فرائد ترامب وعبوَّة الحمد الله!
ما جرى لتيلرسون لم يكن بغير المتوقع، كانت قد كثرت حول دنوِّه التوقعات منذ أمد. شيء واحد ثابت في هذه الإدارة لا غير، هو كون سيدها مسكوناً بدبلوماسية “تويتر”. كما وله في هذا المجال بدعه البروتوكولية الخاصة. منها ابلاغ الأميركيين والعالم وإدارته، ومعهم المعنيين مباشرةً بمستجدات إدارته الاستبدالية، عبر تغريداته المفاجئة في وسائل التواصل الاجتماعي. وعليه، لم يكن بالمستغرب، وإن أُستهجن، أن يسمع وزير خارجيته المُقال بنبأ إقالته بينما هو يجول، وقيل وهو في طريق العودة من جولته وقد قطعها، في عواصم العالم.
شيء آخر لم يتبدَّل، وإنما هو عُزز في هذه الإدارة بأكثر مما عهدته سابقاتها، وهو كونها تعج بالصهاينة والمتصهينين، لاسيما، وبشكل لافت، المتصهينين المسيحيين، وعلى رأسهم نائب الرئيس بنس. كما واختلفت عن سواها من الإدارات بأن للجنرالات حصتهم الوفيرة فيها. الآن اكتملت الجوقة بانضمام واحد من أمثال بمبيو، هذا الموصوف بكونه نسخة ترامبوية أخرى، والمشتهر كرافعٍ لراية الإسلاموفوبيا، والنافخ المجتهد في بوق سعار العداء للمهاجرين والإيرانيين والروس والصينيين، أضف إليه، صهينته التليدة وعدائه الموصوف للممانعين العرب.
تمادي تراب الاستبدالي لرجال إدارته، فوق كونه دليل على جليِّ انقسامات غير كتيمة تضرب بين أطنابها، ولأسباب تعود إما لسوء اختيار فانعدام كفاءة، أو لاختلافات في الرؤى فانعدام في الانسجام، أو ناجمة عن تخبُّط معهود يشوب غالب سياساته يؤدي بالضرورة إلى تناقض لا تسلم منه قراراته، يزيد طينها بلةً انعدام خبرته إلى جانب أسلوبه الفج والمتفرّد في مقارباته للسياسة الدولية، كما يفاقمه تجاوزه المقارب للإلغاء لدور وزارة الخارجية.
قد يقول قائل، وهؤلاء كثر، إنما هذه هي أمور يمكن وضعها براحة في خانة رب ضارة نافعة، بمعنى، أنها إذ تزيد من مستشري جاري الانقسام الأميركي الداخلي والمترتب أصلاً على قدومه للبيت الأبيض، فهي تفاقم أيضاً من صراعه المحتدم مع ما يعرف عادةً بالدولة العميقة، وهى هنا دولة الأمن القومي، وبالتالي فهي قد تسهم في تعجيل مطلب داخلي يتصاعد داعٍ للإطاحة به…قد يكون شيء من هذا وارداً، لكنما لا ينبغي بحال أن ننسى أنه توجد كتلة صماء تعادل ما قارب ثلث المجتمع الأميركي تؤيد سياساته وهي معه قلباً وقالباً، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بينه وبين هذه الموصوفة، كما اسلفنا، بدولة الأمن القومي، ذلك، فيما يتعلق، تحديداً، بالعداء لإيران، وروسيا، والصين، وجوهر الموقف حيال القضايا العربية، وتليد العلاقة المنظور لها بصفتها العضوية مع الكيان الغاصب في فلسطين المحتلة، ناهيك عن رضى كارتيلات السلاح، واللوبي الصهيوني بشقيه اليهودي والمسيحي المتصهين، كما وإن كثيرين في بلاده من يرون في عوائد ابتزازه لحلفائه، وبعض سياساته الحمائية إنجازات يحسبونها له.
لندع كل هذا جانباً، وننظر من خلال ما يعنينا كعرب لعوائد هذه الفرائد الترامبية المتواترة. اجمالاً، لا من شك أن العدوانية الأميركية سوف يزداد زخمها في سوريا، وستتصاعد مناسيبها الزائدة واقعاً لصالح المحتلين في فلسطين المحتلة. لكنما الاستبدالات الأخيرة في واشنطن لن تؤثر على ما تدعى “صفقة القرن”، لأنها قد وضعت أصلاً في عهدة ثلاثة من عتاة متطرفي صهاينة الإدارة. لقد سلِّمت ولا تزال لصهر ترامب كوشنر ومبعوثه للمنطقة غرينبلت وسفيرة في تل ابيب فريدمان، وهى لا تحمل في جوهرها سوى فرض الاستسلام على الفلسطينيين، والتصفية للقضية الفلسطينية بمساعدة عربية ووفق الرؤية الاحتلالية، الأمر الذي لا يجرؤ الأوسلويون على قبوله، ولا يسهل على عرب الأميركان تبنيه علناً، وإذ يجمع الشعب الفلسطيني وطناً وشتاتاً على رفضها وسيقاومها، فهي لا تعدو، والحالة هذه، واحدةً من أنجح الوصفات التي تطرح للفشل التسووي التصفوي…
حتى في الجانب الاحتلالي سخرت صحيفة “معاريف” من مآلات مثل هذه الوصفة، وقالت: إن” فشلاً بشعاً مثير للشفقة، سخيف ومسخَّف كذلك الذي يلوح الآن، لا يذكر مثله في تاريخ الدبلوماسية الأميركيه”.
…عبوَّة موكب الحمد الله البدائية، أو التي أراد لها زارعها أن تنفجر بعد أن تجتاز مؤخرة موكبه بسياراته المصفَّحة مسافة آمنة، لم تستهدفه، وإنما “المصالحة” غير المرغوب بها من قبل كافة اطراف التسوية، والتي لا تتفق مع استهدافات “صفقة القرن”، وتأتي في سياق التمهيد لصفقة لا يُكف التلويح بها مع الحرص على أن لا يتبدد غموضها المتعمَّد…وإلا ما السر في المسارعة لتوجيه أصابع الاتهام إلى الجهة الأكثر تضرراً منها، إلى غزة، وبعيد انفجارها بدقائق، ومطالبتها حتى قبل أن يتبدد دخانها ب”التمكين الأمني”؟!
abdullatif.muhanna@gmail.com