محمد دحلان تاريخ من العمالة ومحرابه المقدس تل أبيب
عميرة أيسر*
تعتبر أجهزة الأمن الإسرائيلية وعلى رأسها جهاز الموساد، محمد دحلان من أبرز العملاء العرب الذين قدموا، ولا يزالون خدمات جليلة، وهامة للمشروع الصهيوني ليس في فلسطين المحتلة فقط. بل في منطقة الشرق الأوسط ككل. فمنذ أن كلفه الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله بملف المفاوضات مع الصهاينة، و هو الذي كشفت تقارير إسرائيلية بأن جهاز الموساد قد قام بتسميمه عن طريق أحد المقربين جداً منه، والذي يعيش الآن في كندا بجهاز سفر وهوية دولة غربية، وهذا السُّم أدى إلى وفاته سريرياً بعد معاناة طويلة في مستشفي بيرسي العسكري بالعاصمة الفرنسية باريس، وأكدت مراكز طبية مرموقة عالمياً كالمركز الجامعي للطب الشرعي في مدينة لوزان السويسرية، أو مركز الطب الجنائي الروسي الذي أعد بحثاً مفصلاً بطلب من فلسطين، وتوصل إلى نتائج تطابق ما توصل إليه الباحثون في مركز لوزان الجامعي، وهو أنَّ عرفات توفي نتيجة تسمّمه بمادة بولونيوم المشع والذي وجد في دمه بمستويات تفوق 18 مرة المستويات العادية، وهو من أفضل وأقوى أنواع السّموم التي تستخدمها عادة أجهزة المخابرات الإسرائيلية لتنفيذ عمليات الاغتيال الناجحة، وقد تمَّ التخلص من الشهيد ياسر عرفات بمعية محمد دحلان، بل إنَّ أصابع الاتهام باتت تطال حتىَّ الرئيس الحالي محمود عباس، وقيادات فتحاوية رأت في وفاة عرفات فرصة سانحة في زيادة نفوذها داخل الحركة، وفي منظمة التحرير الفلسطينية.
وهذا ما حدث فعلاً بعد عملية اغتياله، فالشهيد ياسر عرفات رحمه الله تعالى، و الذي وثق يوماً بمحمد دحلان وضمَّه إلى وفد المفاوضات مع الاحتلال في القاهرة سنة 1994م، وكلفه بإنشاء فرع لجهاز الأمن الوقائي أي المخابرات الفلسطينية في قطاع غزة، فقام محمد دحلان على إثرها بتعذيب واعتقال عدد كبير من قادة الفصائل الفلسطينية الوطنية المقاومة، والتنكيل بهم وسجنهم، ثمَّ بعدها شغل مناصب عدَّة في حركة فتح والسّلطة الوطنية الفلسطينية، وخاصة بعد وصول محمود عباس إلى سدَّة الحكم، وتسلمه قيادة الجسم السِّياسي للسّلطة الوطنية الفلسطينية، وأصبح بعدها رئيساً لحركة فتح، وأجهزتها الأمنية والتنظيمية المختلفة، وهذا ما سمح لمحمد دحلان بدعم صهيوني واضح من الإمساك بمفاصل اللعبة السِّياسية الفتحاوية، وسيطرته على مفاتيح القرار الأمني والسِّياسي في السّلطة الفلسطينية. حيث وبحسب أحد قيادات فتح فإنَّ محمد دحلان كان مسيطراً بشكل كليّ على كل الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وذلك عقب فوز عباس بالانتخابات الرئاسة الفلسطينية، والتي جرت في جانفي 2005م، بنسبة فاقت 62 بالمائة ليحل مصطفى البرغوثي سكرتير المبادرة الوطنية الفلسطينية ثانياً بنسبة بلغت حوالي 20 بالمائة.
وكان لمحمد دحلان يومها ولأجهزة الأمن الصهيونية الدور الأبرز في هذا الفوز، إذ رفض دحلان الترشح كمنافس قوي لأبو مازن، والتزم بالتعليمات الإسرائيلية بتقديم الدعم المعنوي، والأمني والسِّياسي له، وعدم تعريض المُخطط الصهيوني الأمريكي لانزلاقات ومفاجآت هم في غنى عنها، ليسطع نجم محمد دحلان بعد أن كان وزيراً للداخلية، ومستشاراً للأمن القومي الفلسطيني ليعِّينه أبو مازن بعدها مديراً للأمن الوقائي الفلسطيني، ويطلب منه سحق المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والقطاع، وخاصة بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت وقائعها في سنة 2006م، حيث فازت حركة التغيير والإصلاح المحسوبة على حركة حماس بحوالي 76 مقعداً، داخل المجلس التشريعي أي بحوالي 57 بالمائة من نسبة الأعضاء، وهذه النَّتائج رفضتها إسرائيل و اللجنة الرباعية و رئيس السلطة الفلسطينية السيِّد محمود عباس، وبالطبع محمد دحلان، وطلبوا من حركة حماس أن تقبل بشروط تعجيزية من أجل القبول بها داخل النسيج السِّياسي للدولة، ومن أهم هذه الشروط الاعتراف بإسرائيل ونزع سلاحها، والتَّخلي عن فكر المقاومة، وهذا ما رفضه كل من الشيخ أحمد ياسين، وكذلك عبد العزيز الرنتيسي، وأحمد الجعبري رحمهم الله تعالى على أرواحهم الطاهرة أجمعين، وكل قيادات حركة حماس، وجناحها العسكري المتمثل في كتائب عز الدين القسام، ليشنَّ محمد دحلان بعدها حرباً ضروساً ضدَّ الحركة في غزة، لتقوم حركة حماس كرد فعل انتقامي منطقي، بتصفية عدد كبير من أفراد جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة، وطرد المسئول عنه آنذاك رشيد أبو شباك نائب دحلان، وذراعه الأيمن ومنفذ مهماته القذرة.
وتتلقى بالتالي إسرائيل وحركة فتح أبو مازن، ودول عربية داعمة لها في المنطقة صفعة قوية مدوية، ولتفرض إسرائيل بعد ما قامت به حركة حماس حصاراً خانقاً ضدَّ القطاع، وتخوض عدَّة حروب همجية من أجل إجبار حماس، وبقية الفصائل المقاومة في قطاع غزة، على الاستسلام والدخول في العملية السِّياسية التفاوضية، وتبدأ بعدها الانقسامات داخل البيت الفتحاوي سنة 2010م، بعد أن تمَّ فصل محمد دحلان من حركة فتح، واتهامه بأنه عميل إسرائيلي، وهذا ما كان يعرفه محمود عباس وحاشيته منذ أزيد من 10 سنوات، ولكن ازدياد نفوذ محمد دحلان داخلياً وخارجياً، وطرحه كبديل في قيادة السّلطة خلفاً لرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي لم يحقق الطموحات الإسرائيلية الأمريكية، في إنهاء المقاومة المسلحة في القطاع المحاصر، هذا الأمر الذي بات يقلق محمود عباس، فرأى بأنَّ أحسن وسيلة لمنع تنفيذ هذا المخطط الغربي، هي بأن يقوم بالتخلص نهائياً من محمد دحلان. الذي أحسن بأن نهايته قد اقتربت فقام بالهرب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
حيث عيَّنه محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، مستشاراً أمنياً له بصلاحيات واسعة وبعد سنة 2011م، فتحت الإمارات صنابيرها المالية لمحمد دحلان، فأصبح الآمر الناهي فيها أمنياً، وأضحى جهاز أمن الدولة يأتمر بأوامره، وشنَّ هذا الأخير حملة اعتقالات واسعة طالت حقوقيين وناشطين إماراتيين، وقد نددت عدَّة جهات إماراتية، وحتىَّ دولية بهذه الممارسات ولكن لا حياة لمن تنادي، ونظراً لخبرة محمد دحلان في تجارة السِّلاح فقد كلفه محمد بن زايد بعقد مجموعة من الصفقات لشراء أنواع مختلفة من الأسلحة، والإشراف على متابعة استثمارات اقتصادية إماراتية ضخمة في صربياَ، والتي حصل على جنسيتها وبات واحداً من المقربين لدوائر صنع القرار فيها، ليس هذا فقط بل كلفه ولي نعمته الشيخ محمد بن زايد بعقد صفقات لشراء أسلحة إسرائيلية بمليارات الدولارات، وهذا ما ذكرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية نقلاً عن وثائق ويكليكس.
ولم يقتصر دوره على القيام بهذه الأعمال فقط، بل قام وحسب ما أشارات إليه قناة نوميديا الليبية بعقد مجموعة من اللقاءات السرِّية مع نجل معمر القذافي رحمه الله في مدريد بإسبانيا، من أجل توريد أسلحة صهيونية إلى نظامه، لدعمه في حربه ضدَّ الثوار، وأوضحت تسريبات مدير مكتب السّيسي اللواء عباس كامل تنقل دحلان بطائرة مصرية خاصة إلى ليبيا من أجل إتمام عقد تلك الصفقة، فالرجل الذي كان ضمن وفد الشيخ محمد بن زايد في مراسيم تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السِّيسي، الذي انقلب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، فالسيسي تربطه علاقات إستراتيجية مع دولة الإمارات التي ضخَّت، ولا تزال مليارات الدولارات من أجل دعم الاقتصاد المصري المترنح، وهي الدولة العربية التي لدى محمد دحلان نفوذ قوي جداً وعلاقات واسعة فيها، فحصوله على كل هذا الدعم الإماراتي مكنه من أن يعيّن كخبير اقتصادي لشركات أوروبية، وحتىَّ عالمية مرموقة.
بالإضافة إلى تمكنه كذلك من إنشاء العديد من الصحف، والقنوات الفضائية الناطقة بالعربية، كان أبرزها قناة الغد العربي، وأصبح محمد دحلان بالتالي يلقب برجل المهمات القذرة كما يسمي في جهاز المخابرات الأمريكية، و يمتلك نفوذاً واسعاً داخل أجهزة الإعلام المصري الممول في جزء كبير منه من أطراف دول عربية كالإمارات والسعودية، فهو يمتلك صحيفة اليوم السابع المصرية، ومساهم في جريدة المصري اليوم، وغيرها من الجرائد المحسوبة على نظام عبد الفتاح السيسي ليس هذا فقط. بل أنَّ المكتب التابع لجهاز الأمن الوقائي الفلسطيني سابقاً في القاهرة و الذي يرأسه العميل رشيد أبو شباك تحوَّل إلى سفارة موازية للسَّفارة الرسمية الفلسطينية في مصر، إذ يقوم بإنهاء العديد من المعاملات القانونية والإدارية للجالية المتواجدة هناك، وخاصة من القادمين من قطاع عزة وسط صمت فلسطيني مصري مريب، فالرجل الذي عرف عنه تصفيته لمعارضيه بالرصاص كما ذكر ذلك وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق زئيف دويان في أحد المقابلات التلفزيونية الإسرائيلية التي قام بإجرائها سنة 2004م، والذي أكد من خلالها بأن محمد دحلان قام بتصفية أزيد من 40 عنصراً من معارضيه، حيث أمر بتصفيتهم جسدياً، وهذا ما حدث بعدها بالضبط، محمد دحلان العميل للإمارات العربية المتحدة، وهي الدولة التي موَّلت الحرب على قطاع غزة، وعلى حركه حماس سنة 2014م، بحسب ما ذكرته القناة العبرية الثانية، وذلك عندما تحدثت عن اجتماع سري عقد في العاصمة الفرنسية باريس، جمع كلاَ من وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، وأفيغدور ليبرلمان وزير الخارجية الصهيوني وقتها، وقد تمَّ فيه الاتفاق على شنِّ حرب إسرائيلية جديدة تستهدف حركة المقاومة الإسلامية حماس، وإنهاء وجودها بالتالي، لارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين العالمية، وهي الحركة التي يضطهد أنصارها، وأعضاءها داخل دولة الإمارات، ومعروف الدور القذر الذي لعبه محمد دحلان في إبعاد عدد كبير من الفلسطينيين المقيمين فيها ذو الميول الحمساوية أو الإخوانية، فالإمارات في هذا الاجتماع اقترحت تمويل هذه الحملة العسكرية بالكامل، بعد ما فشل العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، في أن يجتث جذور حركة حماس الراسخة في القطاع، وعقيدة المقاومة من نفوس المجاهدين فيه.
فهروب أزيد من 11 عميلاً معاوناً مع محمد دحلان في قطاع غزة، واعتقال حماس لأعضاء الوفد المخابراتي الإماراتي الذي دخل على شكل هيئات إغاثة إماراتية، كشف الدور الإماراتي المشبوه لضرب المقاومة المسلحة في غزة، وهو ما أدى بحكومة دولة الإمارات بعد فشل مساعيها في إرسال مساعدات طبية وعلاجية، ومستلزمات غذائية إلى القطاع بعد انتهاء الحرب، إلى تغيير سياساتها اتجاه السلطات المحلية في غزة، فاضطرت هذه المرة مجبورة إلى إشراك حركة حماس في سياستها الإغاثية والطبية داخل القطاع المحاصر، وذلك لتبيض صورتها أمام الرأي العام الفلسطيني، والعربي الذي لن ينسى لمحمد دحلان ، أو الإمارات هذه الخيانة القومية التي لا تغتفر.
فهذه الدولة التي رعت خائناً عميلاً قتل بسببه المئات إن لم يكن الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني العزل، وساهمت في تدمير دول عربية كليبيا والانقلاب على رئيس شرعي في مصر سواء اتفقنا مع حركة الإخوان المسلمين أو اختلفنا معها، والتدخل السَّافر في شؤون دول كسوريا واليمن والعراق، وحتىَّ لبنان التي يحاول فيها محمد دحلان المعروف أبو فادي إقامة شبكة علاقات داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينية فيها، مستعملاً سلاح المساعدات المالية والإغاثية، وتحاول دولة الإمارات ومن وراءها طبعاً جهاز الموساد الصهيوني، تلميع صورة الرجل من أجل طرحه كمرشح لتسلم دفة القيادة الفلسطينية في المرحلة المقبلة. خاصة بعد اندلاع انتفاضة السكاكين المباركة، و الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة أبدية لصهاينة، وعجز محمود عباس، وأجهزته الأمنية عن التصدي لها أو إخمادها.
*كاتب جزائري