أقلام الوطن

الإطاحة بالملقي بعد احتجاجات شعبية واسعة في الأردن

 

بسّام عليّان*

 

طلب العاهل الأردني من رئيس الوزراء الأردني، هاني الملقي، تقديم استقالته، أمس الاثنين؛ على خلفية الاحتجاجات الشعبية ضد مشروع قانون ضريبة الدخل. وقد تم تكليف وزير التربية عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة.

   وتتواصل الاحتجاجات في الأردن منذ يوم الأربعاء الماضي على مشروع قانون ضريبة الدخل، لا سيما في محيط مقر رئاسة الوزراء في عمّان ومختلف محافظات المملكة، وتشهد منطقة “الدوار الرابع” حيث مقر الرئاسة تطويقاً أمنياً كثيفاً.

    وكانت قد تعالت هتافات المحتجين بالمطالبة بسحب قانون الضريبة، وإسقاط حكومة الملقي وحل مجلس النواب، فيما ظلت حكومة الملقي ولآخر لحظة في عمرها ترفض سحب هذا القانون رغم غضب الشارع الأردني وخيارات التصعيد المطروحة من النقابات المهنية.

    وكان مجلس النقابات المهنية الأردنية قد دعا وللمرة الثانية، إلى إضراب عام عن العمل على مستوى الأردن الأربعاء المقبل، بعد رفض الحكومة سحب مشروع قانون ضريبة الدخل خلال اجتماعها مع النقابات السبت.

    وكنا قد نشرنا قبل ثمانية أشهر تقريباً؛ مقالاً تحليلياً حول رؤيتنا لحكومة الملقي؛ والتي يرى فيها كثير من المراقبين أن هذه الحكومة باتت تُشكل عبئا كبيرا على العاهل الأردني؛ نظرا لمجموع القرارات غير المدروسة التي اتخذتها في المجالات المختلفة الاقتصادية والسياسية الاجتماعية بدأ من قراراتها الاقتصادية لإنقاذ الخزينة والذي جاء بمجمله على حساب جيب المواطن ومرورا بتطفيش العديد من أصحاب الخبرات بحجة بلوغهم سن التقاعد وتعيين اشخاصا بلغوا من العمر عتيا في مناصب عليا للدولة الأردنية التي تعاني أصلا من تضخم بحجم الموظفين والمستشارين الذين يقبضون رواتب خيالية دون أية خدمات يقدمونها للشعب. ناهيك عن تعين ابناء الذوات على حساب اصحاب الكفاءات وانتهاء بترقية ابنه فوزي في الملكية الاردنية التي تُسيطر عليها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي وتعين أمين عمان السابق عقل بلتاجي نائبا لرئيس مجلس إدارتها وهو على رأس عمله في أمانة العاصمة. وضعف تعامل الحكومة مع قضية الدجاج الفاسد الذي تم ضبطه في محافظتي معان والكرك وانتهاء بقرار الحكومة تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع قطر والذي فُسر أنه جاء استرضاء للسعودية، و مناقضا لنهج الأردن الدبلوماسي في التعامل مع القضايا العربية والتي في مقدمتها عدم التدخل بشؤون الغير.

    وكنا قد أوضحنا ازدياد حجم الانتقادات حيال دور هذه الحكومة بوجه عام وسوء أداء بعض وزرائها بوجه خاص ومنه ضعفها في مواجهة شركات تعمل في الأردن وترفض الترخيص والالتزام بالقوانين والأنظمة السارية ( التطبيقات الذكية في النقل العام ) وفزعة وزيرة السياحة والآثار للسماح لفرقة فنية من خارج الأردن لتقديم عروض تتناقض مع قيمنا المجتمعية و أعطيات و تنفيعات يقدمها الوزير الثاني في الحكومة للنواب لقاء اصطفافهم مع الحكومة والذي يتم بمباركة وبتوجيه من الملقي نفسه. وقبول وزير الأوقاف لتبرع شخصي استخدم في إعادة صيانة وتأثيث مكتبه شكل علامة استفهام حيال سر هذا التبرع والذي ألحقه الوزير بتأسيس شركة للحج والعمرة بصورة تتناقض مع التوجهات العامة في تفعيل دور القطاع الخاص ….وغيره الكثير الكثير من الأداء السلبي .

    فحكومة الملقي التي أقالها العاهل الأردني تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية، هي التي تتحمل تبعات سياستها السلبية وتجاوزاتها التي أعادت الأردن لعهد الإقطاعيين والخدم..!!؟؟

     إن تزايد إخفاقات حكومة الملقي المقالة؛ والتي أثبتت فشلها في إدارة الملف الاقتصادي بامتياز والتي كان يستوجب رحيلها فورا منذ عام، خاصة بعد اتفاقيتها المجحفة مع صندوق النقد الدولي وبما يتوافق مع الأجندات الخارجية التي لا تخدم غير مصالح أعداء الأردنيين. وقد كانت هذه الحكومة تعرف أن الانصياع لاملاءات وشروط صندوق النقد الدولي سيعمّق الفجوة بين مكوّنات المجتمع وسيزيد عجز الموازنة وسيحول المجتمع إلى طبقي بامتياز “سادة وعبيد” وسيزيد الغني غنى والفقير فقراً، ورغم معرفتها بالنتائج انصاعت لهذه الاملاءات واستسلمت، مما شكل هذا  خطراً على الأمن المجتمعي؛ اعتبرته الأوساط النقابية تلاعباً مع الأردنيين، واختباراً لقدرتهم على التحمل من خلال أن من طالتهم الإجراءات الاقتصادية “الملقية” هم من ذوي الدخول (500-600) دينار ليصار لاحقا إلى رفعها الى 1000 دينار وتوهم الشعب بأنه انتصر، إلا أن هذه الخدع القديمة لم تعد لتنطلي على أحد، ولن يقبل أحد بتخفيض الإعفاء الضريبي للمكلفين أبدا. وكان الأولى بالملقي ملاحقة كبرى الشركات والاستثمارات المقامة في الأردن والتي لا تدفع الضرائب ومعروفة بكونها تتهرب من دفعها.

       إن زيادة الضرائب على السلع سواء المعلن عنها أو غير المعلن عنها، ورفع أسعار البترول غير المبررة دليل واضح عن فشل الحكومة في الجانب الاقتصادي, وكثرة حوادث الانتحار والقتل والمشاجرات فشل يطال الحكومة في كبح جماحها او توفير مناخ اقتصادي واجتماعي ونفسي آمن .

   كما أننا وكلنا، يتذكر كيف تعاملت حكومة الملقي مع حادث سفارة العدو الإسرائيلي الجاثمة في عمان على أنفاس الشعب في الأردن. رغم أنه كان مطلوب من الملقي أن يكون حازماً في هذا الأمر حيث قتل موظف في هذه السفارة ثلاثة أردنيين بدم بارد، وخرج بحماية الأمن الأردني إلى الجسر لينتقل إلى الجانب الآخر من النهر دون مساءلة ودون محاسبة ودون أدنى اعتذار من أسياده هناك…!!!؟

     كما عجزت حكومة الملقي عن ترجمة أقوالها وما تعهدت به حول ارتفاع أسعار العمالة الأجنبية , وفشلت وزارة العمل – في الحكومة المقالة – في توفير عمالة رخيصة بل كانت السبب وراء رفع دخل الوافد من 7 دنانير الى 70 دينار باليوم.

     كما أن وزارة الفقراء “التنمية الاجتماعية”؛ كانت هي من يوطن الفقر والجوع بين الأردنيين الذين زادت بينهم نسبة الفقر والبطالة بأرقام مذهلة نظراً لعدد السكان، ونظراً لتركيبة الأردن السكانية.

    كما أن وزارة الخارجية كانت تغرد لوحدها بجهود فردية , ووزارة البلديات أصبحت مزرعة شخصية ويحق لصاحبها اختيار موظفيها وعمالها  , ووزارة الصحة تراجعت عن تقديم خدماتها المنوطة بها للأردنيين، ونقص في العلاجات أصبح ظاهرة. أما وزارة الزراعة حدث ولا حرج فهي وزارة تعرف ربما في كل شيء ما عدى الزراعة وسوسة النخيل خير مثال . ووزارة الصناعة بارعة في منح الرخص لمن يدفع أكثر. و وزارة الثقافة تمنع الفعاليات على مسارحها وتمنح بلا حدود للفعاليات الخارجة عن نطاق الثقافة.  ووزارة الأوقاف عاجزة عن ضبط الفساد في شركات نقل الحجاج. والحكام الإداريين يختارون لمجالسهم حسب المحبة وليس حسب الخبرة والدراية , ومعظمهم دون المستوى. وأصبحت الجامعات شركات لجمع الأموال، وتكبير حجم الشهادات والتخصصات، وكنا نتساءل كيف يكونوا أمناء على تخريج جيل وطني ومهني ومنتمي، جيل مسؤول عن تربية وتنشأة الأجيال القادمة، جيل يؤتمن على موارد البلد…..!!!؟؟؟ .

  بقي السؤال الآن؛ هل يوفق العاهل الأردني هذه المرة بطرح عمر الرزاز كشخصية تستحق احترام الشعب الأردني ليكون رئيسا للحكومة الجديدة. فعمر الرزاز شغل منصب وزير التربية والتعليم منذ 14 كانون الثاني / يناير 2017 وكان رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي الأردني، كما كان رئيس الفريق الفني الأردني لإعداد الإستراتيجية الوطنية للتشغيل، ومديراً عاماً للضمان الاجتماعي. وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في التخطيط الحضري من جامعة هارفارد، وكذلك شهادة الدكتوراه في القانون من نفس الجامعة. وهو نجل السياسي الراحل منيف الرزاز، الذي كان عضوا بارزا في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي.

وتشمل خبرة الرزاز في البنك الدولي مجالات تنمية القطاع الخاص وتمويل البنية التحتية. وتضمنت الدول التي عمل فيها خلال وجوده في البنك الدولي روسيا وأوزبكستان وتركمنستان واستونيا وروسيا البيضاء ومقدونيا وجنوب أفريقيا وساحل العاج وإفريقيا الوسطى والمملكة العربية السعودية واليمن وإيران ولبنان والأردن.

    ويرى المراقبون أن العاهل الأردني؛ يرى ضرورة أن تكون مهمات الحكومة الجديدة، ضرورة اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي تعكس رؤية إصلاحية تحديثية تطويرية شاملة على طريق تعزيز ثقة الشعب بحكومته والنهوض بحياة الأردني.

    كما يرى خبراء اقتصاديون إن الاقتصاد الأردني يعاني في واقع الأمر من أزمة بنيوية وهيكلية، تراكمت على مر العقود الأخيرة، وبالتالي فإن أي تحوير لن يكون مفيدا ما لم يقتض معالجة جذرية تقوم بها الحكومة الجديدة.

    ويعتقد المراقبون أن الملف الاقتصادي للحكومة الأردنية الجديدة؛ سيكون له الأولوية في أجندات العاهل الأردني؛ خاصة في ظل التزايد المطرد لنسب المديونية التي بلغت أكثر من 37 مليار دولار، وتراجع الدخل الفردي، وارتفاع معدلات البطالة والفقر ما يهدد استقرار المملكة الأردنية التي تعيش وضعا استثنائيا جراء النزاعات التي تعصف بالجارتين سورية والعراق، وغرق الأردن بالمهجرين السوريين والعراقيين الذي استنزف الكثير من حقوق الأردنيين كما استنزف الجانب الأمني مما زاد الجريمة والفساد في المجتمع الأردني.

    فلذلك لا بدّ للعاهل الأردني بصفته هو رأس الدولة الأردنية؛ أن يركز في تشكيلة الحكومة الجديدة على الوضع الاقتصادي وكيفية ضرورة المضي في برنامج إصلاحي ينهض بالاقتصاد الأردني ويتوجه به الى الطريق الصحيح والعمل على إزالة الاختلالات الهيكلية التي عبثت وأضرت باقتصاد شعب لا يملك أية موارد محلية سوى الأيدي العاملة والشباب.

     كما أنه من حق مجلس النواب الأردني، أن يطمئن الى شخص رئيس الوزراء الجديد، وإلى التشكيلة الحكومية الجديدة وقدرتها على تنفيذ رؤاها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والأهم من هذا استعداد النواب لتحمل مسؤوليتهم في توجيه الدولة كلها الى مواجهة الحقائق الصعبة، والاعتماد على الذات؛ أي الاعتماد على المواطن الأردني وعلى ثقته التي يوليها للنواب ومن ثم للحكومة، دون المراهنة على مواقف دولية وهمية. وتثبت الحقائق للجميع بأن المراهنة على بعض الدول أصبحت خفة سياسية، لا تنسجم مع حقائق سياسية جديدة، وتحالفات وتوجهات خطيرة على المصالح الأردنية…!!!؟؟.

*كاتب اجتماعي وباحث سياسي.

بسّام عليّان‎

كاتب وباحث فلسطيني/ دمشق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *