودة قد أدت لحدّ السَّاعة إلى سقوط أزيد من 70 شهيداً مدنياً، و إلى إصابة أزيد من 600 جريحاً آخرين، إذ سجلت مستشفيات قطاع عزة ارتقى حوالي 11 شهيداً في يوم واحد وأصيب أكثر من 1400 منهم بجراح متفاوتة الخطورة، وهذا ما يبين مدى وحشية وهمجية الاحتلال الصهيوني في تصديه لمظاهرات واحتجاجات سلمية، توجهت بشكل عفوي من قطاع عزة باتجاه السّياج الشائك والفاصل من باقي أراضي فلسطين المحتلة، في رسالة صهيونية إلى الداخل، وإلى المجتمع الدولي فحواها بأننا لن نرحم أحداً من المتظاهرين ولا زلنا نتبع نفس السّياسة القمعية الإجرامية التي أقمنا عليها كياننا سنة 1948م، ولا يهمنا لا القانون الدولي ولا مؤسسات الأمم المتحدة، ولا غيرها ما دام أننا نمتلك شرعية القوة العسكرية والأمنية والتي لا نعترف بغيرها قانوناً لنا.
المؤسسة العسكرية في تل أبيب وعلى لسان رئيس أركان جيش الاحتلال اللواء غازي ايزنكوت أكدت على أن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بالعبور من خلال السّياج الشائك مثلما جاء في تصريح له نقله جريدة إسرائيل هيوم المحسوب على نتنياهو، والتي قال: فيها بأنه أمر بنشر حوالي 1000 قناص من قوات النخبة هناك، بالإضافة إلى عدد كبير جداً من قواته الراجلة والمدرعة، بما فيها ألوية النخبة كجفعاتي وغولاني، وهذا يعني بأن الكيان الصهيوني يريد إفشال مسيرات العودة، والتي يحضر لها فلسطينياً بشكل جيداً هذه المرة حتى تتحول تدريجياً إلى مسيرات مليونية، و التي سترفع فيها لافتات وشعارات تطالب بحق الشعب الفلسطيني في العودة إلى كل أراضيه التي هجر منها بالقوة، وبدماء الشهداء هذه المرة، لكي يفهم العالم الذي صمت لمدة تزيد عن 70 سنة على ظلمه ومعاناته أن هذا الشعب لن ينحني أو يهزم، وبأنه باقٍ فوق أرضه ولن يتزحزح عنها مها حدث.
فالتصعيد الإسرائيلي هذه المرة بالذات، واستعمال كافة الأساليب الوحشية والقمعية لمنع نجاح هذه المسيرات المليونية، والتي ستشارك فيها كافة الفصائل الوطنية الفلسطينية بما فيها حركة فتح، والتي أبدى مفوض الإعلام والتعبئة الفكرية والثقافة فيها عاطف أبو سيف، وبأن هذه المسيرات المليونية سوف تنطلق بالتزامن مع مرور 70 عاماً على النكبة، وهذا ما يرعب إسرائيل التي ستجد في هذه اللحمة الوطنية الفلسطينية، ضرباً لكل مخططاتها التقسيمية والتي رعتها، منذ سنوات من خلال شقّ البيت الداخلي في المجتمع الفلسطيني، وذلك من خلال زرع بذور التفرقة بين حركتي فتح وحماس.
فالكيان الصهيوني الذي يستعد لشنِّ حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط سواء على لبنان أو في سوريا، وطبعاً مع إيران بصورة مباشرة أو عن طريق حزب الله اللبناني، يجب أن تضمن فيها إسرائيل تحييد الجبهة الفلسطينية بشكل كامل. إذ يخشى قادة الكيان الصهيوني المُحتل أن تتطور الأوضاع على الحدود مع قطاع غزة إلى حرب مفتوحة مع جيشها المرابط هناك، وهذا ما سيؤدي بكل تأكيد إلى استنزاف القوات الإسرائيلية واستدعاء قوات الاحتياط، ودخول حركات المقاومة في كل فلسطين سواء في قطاع عزة أو داخل الخط الأخضر أو في الضفة الغربية على خط المواجهة، وبالتالي ستقع إسرائيل بين فكي كماشة، وهذا ما يعتبره صانعوا الانتلجنسيا العسكرية الصهيونية خطأَ استراتيجياَ في التكتيكات العسكرية سيصيب القدرات العسكرية الأمنية في إسرائيل في مقتل، ويؤدي إلى تغيير الكثير من المعادلات الإقليمية في المنطقة، وربما إلى هزيمة ساحقة لن تقوم لها قائمة بعدها أبداً، مثلما يتوقع الكثيرون، وبالتالي فإن إفشال نجاح مسيرات العودة التي ستزداد قوة و تتضاعف أعدادها مع مرور الوقت تزامناً مع ذكرى يوم النكبة الفلسطينية، هو هدف حيوي للأمن القومي للكيان الصهيوني يجب تحقيقه، وباستعمال مختلف الطرق والوسائل والأساليب الممكنة.
*كاتب صحافي جزائري