صرخة الخليل…صرخة وطن …؟
24 عاما على مجزرة خليل الرحمن
اهل الخليل يطلقون صرخة وطن، والاحتلال يقترف مجزرة حضارية في المدينة …؟!
نواف الزرو
تتصدر مدينة خليل الرحمن اليوم، ونحن أمام الذكرى الرابعة والعشرين لتلك المجزرة التي اقترفها غولدشتاين في الخامس عشر من شهر رمضان/1994 ، المشهد الفلسطيني في الضفة الغربية، فهذه المدينة الكبيرة، بأهلها ومقاومتها، وعنادها للمحتل، تتعرض -وفقا لأحدث تقرير فلسطيني نشر الخميس /2018-5-31- لحملة اعتقالات ومداهمات إسرائيلية شرسة استهدفت غالبية المناطق فيها، أسفرت عن اعتقال العشرات وتخريب العديد من المنازل.. .!
ولذلك نوثق مرة اخرى ونحن امام هذا المشهد: ليس عبثا ان كان اهل الخليل عقدوا مؤتمرا تحت عنوان”صرخة الخليل…صرخة وطن” بمبادرة من الهيئة الأهلية لدعم البلدة القديمة في الخليل والوحدة القانونية لمتابعة الانتهاكات الاسرائيلية (حقائق)، في مدينة الخليل، وبحث المؤتمر وضع المدينة القانوني ، وأجمع المتحدثون على ضرورة تجاوز اتفاق بروتوكول الخليل بوصفه مجحفاً وعنصرياً، وإنهاء الاستيطان الاسرائيلي في المدينة وتنظيم الحملات لمناهضته، وليس عبثا أن أطلق أهل الخليل صرختهم هذه على الملأ، في وجه الاحتلال واتفاق الخليل المجحف، فالاحتلال يقترف مذبحة حضارية هناك، ضد الحرم الابراهيمي والتراث والمعالم العربية، ويسطو سطوا مسلحا في وضح النهار على الأرض والبيوت.
وحسب التقارير فإن أوضاع وأحوال مدينة خليل الرحمن في ظل الاحتلال والاستيطان صعبة جدا، فالمستوطنون يستبيحون المدينة استباحة كاوبوية شاملة جامحة لم يسبق لها مثيل، وتتصاعد الاعتداءات الاستيطانية التى وصلت الى درجة بات لسان حال اهل “خليل الرحمن”يقول متمنيا: “لو أننا نصبح على نهار تكون الخليل فيه محررة ممن فيها من جيش ومستوطنين”، واحدى نساء الخليل تعرب عن أملها ب”تفكيك الحصار عن المدينة، والخلاص من “السجن الكبير الذي يبتلعهم بالإكراه”، مضيفة قبل أن يتطاير كلامها الخجول في فضاء البلدة القديمة وهي على مقربة من مستوطنين يعربدون في المكان: “سنواجه عملية تهجيرنا من منازلنا وممتلكاتنا بكل ما أوتينا من قوة، ومهما كلفنا الأمر، حتى لو دفعنا أرواحنا ثمنا لذلك”.
تكثف لنا أقوال المرأة الفلسطينية من قلب الخليل المشهد الراهن في المدينة الذي يحمل الكثير الكثير من المعاني والدلالات الصراعية على الوجود هناك…!
ونذكر اليوم مرة اخرى ونحن امام الذكرى الرابعة والعشرين للمجزرة في الحرم الإبراهيمي: في قلب خليل الرحمن، المستوطنون الارهابيون يقتحمون البيوت متاخما للحرم الابراهيمي الشريف، وعدد من الوزراء في حكومة نتنياهو و بضمنهم وزير التربية والتعليم، غدعون ساعر والوزير يولي إدلشطاين يعلنون تأييدهم لعمليات السطو على البيوت، وهذه صورة مصغرة جدا عما يجري في مدينة خليل الرحمن، سطو مسلح في وضح النهار على البيوت المتاخمة للحرم في سياق عملية استيلاء استراتيجية يواصلونها في انحاء المدينة، وما يجري في المدينة يحتاج إلى مجلدات ومجلدات لشرحه، فالأحداث يومية متلاحقة وكأن الاحتلال و مستعمريه في سباق مع الزمن لاحكام سيطرتهم على خليل الرحمن، فالذي يقترفه المستوطنون الذين يقيمون ما يشبه دولة استيطانية، من انتهاكات واعتداءات وجرائم حرب لا تتوقف على مدار الساعة ليس فقط يبرر المؤتمر والاحتجاج ، وانما يستدعي انتفاضة فلسطينية مفتوحة حتى رحيل قوات ومستعمري الاحتلال من الخليل وأنحاء الضفة المحتلة.
ولعل ابرز واخطر تلك الانتهاكات والاعتداءات هي بالتأكيد تلك التي تنفذ ضد الحرم الإبراهيمي الشريف، حيث تشير المعطيات إلى أن هناك انتهاكات يومية وبأشكال مختلفة مثل الاقتحام أو التسلل أو منع العرب من الدخول، أو خلع بلاط المسجد، أو تدنيس السجاد، أو التشويش على المصلين العرب وغير ذلك الكثير الكثير من الانتهاكات والاعتداءات والجرائم التي وثقت في دراسة متخصصة أعدت حول الانتهاكات الإسرائيلية في الخليل ، وتشير الى” آلاف الاعتداءات ضد الحرم الإبراهيمي الشريف”.
و نستذكر في هذا السياق اول ما نستذكر تلك المجزرة التي اقترفها الإرهابي باروخ غولدشتاين ضد المصلين في الحرم الإبراهيمي الشريف-وتحلت ذكراها الرابعة والعشرين اليوم و التي شكلت ذروة الإرهاب الدموي الذي قارفته دويلة/عصابات المستوطنين اليهود في منطقة الخليل، وفي أعقاب المذبحة، فرضت سلطات الاحتلال منع التجول على المدينة، وأخذ اليهود يرتبون الأمور داخل الحرم وفق أهوائهم ليحيلوه إلى كنيس يهودي بحجة الفرز بين المسلمين واليهود وأدخلوا الكثير من التغييرات على وضع الحرم ، بغية تهويده وتكريس هذا التهويد كأمر واقع ودائم.
وحيث أننا في سياق الحديث عن استباحة الاحتلال للحرم الابراهيمي فإننا نشير إلى عملية السيطرة والتهويد المنهجية للحرم الإبراهيمي الشريف، التي تواصلها السلطات / الحكومات الإسرائيلية بلا توقف منذ احتلال المدينة عام 1967، ولا نبالغ إن قلنا بأن الحرم الإبراهيمي قد تهود عمليا بفعل الهيمنة والسيطرة والإدارة الإسرائيلية المطلقة عليه، ولا نبالغ إن قلنا أن أهل الخليل لم يعد لهم موطئ قدم حقيقي فيه .
فالأحياء اليهودية المنتشرة في أنحاء البلدة القديمة للخليل من حول الحرم الابراهيمي، وتتواصل مع بعضها عبر الشوارع والأزقة والمنافذ خاضعة عملياً لسيطرة الجيش الإسرائيلي ، في حين تتصل في الوقت ذاته مع الحرم الإبراهيمي لضمان حركة وصلاة المستوطنين اليهود فيه، وتفيد المعطيات أن السيطرة اليهودية الاحتلالية تمتد لتشمل نحو 16 حياً قديماً تتكون منها البلدة القديمة.
فالذي يجري في المدينة مجزرة حضارية تاريخية تراثية وجغرافية في إطار خطة استراتيجية، يستهدف الاحتلال من ورائها السيطرة الاستراتيجية الكاملة على المدينة الى الابد، فهل تصل رسالة “صرخة الخليل..صرخة وطن” الى آذان كل الفلسطينيين والعرب والعالم يا ترى…؟!
تحتاج المدينة في مقدمة ما تحتاجه ونحن اما كل هذه المعطيات، الى وقفة حقيقية وجادة أولا من أهل المحافظة-في الداخل والخارج- من أجل دعم صمود المدينة –في إطار صراع شامل مع الاحتلال-، والى دعم عملية توثيق وتأريخ كل ما يقترف في المدينة على أيدي الاحتلال من جرائم حرب، وكذلك إلى توثيق وتأريخ موسوعة الانتفاضات والمقاومة في المدينة.