الطائرات الورقية أحدث أساليب المقاومة التي دبت الرعب في قلوب الصهاينة
عميرة أيسر*
ولأن المقاومة الفلسطينية أصبحت تتبع استراتجيات مختلفة ومتنوعة في كل مرة من أجل مقارعة الاحتلال الصهيوني الغاشم، فإنها لجأت هذه المرة وتماهياً مع أحداث تظاهرات مسيرة العودة، والتي تزامنت مع ذكر النكبة الكبرى، والتهجير القصري الذي تعرضوا له، إلى ابتكار وسيلة مقاومة بسيطة وغير مكلفة من الناحية المادية، ولكنها عملت على دبّ الرعب في قلوب الصهاينة الذين لم يتعودوا على هكذا نوع من الأسلحة الفتاكة والبسيطة في نفس الوقت، والتي قضت على مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وأحرقتها بالكامل، وحرمت المستوطنين من جني محاصيلهم الأساسية في فصل الصيف، وعلى رأسها محاصيل القمح والشعير وغيرها، وكبدتهم خسائر هائلة جداً حيث أن هذه الطائرات الورقية الحارقة قضت على حوالي ربع المحاصيل الزراعية التي تنتجها متوطنات غلاف قطاع غزة مثلما أكد على ذلك داني بن ديفيد رئيس بلدية النقب في حديثه الذي أجراه قبل أيام قلائل مع القناة العبرية الثانية.
فالخسائر الفادحة التي تكبدها الصهاينة اقتصادياً وأمنياً من جراء هذا السّلاح البدائي والفعال والفريد من نوعه في تاريخ الحروب، قد ترك المؤسسة العسكرية والأمنية الصهيونية في حالة عجز شديد، لأنها لا تمتلك طريقة متطورة لإيقافها، وحتى الطائرات بدون طيار التي تعتبر من أهم الأسلحة الموجودة لدى سلاح الجو الصهيوني، تبقى عاجزة عن تتبع مسارها أو إيقافها، لأنها لا تعتمد على منظومات تكنولوجية أو معلوماتية متطورة، كما هو الحال بالنسبة للصواريخ المتقدمة، أو الطائرات المقاتلة الحديثة، وإنما تتم صناعتها بطريقة يدوية، ويتم إطلاقها في خضم المواجهات المتكررة بين المتظاهرين العزل القادمين من قطاع عزة، و جنود الاحتلال الصهيوني المدججين بكافة أنواع الأسلحة الحديثة والقاتلة.
هذا السّلاح الفعال بات يقلق الحكومة الصهيونية كثيراً لأنه يستهدف أهم مورد اقتصادي للصهاينة، ألا وهو الزراعة التي تعتبر من أهم الموارد الاقتصادية لإسرائيل، والتي يعتاش من خلالها عشرات الآلاف من المزارعين مع عائلاتهم، فاستهداف المقاومة الفلسطينية لهذا المورد الاقتصادي الهام، يعني حرمان هؤلاء من مصدر دخلهم الوحيد، مما سيضطر الحكومة إلى دفع تعويضات ضخمة مالية وتقديم معونات غذائية، بالإضافة إلى معدات زراعية جديدة، وخاصة آلات الحصاد التي هلك الكثير منها في الحقول الزراعية المستهدفة عن طريق الطائرات الحارقة، فالطائرات الورقية التي تطلى بمواد حارقة والتي يقوم شباب فلسطينيون صغار في السّن بصناعتها بمواد طبيعية بسيطة كالأخشاب والأوراق الجافة، بالإضافة إلى ربطها بالخيطان الصناعية، وتقوم وحدة خاصة من الشباب بإنتاج العشرات منها أسبوعياً في ورش خاصة، بعيداً عن رصاص الاحتلال الإسرائيلي ثم يتولى قسم منهم إيصالها إلى محاذاة السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة، حيث يقومون بإطلاقها بعدة طرق ووسائل مبتكرة. هؤلاء الذين يطلقون على أنفسهم أبناء الزواري نسبة إلى المهندس الشهيد محمد الزواري الذي اغتاله الموساد الصهيوني في تونس قبل أشهر. وهو الذي قام بصناعة العشرات من الطائرات المسيرة بدون طيار التابعة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الفلسطينية.
فهذه الطائرات الورقية التي استطاعت بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إحراق أكثر من 300 دونم من أراضي المستوطنات ووصلت حتى غابة كيسوفيم شرقي مدينة دير البلح في قطاع غزة المحاصر، سيكون لها دور كبير مستقبلاً في التأثير سلباً على المجتمع الصهيوني وإرباكه، وربما الضغط عليه من أجل إجبار نتنياهو على الانسحاب من اللعبة السّياسية، بعدما مني بفشل ذريع في إيجاد سياسات ناجعة طوال سنوات للتغلب على المقاومة الفلسطينية بمختلف أشكالها السلمية منها والعسكرية.
*كاتب جزائري