إستراتيجية حزب الله البحرية في مواجهة إسرائيل
عميرة أيسر
استطاع حزب الله في إطار الحرب الدائرة رحاها بينه وبين دولة الكيان الصهيوني، منذ أكثر من ثلاثة عقود، أن يغير من موازين اللعبة العسكرية الجيواستراتيجية، وأن يجعل الكيان الصهيوني يفكر دائماً في المفاجآت الكثيرة النوعية التي باتت المقاومة اللبنانية تفاجئه بها في كل حرب يشنُّها على بلد الأرز، فالإستراتيجية العسكرية الصهيونية، والتي أصبحت منذ سنة 2006م تتبنى ما يمكن ما يطلق عليه أسلوب “المعارك بين الحروب”، والتي يمكن تعريفها بحسب وثيقة إستراتيجية للجيش الصهيوني
بأنها عبارة عن أسلوب قتالي جديد تمَّ استعماله في الحرب الصهيونية التي شنتها إسرائيل ضدَّ قطاع غزة وفي لبنان، ويستخدم حالياً في سوريا لضرب قوافل الأسلحة والإمدادات إلى حزب الله اللبناني، وهدف إسرائيل من استخدام هذا الأسلوب القتالي التكتيكي، هو توفير أطول فترة هدوء ممكنة عبر إضعاف عناصر القوة السِّلبية، لدى الخصوم ومنعهم ولو بالقوة، من تطوير قدراتهم لكي لا يستطيعوا كسر توازن القوة، لتضمن دولة الاحتلال النصر السَّريع، في حال دخولها حروباً مستقبلية ضدَّ أعدائها، وهذا ما حاولت إسرائيل فعله في حرب تموز/ أوت 2006م، حيث قامت بإرسال قطعتان بحريتان إلى عمق المياه الإقليمية اللبنانية لكي تقوم بمحاصرة لبنان بحرياً، وقصف أهداف مدنية وعسكرية، كانت أحداها المدمرة حانييت من نوع ساعر5، بالإضافة إلى 4 سفن حربية، و3 زوارق من نوع دبور والتي تجولت من الشمال إلى رأس الناقورة بمحاذاة السَّواحل البحرية اللبنانية، وانطلق بعضها من ميناء حيفا و البعض الأخر من ميناء أسدود، وتجولت على بعد 16 ميلاً بحرياً، وتعتبر المدمرة حانييت أو الرمح باللغة العبرية، من أكثر القطع البحرية تطوراً في العالم، فهي تعتبر واحدة من أصل ثلاثة مدمرات تمتلكها البحرية الصهيونية، تمتلك خاصية القدرة على إخفاء البصمة الحرارية لجسم السفينة، ويعتبر الكيان الصهيوني الدولة الوحيدة حالياً التي تمتلك هذه التكنولوجية المتطورة جداً، في العلوم العسكرية، تستطيع هذه المدمرة الإفلات من الرصد الراداري أو من الصواريخ ذات الرؤوس الحرارية، بعدما أثبتت الوقائع لأعداء الكيان الصهيوني بأن منظومة الدفاع الجوي لديها، باتت تمتلك القدرة الالكترونية والتكنولوجية على رصد الصواريخ الليزرية وإسقاطها، فتقنية إخفاء البصمة الحرارية لجسم المدمرة حانييت يتم تفعيلها عن طريق تبريد جسم السفينة ذو الزوايا المنفرجة، و ذلك بالقرب من غرفة المحركات الرئيسية حيث تمر طبقتان من المياه الباردة، فكل الغازات الصاعدة من داخلها تخضع لعمليات تبريد مستمرة وبالتدريج، كما أن جسم المدمرة بني باستعمال تقنية الستيلت الخفي. بالإضافة إلى أنها تمتلك مدفع أوتوماتيكي الحركة من عيار 76 ملم، عال التصويب و منظومات صواريخ عالية الدقة من بينها منظومة صواريخ هارمون الأمريكية، والتي يصل مداها الأقصى إلى حوالي 120 كلم، ومنظومة صواريخ غابريال، و صواريخ باراك المتطورة جداً، فكل خلية فيها 32 صاروخاً في منظومة الدفاع الجوي المنصوبة في المدمرة حانييت. وكذلك تحتوي المدمرة على وسائط الحرب الالكترونية ومنظومات للكشف الراداري الحراري، والمداري، والليزري، بالإضافة إلى امتلاكها لمدفع 6 سبطانات من نوع “ماتالي” وبالتالي كان من المستحيل عملياً إغراقها باستعمال الصواريخ المضادة للسفن.
فالأجهزة الاستخباراتية التي سمحت أوصت بأن تنطلق المدمرة حانييت باتجاه السَّواحل اللبنانية فجر يوم الخميس الموافق لثاني أيام تلك الحرب العدوانية التي شنتها على لبنان، لم يكن يتصور وقتها لا الجنرال عاموس يلدين الذي كان يشغل منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، ولا حتىَّ مائير دغان رئيس الموساد الهالك في 16آذار/ مارس 2016م عن عمر يناهز 71 سنة، والذي كان حتى وفاته من أشد المنتقدين لعمل حكومة بن يامين نتنياهو، وأحد الصقور الذين طالبوا أيهود أولمرت بضرورة تأديب حزب الله بعد حادثة خطف الجنديين الإسرائيليين على الحدود الشَّمالية لفلسطين المحتلة، و التي كانت أحد أهم الأسباب لإشعال الحرب آنذاك، لم يكن العقل الإستخباراتي الصهيوني يتوقع بأن حزب الله استطاع، وبعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية والعسكرية الصهيونية تأسيس وتدريب وحدة سرية بحرية، والتي تستطيع أن تعمل في ظلِّ أقصى الظروف الميدانية، ومدربة على أعلى مستوى، والتي تنحصر مهمتها في الردّ على الاعتداءات البحرية الصهيونية المتواصلة، بالإضافة إلى امتلاك الحزب في ترسانته العسكرية لمنظومة صواريخ بحرية من نوع C802 الصينية وهي النسخة المعدلة والمطورة لصواريخ يوجي 8 القديمة، المضادة للسفن والتي يمتلك إطلاقها من وسائط مختلفة بحراً وجواً وبرا، ويعد هذا الصاروخ من أفضل الصواريخ الموجهة ضدَّ السفن في العالم، وقادر على تهديد معظم السفن الحربية، بما فيها حاملات الطائرات الأمريكية، وتم تجهيزه بوسائط إلكترونية وأجهزة مضادة للتشويش الالكتروني، كما أن نسبة إسقاطه وهو متجه صوب الهدف لا تتعدى 2 بالمائة فقط، ونسبة إصابته للأهداف البحرية تقدر بحوالي 98 بالمائة، كما أن هذا النوع من الصواريخ يصل مداه التقريبي إلى حوالي 120 كلم، ويبلغ طوله 6 متر، و39 سنتيم، بالإضافة إلى انه يحمل رأساً متفجراً يزن حوالي 165 كلغ، وهو أسرع من سرعة الصوت بقياس 0.9 ماخ، ويرتفع حوالي 20-30 متراً خلال طيرانه باتجاه الهدف، ولكنه يمتلك خاصية الطواف على سطح البحر خلال هجومه على الهدف، وبارتفاع قدره 5 إلى 7 أمتار، كما أنه يمتلك صاعقاً تفجيرياً يعمل وفق خاصية ثنائية التفجير، حيث يقوم الصاروخ الموجه باختراق جسم السَّفينة، ثم ينفجر داخلها في المرحلة الثانية من الاختراق.
فالموساد الإسرائيلي كان يعرف بأن الصين قد باعت هذا النوع من الصواريخ لإيران، ولكن لم يكن يتوقع أبداً بأن حزب الله اللبناني يمكن أن يحصل على صاروخ لا تمتلكه إلا الجيوش النظامية في ترسانتها العسكرية، ويتعامل معه باحتراف شديد، من حيث صيانته وتوجيهه وإطلاقه، حيث أن العملية تحتاج في من 20 إلى 25 شخصاً، من أجل تشغيله، ولكن حزب الله استطاع أن يطلق صاروخين دفعة واحدة من هذا النوع، من أحد المرتفعات في الجهة الجنوبية لبيروت المطلة على البحر، وذلك تحت إشراف مجموعة من المهندسين ، الذين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة كما تشير إلى ذلك مصادر استخباراتية صهيونية، وهو ما اعتبره الأدميرال بسام أبو علي قائد البحرية السورية سنة 2008م إنجازاً عسكرياً غير مسبوق لحركات المقاومة في المنطقة. واستطاع الحزب بفضل امتلاكه، هكذا أسلحة نوعية أن يبني إستراتيجية عسكرية بحرية ردعية، وان يغرق واحدة من أهم القطع البحرية في العالم، في نفس الوقت الذي كان فيه الجنرال دان حالوتس رئيس هيئة الأركان الصهيونية، يعقد مؤتمراً صحفياً لتعداد إنجازات اليوم الأول من العدوان الجوي على لبنان، وبالتالي فإن حزب الله استطاع كسر شوكة التفوق النوعي البحري الإسرائيلي، وتهديد إسرائيل عسكرياً، حيث وكما أشار السيِّد حسن نصر الله في أحد خطاباته التي ألقها سنة 2015م، فإن المقاومة اللبنانية باتت تستطيع تهديد كافة الموانئ والسفن الإسرائيلية المدنية والحربية، المتجهة من وإلى موانئ فلسطين المحتلة، وبأنها ستكون هدفاً مشروعاً في أيِّ حرب مقبلة قد تندلع رحاها بين الجانبين.
فالصواريخ المتطورة جداً التي بات الحزب يمتلكها لمواجهة الغطرسة الصهيونية، وترسانتها العسكرية البحرية الجبارة، تستطيع كذلك استهداف منصات التنقيب عن الغاز الموجودة في عرض البحر الأبيض المتوسط، بالرغم من وجود منظومات حيتس، ومقلاع داوود لحمايتها، وتأكيدات رئيس الموساد الحالي الذي كان في زيارة عمل إلى واشنطن لبحث التهديدات البحرية لحزب الله المتواصلة لإسرائيل يوسي كوهين، بعد أزمة البلوك رقم 9 والتلميح الإسرائيلي على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بأن تل أبيب لن تسمح للبنان، بالسيطرة عليه واستخراج الغاز منه، وطالبت لبنان باقتسامه معها، وأصدر مجلس الدفاع اللبناني الأعلى برئاسة ميشال عون على إثر ذلك بياناً شديد اللهجة، فهمه حزب الله على أنه ضوء أخضر غير مباشر، للردِّ على الاستفزازات الإسرائيلية، في حال فكرت تل أبيب في ضرب المنشآت الغازية اللبنانية البحرية التي هي في طور الإنشاء، أو حتىَّ بناء الجدار الفاصل على الحدود الجنوبية، فوق مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، فحزب الله ورغم التهديدات الأمريكية التي وجهها له ريكس تلرسون وزير الخارجية الأمريكي من العاصمة الأردنية عمان، بعد انتهاء زيارته إلى لبنان، وخروجه خال الوفاض منها، والتي أكد فيها على أن حزب الله منظمة إرهابية وبأن واشنطن ستدعم إسرائيل في حقها البحري في السَّيطرة على البلوك رقم 9، ولكن حزب الله كالعادة تجاهل تلك التهديدات لأنه يعلم علم اليقين، بأن تل أبيب لو كانت تستطيع شنَّ حرب جديدة على لبنان لفعلت. فكوادر الحزب وقياداته استطاعوا على مدار سنوات من العمل الدءوب والمضني، بناء منظومة ردع استراتيجي بحري، وامتلاك أسلحة وصواريخ كاسرة للتوازن تجعل من الحرب المقبلة مع إسرائيل، جحيماً حقيقياً لا يطاق بالنسبة لصهاينة، و هي الحرب التي ستلحق خسائر كبيرة جداً بالمنشآت الحيوية الطاقوية للكيان الصهيوني، وستؤدي إلى تدمير العديد من القطع والسفن البحرية الصهيونية بالتأكيد.
*كاتب جزائري