في حقبة العولمة من العروبة والتنمية إلى الدين السياسي والاستعمار الإسلامي
د. عادل سمارة
فلسطين المحتلة
ورقة مقدمة إلى المؤتمر الفلسفي العربي بإشراف الجمعية الفلسفية الأردنية ، وقسم الفلسفة في الجامعة الأردنية الذي يعقد في عمّان تحت عنوان (اشكالية المفاهيم وتحولات السلطة المرتبطة بها) خلال الفترة بين 21-23 تشرين ثاني /2019 .
إنتقل العالم، بما فيه وطننا، منذ قرابة خمسة عقود من حقبة الإمبريالية إلى حقبة العولمة كحقبة من أهم مميزاتها:
* تغولها وتوحشها العلني مستبدلة الحرب الباردة بين المركز والكتلة الإشتراكية بالحرب الساخنة من المركز ضد المحيط وخاصة إثر تفكك الكتلة الإشتراكية.
* نشوء او انتعاش ظاهرة الدين السياسي عالميا كتوليد في خدمة للسياسات النيولبرالية في عصر راس المال الاحتكاري المالي والمضارباتي .
* حصول الاندغام الثاني لراس المال، إثر الأزمة المالية الإقتصادية الجارية منذ 2007-2008 في المركز وإلقاء ثقلها على المحيط ايضا ، فبعد أطروحات هلفريدنغ ولينين ، منذ قرن، عن اندغام راس المال الصناعي والمصرفي، تطور عن الأزمة المالية ألإقتصادية اندغام راس المال المالي براس المال المافيوي والمضارباتي وبوساطة المخابرات بحيث أصبحت المافيا مالكة وشريكة في راس المال المصرفي والشركاتي.
* عقد التضامن والتصالح بين الشركات الكبرى والدولة بتحويل الدولة إلى الإدارة السياسية الاقتصادية والخادم العسكري العدواني للشركات.
* تصنيع المركز ما نسميه “الموجة القومية الثالثة في للمحيط (أنظر لاحقا)
* أما في الإيجابي،فهو قِصر فترة انكشاف وتأزم هذه الحقبة[1].
الوضع العربي
ترتب على هزيمة 1967 إنتقال مركز الثقل السياسي والاجتماعي والإقتصادي و”الثقافي” في الوطن العربي من يد أو منحى الأنظمة القومية التقدمية تنموية التوجه إلى يد أنظمة منحى التبعية والكمبرادور والدين السياسي وخاصة أنظمة الاعتماد التبعوي المزدوج لِ:
- المركز الإمبريالي لحمايتها
- والريع النفطي (أنظمة النفط) أو مساعدات أنظمة النفط للأخريات (من دول الفائض إلى دول العجز).
وبقدر ما كان المنحى الأول عروبي التوجه، بغض النظر عن مدى تجاوزه للقُطرية تجاورا فعليا، كان المنحى الثاني عدو للقومية العربية بغض النظر عن نسبة ومدى ومتى إظهار ذلك.
لا شك بأن أنظمة المنحى الأول كانت في واجهة التصدي للإمبريالية التي تستهدف الوطن العربي منذ المرحلة الميركنتيلية.
لقد حاولت أنظمة المنحى الأول الوصول إلى تنمية اقتصادية ملموسة وموشحة بالإشتراكية، لكنها فشلت في الوقت نفسه في الانحياز حقا للطبقات الشعبية فابقت على سيطرة البرجوازية على الكثير من مواقع الإنتاج داخليا وعلى مواقع في البنية الثقافية الفكرية ايضاً. ورغم أنها اقامت علاقات عسكرية تسليحية مع الكتلة الإشتراكية إلا أن معظم مبادلاتها الإقتصادية كانت مع المركز الإمبريالي[2]!
لم يرتق التوجه القومي التنموي لدى دول المنحى الأول إلى تبني استراتيجية فك الارتباط الأمر الذي اتخذ وضعية:
- دعم الطبقات الشعبية للسلطة، دون أن توفر لها السلطة الديمقراطية الشعبية ولا سيما في المستوى الإقتصادي[3]
- مقابل انحياز السلطة للبرجوازية والطبقة الوسطى
قام بقاء هذه الأنظمة بعد هزيمة 1967 على مرتكزين:
الأول: الاعتماد على القوى الأمنية في تثبيت الوضع الداخلي بما رافقه طبعا من القمع
الثاني: الاعتماد على وجود الكتلة الشرقية في إعاقتها للعدوان الإمبريالي المباشر والذي أستؤنف بعد تفكك الاتحاد السوفييتي إلى أن أستبدل لاحقا ليتخذ حروب الانتحار البيْني العربي على يد قوى الدين السياسي.
شكًّل تفكك الكتلة الاشتراكية فرصة للثورة المضادة بقيادة الولايات المتحدة للعودة إلى العدوان المباشر ضد بلدان المحيط السوفييتي، تدمير يوغسلافيا وإسقاط النظام وتجزئة الدولة، والمحيط العالمي احتلال كل من أفغانستان والعراق.
تصنيع موجة القومية الثالثة
مقصود بهذا المصطلح أكثر من مسألة أو معنى. إنه رفض لهيمنة الخطاب الغربي الرأسمالي وبداية الأوروبي الذي يزعم بعنصرية بأنَّ ما يحصل في أوروبا، تاريخ أوروبا الحديث هو تاريخ كل العالم. وتتكثَّف خطورة هذا الزعم عبر حقنه لمثقفي الصدى في المحيط وخاصة جزئه العربي. أولئك المثقفين الذين يرددون هذه المزاعم كحقائق لا جدال فيها. كل مثقف من فريق الصدى يروج لما التهمه : مثقف ما بعد الحداثة يروج لنظرياتها ويعيد هندسة المجتمع لقبولها، ومثقف الدين السياسي يروج لمعنى المحافظية الجديدة، والمثقف اللبرالي يروج لثقافة الرأسمالية الغربية، ومثقف البورونجرافي واللزبيان والمثلية يروج لهذه الثقافة…الخ بمعزل عن وعي هذه كلها ومعناها هناك وهنا.
دأب الخطاب الغربي على الزعم بأن موجة القوميات في أوروبا الغربية في منتصف القرن التاسع عشر أو ما أسماه عصر القوميات بأن هذا عصر لكل العالم في حين كان هذا الأوروبي الغربي يتذابح على توسيع مستعمراته وواصل ذلك.
كانت هذه الموجة الأوروبية، وهي غالباً في غرب أوروبا، هي الأولى، بينما موجة القومية الثانية هي في منتصف القرن العشرين مجسدة في حركات التحرر الوطني في المستعمرات للتخلص من الاستعمار أو من عسف موجة القومية الأولى. كانت موجة القومية الأولى تعبيراً عن نضج البرجوازية في البلدان الأوروبية لتوحيد السوق القومي بضغط الثورة الصناعية من أجل مصالحها، وهو الأمر الذي خلال وبعد إنجازه تحولت للاستعمار من أجل الأسواق والمواد الخام.
أمّا موجة القومية الثانية فهي تحررية منذ البداية وهي نعم وعي الأمة لوجودها ومصلحتها في التحرر والوحدة. وعليه، فهي قومية مقاومة ودفاعية. والسؤال:
هل تحمل في أحشائها بذور الشوفينية كالحالة الأوروبية؟ نعم. لكن ليس شرطاً أن تمارس ذلك بغض النظر عن الأسباب والمناخ الدولي. وهل يمكن أن تنحرف الطبقة الحاكمة الجديدة حتى عن مصالح الأمة وتتحول إلى وكيل للاستعمار، والإجابة نعم. ومع ذلك يبقى السؤال:
هل هذه الاحتمالات السلبية كافية لكي لا تحاول الأمم تحرير نفسها؟ يجادل البعض بأنَّ الأفضل هو القفز على المرحلة القومية إلى الاشتراكية. والإجابة حبذا، شريطة أن لا يكون قفز مثقفين في هواء الكتب.
موجة القومية الثالثة هي الأكثر خطورة. هي هجمة الموجة الأولى ضد الثانية لتجزئة بلدان المحيط من داخلها على أسس اثنية مذهبية طائفية وحتى جهوية جغرافيا بما يحتوي ذلك على تفريغ هذه البلدان والكيانات من سيادتها وحصر السيادة في بلدان المركز. إنها موجة تحالف بين برجوازيات هذه الاثنيات كبرجوازيات كمبرادورية وطفيلية مع رأسمالية المركز من أجل الانفصال وتشكيل دويلات تابعة من الباب إلى المحراب ولأنها هكذا، فهي ستكون رأس حربة ضد الدولة الأم والمنطقة. هذا شأن جنوب السودان وكردستان العراق، وكوسوفو والبوسنة…الخ. ليس دور المركز الرأسمالي هو فقط دعم هذه الدويلات بل التخطيط لتحرك برجوازياتها واحتضانها والضرب والعدوان لصالحها تحت غطاء حق الأمم في تقرير المصير أو تطبيق البند السابع لمجلس الأمن.
إذن أتت هذه الموجة كتصنيع غربي رأسمالي متواكبة مع أو وليدة لتفتيت بلدان المحيط وخاصة التي هي خارج عباءة الإمبريالية نفسها. وبالطبع لاحظنا أن الوطن العربي هو مسرحها الأكثر مباشرة، سواء بتدمير العراق 1991 ومن ثم احتلاله ولاحقاً تدمير سوريا واليمن…الخ.
وفي هذا السياق تقاطعت هذه الموجة، وخاصة في الوطن العربي مع الطور الأشد لظاهرة الدين السياسي. ونقصد بالطور الأشد انتقال أنظمة وقوى الدين السياسي في الوطن العربي من الكمون والتآمر إلى الهجوم المباشر ضد القومية العربية. لقد اتضح أن هذه الموجة هي التمظهر المباشر للفوضى الخلاقة وإعادة صياغة الوطن العربي طبقا لمشروع الشرق الأوسط الجديد كما زعم شمعون بيرس.
الدين السياسي
لا تنحصر إيديولوجيا الدين السياسي للأقوى والأنظمة في الوطن العربي بل هي ظاهرة معولمة. وهي وإن ظهرت بوضوح وهجوم خلال حقبة العولمة، فإنها ترتد زمانياً، لما هو أعمق من العقود الأخيرة.(أنظر لاحقا)
لم تعد تمظهرات هذه الحقبة على الأمة العربية خافية، بل لم يتم إخفاء مغازيها طبقاً لثنائية “الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد”.
وتجليات هذا هي استبدال الثورة المضادة لدور جيوشها المباشر ضد الوطن العربي وخاصة بعد العدوان المكلف على العراق بالجيوش المحلية التي تم الشغل عليها منذ هزيمة 1967 مجسدة في أنظمة وقوى الدين السياسي التي تدير حرب العرب ضد العرب، وهذه الجيوش المحلية مثابة الجيش الأمريكي الثالث على اعتبار ان لأمريكا جيشها من الأمريكيين، وجيشها الثاني هو الكيان/الجيش الصهيوني.
وكان من “ثمرات ” ذلك اشتغال الكثير من انظمة وقوى الدين السياسي لصالح الاستعمار في بلادها ولصالح الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وأخيرا الاستعمار الاستيطاني العثماني باسم الإسلام.
صممت الثورة المضادة بمركزها الغربي الرأسمالي منذ عدة عقود مصطلح “الإسلام السياسي” وتم التقاطه واستخدامه منا دون تنبه لطبقات الخبث والتزييف فيه، جرياً على ما اعتدنا عليه عربا وفي المحيط من التقاط مصطلحات “المعلم الغربي” دون تمحيص بل وبنوع من المفاخرة بالتلمذة الشاطرة في حين أنه مصمَّم للهجوم على دين بعينه وحصره فيه اي في الإسلام لأهداف استعمارية لا دينية حقيقية، أهداف راس المال وبالطبع لتغطية توسعه. فالظاهرة تصنيع غربي جرى ويجري تمظهرها على صعيد عالمي مما يؤكد أن الدين السياسي كإيديولوجيا وظاهرة اجتماعية سياسية تنظيمية لا تنحصر في دين واحد.
من المدهش والمثير للمفارقة أن العالم الحالي وهو يتطور تكنولوجيا وعلمياً، بتسارع هائل وفي نشر المعلومة أيضاً، فإنه عالم يغرق في الحروب والعنصرية والمجاعة والقتل كما لو كان القتل تقديم قرابين للرب.
إن إيديولوجيا الدين السياسي طبعة من الفاشية من جهة، وهي من أخطر الأمراض في العالم المعاصر، ويزاد خطورة في حصره المزيف في دين واحد بعيدا عن الأخريات مع أنه فيها وربما هناك مبتداه! وهنا، اي في حصره في الإسلام يجدر التفريق بين كونه إيديولوجيا وبين توظيفه كظاهرة ومشروع بمعنى أنه مشروع يستهدف الإسلام خاصة ومن وراء الإسلام ، وهذا الأهم، الوطن/الأمة العربية .
تكمن المفارقة في أن أولئك الذين يستهدفون الإسلام هم أنظمة، ومثقفون وأكاديميون ومخابرات هم جميعاً يعتقدون ب ويمارسون نفس هذه الجريمة القذرة. ويبدو أنه في عالم اليوم، فإن توسع الرأسمالية وتعمقها مجتمعيا وعولميا هو توسع على حساب تراجع الوعي الجمعي البشري ، وتراجع الفلسفة عبر ازدهار الدين السياسي على صُعُد الأنظمة، والأحزاب والتيارات.
إن حملة الإعلام البرجوازي الغربي والأكاديميا في هجومها المحدد والمركز ضد الإسلام مستخدمة مصطلح الإسلام السياسي هي حملة خطيرة تؤسس للزعم بأن الصراع في العالم ديني وبالتالي تموه الدوافع الحقيقية لراس المال المعولم الذي يكمن أو يبدو، لا فرق وراء الجرائم التي تمارسها الأنظمة والطبقات الحاكمة المالكة في الغرب ضد البشرية. ولذا، فالغرب الراسمالي هذا أشد خطورة، لأنه الأب المؤسس للدين السياسي قبل أنظمة وقوى الدين السياسي في الوطن العربي والمحيط عامة وربما قبل الصهيونية. وهذا عموما يكشف العلاقة الوطيدة بين راس المال والدين السياسي.
يؤكد حجتنا هذه قيام النظام الدموي في السعودية باسم الإسلام بشن حروب”مقدسة” ضد مسلمين آخرين ويقود في الوقت نفسه ما يسمى “حوار الأديان[4]” ولا يتعرض لنقد ورفض سوى في حالات استشنائية مثل قيام سلطات النمسا مؤخرا بإغلاق المركز السعودي لحوار الأديان في عاصمتها.
إن ظاهرة الدين السياسي في حالة توسع محفوزة ويتم استثمارها سياسيا واقتصاديا تحت غطاء خطاب ديني وثقافي. إن مبتدأ هذه الظاهرة هو أقدم من اليوم الحالي، فعلى الأقل منذ عصر الإقطاع الأوروبي حيث جرى غزو المشرق العربي تحت غطاء حماية قبر السيد المسيح! ومن يدري فيما إذا كان القبر هناك في القدس؟ كانت حملات الفرنجة غزو لاحتلال المشرق العربي والاستيطان الدولاني فيه، كان المغزى من وراء تلك الموجات الهائلة من الغزاة المتوحشين هو إستلحام الحكام الأوروبيين للتخلص من فائض الأمراء هناك الذين لم يرثوا إقطاعات ويبحثون عن إقطاعات لأنفسهم واستلحام الملوك للتخلص من الفائض البشري حينها [5]. وقد تم لاحقاً تصريف هذا الفائض إلى الأمريكيتين من جهة، كما اعتنى القس مالثوس (1766-1834) لاحقاً بالدعوة للحروب والأمراض للتخلص من الفائض البشري الناجم عن النمو السكاني مما توَّجه كمؤسس للدين السياسي بوحشية مبكرة وباسم الدين. ولا شك أنه كان يعلم بأن وقود الحروب والأمراض هم الفقراء مما يجعله ايضا ربما الأب المؤسس لكل من الدين السياسي وتوظيف نفسه كمثقف عضوي لراس المال تحت غطاء ديني. كيف لا، وساسة ومفكروا رأس المال اليوم يدعون إلى تقليص عدد البشر في بلدان المحيط قلقين من تحسن مستوى المعيشة والوعي الصحي تحت اختراع فزاعة كفاية الأرض ومواردها. ويقف على رأس هذا التيار الإجرامي وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كيسنجر.
إن العلاقة العميقة الجارية اليوم بين الأنظمة الراسمالية الغربية، وخاصة في الولايات المتحدة والحكام العرب ذوي ميول الدين السياسي والقيادات العليا لتيارات الدين السياسي الإرهابية تقع ضمن نفس هذا التوجه لا سيما بممارساتها الإبادية حيث اصبح مجرد وجود شعب عربي هو هدفا لها. إن قيادات قوى الدين السياسي في الوطن العربي لها لحية تتجه بها إلى توابعها وقبعة غربية ترتبط بها مع أنظمة حكم ومخابرات الغرب الرأسمالي والصهيونية. لعلها اللغة عربية والتفكير طبقاً لتوجيهات الأعداء.
الدين الإسلامي السياسي ليس إسلامياً في اساسه
محاججتنا هنا بأن مختلف الأديان تناقض بعضها بعضا، ولذا، ليست هذه الورقة من أجل البحث التاريخي في أصل وتطور الدين السياسي، ولكن من أجل مناقشة بعض تأثير وتمظهرات الأفكار الجديدة لهذه الظاهرة الإجرامية. إن أكثر الأثر خطورة لهذه الإيديولوجيا هي المترافقة مع حقبة العولمة الجارية حيث كشفت واثبتت ذلك التحالف والتعالق بين الراسمالية وخاصة في فترات أزماتها، وبين الإرهاب. ففي العصر الحالي، تقوم الثورة المضادة في حقبة سياسات العولمة بالاستثمار في تناقض الأديان مُخضعة الأديان أكثر لراس المال، حيث كانت منظمة القاعدة الإرهابية من توليداتها ضد النظام التقدمي في افغانستان زاعمة بأن الدين السياسي هو وحده الإسلام الحقيقي. وبتوليد القاعدة تم فتح باب العنصرية الطائفية الدموي عالميا على مصراعيه ولكن مسرح الذبح كان الوطن العربي خاصة.
ورغم أن أنظمة الدين السياسي في الوطن العربي تلعب دورا مباشراً في هذه الجريمة الموسعة فإن المكونات الأخرى للثورة المضادة تلعب دور الوجه المزدوج تجاه هذه الظاهرة. فمن جهة يزعم حكام الغرب الرأسمالي بأنهم يقاتلون إرهاب قوى الدين السياسي الإسلامي، ومن جهة ثانية، فإن نفس قوى الثورة المضادة هذه تدعم وتحمي وتستثمر في الأنظمة العربية المذكورة التي تجند وتمول وتدرب الإرهابيين وتدفع اثمان ما توفره قيادة الثورة المضادة للإهابيين الإسلاميين من أسلحة وخدمات لوجستية.
قادت هذه التطورات إلى وجوب البحث فيما إذا كان الدين السياسي إسلامي أم معولم؟ إنه معولم لا شك.
وفي حين أن المراجع المدرسية وخطاب الكنائس تمدح مارتن لوثر كمصلح، يمكن للبعض ان يعتبره عدوا للإنسانية وخادم مبكر للاستغلال الراسمالي والعنصرية. فخلال تبلور الرأسمالية التجارية، فإن مارتن لوثر (1483-1546) قد أبدى اهتماما عاليا وحماسة وإغواء دينيا خلال الصراع بين الكاثوليكية والبروتستانتية متحيزاً لليهود كي يستوطنوا فلسطين. ومن هنا يمكننا تتبع العلاقة بين الإنجليكانية واليهودية والتي تبلورت في قرار حكومة ملكة بريطانيا بمنح الحركة الصهيونية وعد بلفور 1917 ومواصلة بناء وحماية ودعم بريطانيا للكيان الصهيوني في اغتصاب فلسطين و حتى حينه.
لعل ما حفز بريطانيا على دعم اليهود باكراً في أعقاب انتصار بريطانيا التجارية البروتستانتية مع نهاية القرن السابع عشر، 1688 ضد الكاثوليكية الإسبانية والبرتغالية هم اليهود الذين هاجروا إلى بريطانيا لا سيما أنهم الذين أقاموا المصرف الأول في منافستها هولندا [6]
يمكننا اعتبار مارتن لوثر السلف الحقيقي لهيجل ولليسار الهيجلي الذي انتهى إلى المركزانية الأوروبية والدين السياسي. فقد حشر هيجل التاريخ ضمن حدود الحداثة الأوروبية أو في تاريخ أوروبا حيث بدأ وانحصر عنصريا في الأرض هناك. كان هيجل ومن ثم ماكس فيبر أول من استخدم تراث اليهو-سيحية بهدف وضع قاعدة توحيد ودمج العقل الحديث والروح، وبشرط استثناء الإسلام، وهذا يمكننا اعتباره مثابة تأسيس مبكر للمحافظية الجديدة.
فبإسم المسيحية، إدعى المستوطنون البيض في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة بان تلكم المستوطنتين هما استمرار جغرافي لأرض الميعاد[7]، مُنحت لهم من الله وبانهم تطبيقاً لإرادة الله قاموا بذبح “البرابرة” سكان تلكم الأراضي الأصليين. لقد ولَّد كل من رسملة وغربنة المسيحية أعتى أشكال مذاهب الدين السياسي وهي اليهو-سيحية وفي المستوى السياسي المحافظية الجديدة [8] فاليهو-سيحية هي حاضنة وفراخة الكيان الصهيوني الإشكنازي[9].، فهي التي تزعم بأن الله قد منح فلسطين لليهود كما لو كان الله مالكاً عقارياً. هذا خطاب حلول البشر محل الله وباسم الإيمان العميق! واستكمالا لتنفيذ الوعد الإلهي يتم في فلسطين المحتلة حرق الحقول وقطع اشجارالزيتون ومتعة القتل[10].
ماركسية اليهود الصهاينة مختلفة وحتى غربية!
وفي حين أن الإيديولوجيا الصهيونية (انظر لاحقا) تفبرك وتدمج العلمانية بالدين، فإن الماركسيين اليهود يفبركون الماركسية في خدمة اليهودية. جادل بير بوروشوف (1881-1917) عام 1937 [11]بأن: ” كل أمة تختزن نظاما اجتماعيا على شكل هرم قاعدته عريضة مكونة من الفلاحين والعمال وشرائح من الأطباء والمحامين، والمثقفين والإداريين في القمة. ولكن اليهودية فريدة لكون مثلثها مشوهاً (نظرية المثلث المقلوب) حيث قاعدته من الفلاحين والبروليتاريا والتي تخدم القمة الواسعة من المؤهلين هي قاعدة ضيقة. لذا جادل بوروشوف بأن اليهودية لن تكون إشتراكية إذا لم تتبرتل. فالصفة المحددة للطبقة العاملة اليهودية في كونها صغيرة الحجم، وإن مشاركتها هي في التجارة والتوزيع وليس في قاعدة الإنتاج الصناعي. وهذه الخاصية نتاج الدور التاريخي الخاص لليهودية كأمة التي ليس لها وطنا[12]. يجادل بوروشوف بالطبع من مدخل صهيو-بروليتاري. ولا شك بأنه افتئات على البروليتاريا بأن تُدمج أو تُدحش في الصهيونية. إنها وقاحة غريبة. فالبروليتاريا من منظور ماركسي هي طبقة اشتراكية ثورية ولا يوجد أي مشترك لهذه الطبقة مع حركة استعمارية استيطانية، اي الصهيونية. فالاستعمار الاستيطاني هو إرهاب بطبيعته وحيث تم تحريكه على يد راس المال باتجاه الشرق، فقد تحول إلى مشروع إرهابي”.
إن أفكار بوروشوف إجرامية وبلا معنى حيث يعترف بأن اليهودية هي بلا وطن ولذا يجب أن تحتل وطن آخرين ليصبح لها وطناً. وفي الحقيقة، فإن عدم وجود وطن لأية جماعة يعني أنها ليست أمة، وبأن الدين وهو جزء من الثقافة ليس عاملاً أساسياً في تكوين أمة. ورغم كل هذا، فإن الصهيوني اليهودي “الماركسي” بوروشوف يطالب العالم بقبول الحالة الهشة والمشوهة لليهود بأن يقبل أطروحته هو المنادية بإعطاء اليهود باسم الدين “حق” انتزاع أرض شعب حقيقي وأمة حقيقية وذلك لمجرد كونهم يهودا ولكي يتحول اليهود إلى امة عادية قادرة على إنجاب بروليتاريا كي يتم قلب مثلثها ليقف على قاعدته! فهو يبرر وينادي بارتكاب كافة هذه الجرائم والتحريفات وذلك فقط من أجل تسهيل تحول اليهود إلى “شعب” عادي. فهل يستحق الأمر كل هذه التضحيات؟ هنا يمكننا إلتقاط أشد أنماط التفكير الإرهابي خطورة والتباساً وخاصة أنها تتراكب على الدين السياسي. لم يخبرنا بوروشوف بالطبع :ماذا سيحصل للبشرية إذا لم يصبح اليهود إشتراكيين؟
“إسرائيل” هي أكثردولة دين سياسي في العصر الحديث
تزعم ماكينة الإعلام، والأكاديميا والسياسة الغربية بأن إيران هي دولة دين سياسي، متغاضين بوعي عن أن الكيان الصهيوني هو أول كيان دين سياسي حتى قبيل اغتصابه لفلسطين وطرد شعبها من وطنه.
إن مفارقة الغرب هي في مساومته للكيان الصهيوني الإشكنازي الذي يُعلن بأن دولته هي لليهود حصراً بينما لم تعلن إيران ابدا بأنها دولة لدين واحد أو عرق واحد، حيث تسمي نفسها الجمهورية الإسلامية الإيرانية.وفي الحقيقة، فإن الصهيونية قد نجحت في فبركة تزاوج ما بين الأسطورة والتاريخ على الرغم من حقيقة أن كليهما يناقضان وينفيان بعضهما بعضا. وفي الحقيقة، فإن أكذوبة الصهيونية تدعي بأن الكيان الصهيوني الإشكنازي الذي تم تجميعه من قرابة مئة أمة من أربعة أرجاء الأرض هو إمتداد مباشر للمملكة العبرية القديمة وبأن اليهود البيض هم أحفاد من سلالة العبريين القدامى منذ ثلاثة آلاف سنة!ولكن بالمقابل، هناك الكثير وفي تزايد الدراسات العلمية الإركيولوجية التي تبين بأنه لم تكن هناك أبدا مملكة يهودية في فلسطين وإنما في اليمن والحجاز.
وبعيدا عن الإنشغال في العلاقة بين اليهود الجدد ويهود العالم، فإن الكذبة الصهيونية الكبرى قد ابتدأت وتزعم أنها إيديولوجيا علمانية لأن مؤسسها ثيودورر هرتسل وزعيمها السياسي الأبرز ديفيد بن غوريون، بينما يعلن الكيان الصهيوني الإشكنازي أنه دولة استشنائية ومحصورة لليهود! لا يتردد الكيان في عقد المساومة والتوافق بين العلمانية الصهيونية والدين. وليس ذلك فقط باسم الدولة “دولة اليهود”، ولكن بشكل عملي منذ سنواتها الأولى.
لم يتردد بن غوريون ” حينما حاول عمال شركة روتنبرغ للكهرباء في حيفاالقيام بالإضراب ، في قمعهم ما أدى فعليًا إلى القضاء على خطر الإيديولوجيات المنافسة، أما الإستقلال الذاتي للتعليم الديني ، على الرغم من ذلك ، فبقي على حاله” [13].
وفي حين أثبتت التجربة أن لا فارق حقيقي بين سياسات اليسار واليمين في الكيان الصهيوني، وخاصة من منطلق أنه كيان راسمالي استيطاني بنظام سياسي عنصري، يبقى بوسع المرء ان يلتقط نقطتين هامتين:
أحد الأمثلة الحديثة على التناقضات الداخلية في الكيان الصهيوني الإشكنازي هو خطاب الوزير اللبرالي الأكاديمي السابق في ذلك الكيان أمنون روبنشتاين الذي علق على الإنتخابات أل 21 للكنيست الصهيوني عام 2019 بأن:
“… إن المجتمع الإسرائيلي يتحول بشكل متواصل بعيدا عن الصهيونية العلمانية باتجاه اليهودية الدينية”، ولكن لأن روبنشتاين متمسك ومرتبط بالعنصرية فقد نسب فشل “اليسار” إلى الزعم بأن الفلسطينيين يساهمون في فشل “اليسار” [14]، بينما في الحقيقة، فإن على العرب أن لا يشاركوا في ديمقراطية عدوهم المجوفة. يجب أن لا يصوتوا ليسار مزيف، وعليهم أن لا يشاركوا في التصويت في برلمان النظام الاستعماري الاستيطاني الذي يحتل وطنهم.
داعش/الكيان تحالف مخفي… لا غرابة
هناك الكثير من السمات المشتركة بين الكيان وبين منظمة/دولة داعش “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الإرهابية. فكليهما يقوم على وينطلق من الدين السياسي مدعوما من الثورة المضادة. كلاهما يستهدف بشكل خاص الأمة نفسها، العربية. والدولتان كلتيهما تتشابهان من حيث كونهما محفوزتين بفهم خاص ومختلف للدين. إن ذخيرتهما البشرية يجب ان تكون من دين محدد، أولاهما من اليهود والآخرى من المسلمين. وبالرغم من حقيقة أن عليهما أن تكونا متناقضتين سواء بسبب:
إلا أنهما في حالة مصالحة ومساكنة!
الدين السياسي ظاهرة معولمة
ان مختلف الديانات الإبراهيمية حاضنات للسياسة، ولكن ليس كل المؤمنين هم نشطاء سياسيين او موجهين سياسيا بواسطة الدين. ويصح الأمر نفسه على الأديان غير الإبراهيمية. ما نقصده هو أن الدين السياسي قد أصبح ظاهرة عريضة ومعروفة، فهي موجودة في العديد من المجتمعات حتى قبيل العولمة، وتفصيل هذا خارج إطار هذه الورقة.
إن أكثر اتجاهات الدين السياسي وأكبرها حجما وجريمة وخطورة هي المحافظية الجديدة في الولايات المتحدة الأمريكية لأنها شديدة الأدلجة وتمسك بالسلطة في بلد هو الأقوى في العالم والأكثر ارتكابا للجرائم والعدوان الاستعماري وخاصة في العقود الأخيرة، فعلى سبيل المثال، فإن حقبة العولمة عموما والفترة التي أصبحت فيها اللبرالية الجديدة هي السياسة الاقتصادية الاجتماعية في ذلك البلد العدواني مع الأخذ بالاعتبار أنها وصلت السلطة مجدداً في فترة تأزم الاقتصاد منذ عام 2007 الأمر الذي بسبب حدة الأزمة الاقتصادية دفع المحافظين الجدد لتوجه تسييس أكثر للدين وإلى الشوفينية.
لقد نبه العامل الإيديولوجي وقاد إلى ادماج خطير بين المسيحية الغربية واليهودية من جهة، وإلى زيادةاستخدام هذه الإيديولوجيا ضد البشرية مع وجوب تحديد هدف خاص وهو الأمة العربية وذلك في خدمة مكشوفة للكيان الصهيوني من جهة، ومن أجل مواصلة تعميق وتوطيد سيطرتها على النفط لصالح هيمنة الولايات المتحدة ووضع اليد على موارد العالم الاقتصادية من أجل تطويعها والحفاظ على الدولار كعملة عالمية.
هنا يتجلى إخضاع واحتلال الدين لصالح الرأسمالية وخاصة في حقبة راس المال الإحتكاري حيث مقاديرا مالية هائلة في يد فئة محدودة من الناس. للقد أحدث التحالف اليهو-سيحي اخترقاً هائلاً في بنية الأمة العربية عبر استخدام العديد من الحكام العرب كأداة لهذا الغرض، إلى حد أن ملايين الشباب المسلمين قد تحولوا إلى إرهابيين ضد المجتمعات العربية المسلمة. إن ما يؤكد بأن اليهو-سيحية هي إيديوبوجيا دين سياسي هو كونها ضد الديانة الإبراهيمية الثالثة، اي الإسلام، ! وهو توجه تم التركيز عليه باكراً من قبل هيجل، وهو أكثر الفلاسفة القوميين المثاليين وكذلك ماكس فيبر الذي صنًّع “الأخلاق المسيحية”، وهو المؤمن بالرأسمالية والبيروقراية ضمن مفهوم “حق” الدولة في احتكار القوة والسلطة. اذا ما اخذنا بالاعتبار ان هيجل نفسه كان عنصرياً، سوف نستنتج بانه كان محفوزا بايديولوجيا عنصرية اكثر مما هو بالدين والذي يقوده بشكل واضح ليتحول إلى مُنظِّر لمصالح الدولة الرأسمالية البرجوازية لصالح عرقه/قوميته ونظامها.
والسؤال الذي يبرز هنا: من الذي يقود الاخر، هل هو الدين أو حتى الطائفة الدينية أو الراسمالية؟ إذا كان الدين، فالمفترض تناقض المسيحية واليهودية بناء على خلاف الإديان وانسجاما مع تكاره الأديان الثلاثة في وضعية الدين السياسي. يمكن للمرء أن يحاجج بأن العدو الحقيقي هو المركزانية الأوروبية، التي هي إلى حد واسع يمينية. ولكن لا بد من توضيح هذا، مثلا، فألمانيا المسيحية حليفة وعدو في الوقت نفسه للكيان الصهيوني الإشكنازي/اليهودي، ولكنها ضد الإسلام بشكل مطلق. والأمر نفسه بالنسبة لفرنسا الكاثوليكية تجاه الإسلام. ولا تزال ألمانيا تزعم بعد النازية أنها تشعر بالذنب تجاه جريمتها ضد اليهود بينما تدعم جريمة الكيان الصهيوني/اليهود ضد الشعب العربي الفلسطيني ، اي تعتذر عن المحرقة المشتدة وتدعم قيام الكيان الصهيوني بالمحرقة الممتدة ضد الشعب العربي الفلسطيني، كما ان فرنسا في قمة داعمي هذا الكيان، وهذا يعني ان البلدين يمارسان بمواقفهما هذه الجريمة ضد الشعب الفلسطيني وكليهما يساهم في الإرهاب المعولم ضد سوريا والذي تقوده الولايات المتحدة والتي تحكمها المحافظية الجديدة. والأمر نفسه فيما يخص بريطانيا، وهي الأم للإيفانجيلية من جهة، والمولد المباشر لكل من المستوطنات الراسمالية البيضاء، الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا أستراليا ونيوزيلندا والكيان الصهيوني بالطبع. كما أن الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإلى حد معين مختلف انظمة الغرب أقامت وتحافظ على علاقات قوية مع الأنظمة الرجعية والتابعة في الوطن العربي ولا سيما الأنظمة الحاكمة في الخليج وجميع هذه النظمة تحمل إيديولوجيا الدين السياسي. فهل هناك أي سبب لهذه العلاقة بل الرعاية سوى وجود المصالح.
ما هو عامل تقاطب هذه البلدان معا لتلعب دور العدو ضد الإسلام على السطح ولكنها جوهريا تستهدف الأمة العربية بشكل عملي؟ لا شك بان وراء هذا مركزانية أوروبية، ولكن حافزها هي مصالح رأس المال. هل يفسر هذا سبب عمالة الحكام العرب”المسلمين جدا” لأعداء الأمة العربية وحتى الإسلام؟ أعني بهذا المصالح المادية، مثلا السلطة وراس المال.
وفي الحقيقة، إنها السلطة، راس المال، والنفاق وخاصة من جانب الغرب، مثلا، كونهم يزعمون أن بلدانهم “جنة” الديمقراطية والمجتمع المدني داخل بلدانهم/مجتمعاتهم، بينما يمارسون وبإصرار، دور وسياسة عدو الإنسانية خارج بلدانهم. إن هذا حقا سلوك مجتمع وحشي لا يخفي وحشيته المظهر واللغة والخطاب.
والسؤال: ما سبب تحالف الحكام العرب مع هؤلاء بما هم أعداء الأمة العربية والدين الإسلامي؟ إن السبب قبل كل شيء لأن هؤلاء الحكام أعداء لأمتهم ولأن الغرب يحميهم من الشعب العربي نفسه.
بدوره فإن الدين السياسي في الولايات المتحدة يحفز وبجند تيارات شوفينية أولاً في أوروبا بما هي مثابة قارة تابعة للولايات المتحدة ، كما هي الحال في بريطانيا، إيطاليا،في غرب أوروبا، والمجر في شرقها.
يقود الدين السياسي مجمل العالم إلى الأسوأ. فالرئيس الجديد في البرازيل جيير بولسينيرو الذي يمثل عنصرية أسلافه المستعمرين الأوروبيين في امريكا الجنوبية ، يشن حربا عنصرية ضد السكان الأصلانيين في بلاده من جهة، وضد اليسار من جهة ثانية، وفي النهاية يخدم الشركات الكبرى لاستغلال بلاده وخاصة الأمريكية منها. وهو يطمح أن يكون نسخة عن دونالد ترامب في الولايات المتحدة.
والأومر نفسه في قارة آىسيا وخاصة في الهند والتي، وللمهزلة، توصف دائما في الأكاديميا البريطانية بأنها أكبر دولة ديمقراطيةفي العالم، وذلك في خطاب لغة لمناكفة الصين الشعبية في فترة ماو تسي تونغ طبعا. في مقابلة مع أروندهاتي روي حيث أوضحت بأن الدين السياسي هناك هو المضمون الحقيقي لراس المال والعنصرية:
“… في إشارة إلى نارندرا مودي رئيس وزراء ولاية غوجارات آنذاك الذي تورط في أعمال الشغب المعادية للمسلمين عام 2002 في تلك الولاية والتي أسفرت عن مقتل 1000 شخص على الأقل … في أعقاب الانتخابات الأخيرة في الهند ، والتي فاز بها حزب مودي بهاراتيا جاناتا (BJP) قدم رسالة وقحة من التفوق الهندوسي ، فقد تم تعيينه لولاية ثانية كرئيس للوزراء وهو أقوى من أي وقت مضى … إنه يَعِد بكلٍّ من القيامة المجيدة للإصلاحات الهندوسية والليبرالية الجديدة. هذه هي فكرة “أمة واحدة ، ودين واحد ، ولغة واحدة” ، وهو شعار إيديولوجية هندوتفا مودي … أخطر جزء من القوميين الهندوس “لغة واحدة ، دين واحد ، أمة واحدة” هنا باسم “الهندية ، الهندوسية ، هندوستا[15]
هذه الكلمات الثلاثة “لغة واحدة، دين واحد، أمة واحدة” تتشابه تماماً مع خطاب الحركة الصهيونية “لغة عبرية، عمل عبري، ودولة عبرية”.
وتقول روي كذلك: “… أولاً، فإن انتخابات 2019 قد سجلت وفاة العلمانية في الهند”.
كما أن الانقلاب الأخير في بوليفيا هو طبعة أخرى لتوسع ظاهرة الدين السياسي حيث يطرح قادة الانقلاب بانهم يعودون إلى الأنجيل، في حين أن الانقلاب هو بتدبير الولايات المتحدة في خدمة الشركات الكبرى كي تنهب ثروات بوليفيا وخاصة الليثيوم[16]
إن الحرب المعولمة التي شتنها قوى الدين السياسي ضد الجمهوريات العربية، العراق، ليبيا، سوريا ، اليمن والجزائر هي ضد العروبة والعلمانية في الوطن العربي. وفي حين أن الدين السياسي يتحول إلى ظاهرة عالمية سوداء، فإنه أشد خطورة في الوطن العربي واكثر اختلافا. ففي مختلف بلدان العالم حيث تتفشى ظاهرة الدين السياسي، إلا أنها قومية التوجه، مخلصة لبلدها، رغم شوفينيتها، فإن قوى الدين السياسي في مختلف بلدان العالم ليست موجهة أو متجهة أو قيد الاستخدام ضد تطور وتماسُك أمة هذه او تلك من قوى الدين السياسي. تمارس الكثير من قوى الدين السياسي في العالم الطقوس والتقاليد الدينية داخل بلدانها، لكنها على الصعيد الخارجي تقوم بدور عدواني خادم لراس المال والشركات الكبرى. وربما يعود عدم قيامها بدور تخريبي داخل بلدانها إلى قناعتها الذاتية بأنها هي نفسها جزء من بُناة تلكم التشكيلات الرأسمالية من جهة، ولأنها تخاف على ذلك المستوى من التطور ولو بالمعنى الصناعي الإنتاجي.
تختلف هذه الظاهرة في الوطن العربي عن العالم باسره حيث أن أنظمة وقوى الدين السياسي هي عدوة للأمة العربية وتحديدا للعروبة من جهة، وتقاتل ضد الدول الجمهوريات العلمانية العربية . إنها تشن حرباً “دينية” حتى ضد وبين المذاهب الإسلامية نفسها، وهي سياسات وممارسات تدفع الوطن العربي إلى الوراء، إلى العصر الحجري.
استعمار استيطاني إسلامي[17]
حتى في الاستيطان تأتي جماعات الدين السياسي الإسلامي متأخرة عن الدين السياسي المسيحي -الغربي طبعاً واليهودي.
كان هدف فرنجة الإقطاع احتلال المشرق العربي وذبح أهله والحلول محلهم[18] تحت شعار إنقاذ قبر السيد المسيح كما أشرنا آنفاً، بينما هم مجموعات من المجرمين يقودهم أمراء يبحثون عن إمارات لم يحصلوا عليها في عصر الإقطاع الأوروبي. كانوا فائضاً بشريا من حيث القيادة والجند. وعليه، كان الاستيطان الأبيض باسم الدين إلى حد كبير فرصة لتفريغ أوروبا من فائض بشري إجرامي ومغامر معاً. ولعل الدليل على مدى كونه فائضاً، فإن انتقال أوروبا الغربية خاصة من الإقطاع إلى الراسمالية لم يُلحق بها حاجة للعمالة الصناعية، ولا تم تقويض الزراعة. وبالطبع تكونت الممالك محل الإقطاعات وكان التأسيس للدولة القومية بالمعنى الفعلي.
لم يخطر ببال أحد أن يتولد عن كارثة “الربيع العربي” أمر خطير ، إلى جانب تدمير الجمهوريات العربية ، هو الاستعمار الاستيطاني لقوى وأنظمة الدين الإسلامي السياسي والقائم على إيديولوجيا الدين السياسي الإسلامي.اي استعمار استيطاني حديث لمسلمين على يد مسلمين. هذا بمعزل عن ارتباط هؤلاء المستعمِرين بالغرب الراسمالي نفسه الذي هو حاضنة كل من:
· كافة اشكال الاستعمار الاستيطاني
· كافة اشكال الحروب والإرهاب واحدثها “الاستشراق الإرهابي[19]” تم استجلاب قرابة 200 ألف إرهابي إسلامي من مختلف بقاع العالم وزجهم في سوريا عبر بوابات تركيا وبشكل أقل من الأردن ولبنان والعراق. وكان لافتاً أن هؤلاء الإرهابيين قد جُلبوا وجَلبوا معهم اسرهم!
لاحظت ذلك منذ أربع سنوات حينما ورد في الأخبار أن إرهابيين من الشيشان والإيغور وحتى من أقطار عربية ، تونس مثلا، وغيرها تم تجميعهم في منطقة السويداء السورية ومعهم اسرهم فكتبتُ أن هذه ظاهرة استيطانية شبيهة بالكيان الصهيوني من حيث:
كونهم مستوطنين تماماً
تم تجميعهم من عدة قوميات
لا يتكلمون لغة واحدة
لهم عدة ثقافات، أما الدين فجزء من الثقافة
هم في خدمة مشروع ضد سوريا ومن ثم ضد الوطن العربي.
وراء مشروعهم الغرب الإمبريالي وتوابعه عربا وتركاً.
وتوالت الأخبار عن وجود اسر للإرهابيين في عدة أماكن من التي احتلوها من سوريا، وكلما حررت الدولة السورية منطقة مثل الغوطة يتم ترحيل أسر الإرهابيين معهم إلى منطقة أخرى. وأحدث ترحيل هو الذي يتم الآن حيث تقوم القوات الغازية الأمريكية إثر الغزو التركي لشمال سوريا بترحيل الإرهابيين واسرهم من مناطق الشمال السوري التي تحتلها قوات كرد سورية المرتبطين بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني والمحميين من غزاة امريكيين وفرنسيين وبريطانيين.
ما يهمني في هذا السياق هو أن هؤلاء الإرهابيين قد زُرع في روعهم أنهم ذاهبون إلى بلد النصر فيها حتمي وبأنها ستكون قاعدة الإرهاب لقوى الدين السياسي ليكون دورها تدمير الوطن العربي باسره. وهذا هدف لا يختلف قطعاً عن دور الكيان الصهيوني. ولم يكن الاختلاف سوى في خطأ الحسابات بمعنى أن الدولة السورية صمدت وأفشلت هي وحلفائها واصدقائها هذا المخطط. بيت القصيد هنا هو أن هذه المحاولات الاستيطانية هي استيطان إسلامي معولم ضد شعب مسلم وبلد إسلامي في معظمه.
كانت ظاهرة الاستيطان الإسلامي التركي المجدد ، الذي هو استيطان قومي وغطائه ديني، إثر اقتطاع الاستعمار الفرنسي لجزء من سوريا عام 1934 وضمه إلى تركيا التي مارست أول استيطان إسلامي في بلد إسلامي.
واليوم، لا يمكن النظر إلى الغزو التركي إلى شمال سوريا والحديث عن “توطين” سوريين في الشمال السوري ليكونوا “منطقة عازلة” بين كرد سوريا وبين كرد تركيا بزعم حماية تركيا لأرضها وهي ارض كردية اساساً، هو حديث خبيث. فلا يمكن للسوريين عربا وكرداً أن يكونوا منطقة عازلة في وطنهم لصالح دولة أخرى وهي عدوة عملياً. وهذا يعني أن تركيا، إذا نجح مخططها الغازي، فإنها سوف تجلب مستوطنين تركا مسلمين للاستيطان في شمال سوريا ولاحقاً العراق. وهذا يطرح السؤال مجدداً تجاه مزاعم وجود “أمة الإسلام”! الأمر الذي يجب أن يجيب عليه دُعاة هذه المزاعم بتنوعاتهم:
مزاعم قوى الدين السياسي السنية أي الإخوان المسلمين وحزب التحرير
ومزاعم الجمهورية الإسلامية ألإيرانية وقنوات الفضاء التي تحركها انظمة الدين السياسي.
ولهذا حديث آخر.
وبعد:
كانت هذه الورقة لمجرد فتح باب النقاش حول مآلات الوضع العربي الجاري ليكون التفكير في آليات تجاوز هذه المآلات. وبقول آخر، كان المغزى حفز التفكير في آليات استعادة العروبة لمبناها ودورها وذلك كتحدٍ للقوى العروبية بتنوعاتها في أن تستعيد الشارع العربي من ايدي الثورة المضادة وخاصة أنظمة وقوى الدين السياسي.
_____
* ستقوم الجمعية الفلسفية الأردنية بنشر كافة الأوراق التي قُدمت إلى المؤتمر الفلسفي العربي وطباعتها في كتاب.
[1] See Adel Samara Beyond De-Linking: Development by Popular Protection vs Development by State, 2005. Palestine Research and Publishing Foundation, P.O.Box 5025, Glendale, CA 91221, USA. ومركز المشرق/العامل رام الله 2005
[2] أنظر عادل سمارة، البريسترويكا، حرب الخليج والعلاقات العربية السوفييتية. منشورات مركز إحياء التراث-الطيبة الأرض المحتلة 1948،صدر 1991
[3] قد يوضح هذه العلاقة بيت الشعر التالي: “عُلِّقتُها عَرَضاً وعُلِّقت رجلاً…غيري وعُلِّق أٌخرى ذلك الرجلُ”
[4] مع إنهاء هذه الورقة/منتصف تشرين ثاني 2019، يُعقد في الأردن مؤتمر لحوار الأديان!
[5] ما الفارق بين إقامة كيانات المستوطنين الفرنجة في المشرق العربي/استعمار استيطاني مسيحي، وبين إقامة الكيان الصهيوني/استعمار استيطاني يهودي وبين اغتصاب تركيا للواء الإسكندرون، وبين تدفق الإرهابيين من قوى الدين السياسي كمسلمين إلى سوريا مع نسائهم وأولادهم ليقيموا دولة باسم الإسلام/استعمار استيطاني إسلامي.؟
[6] See Mohamed Weld Elmai, The non Jewish Origin of Zionism, published in The Arab World Geographer, Vol 5, No 1 (2002) pp 34-52, Translated in Kanaan, no 113, April 2003, pp. 29-60, and Terrorist Orientalism in a State Form. Using Marxism, Christianity and Islam to Dismantle Arab Homeland, by Adel Samara, Kana’an e-Bulletin, Volume XV – Issues 3781- 3782, 24 March 2015.
[7] This is coping of the Jewish myth that God promise them to occupy Palestine.
[8] أنظر عادل سمارة، ظلال يهو-صهيو ترتسكية في المحافظية الجديدة، منشورات مركز المشرق العامل للدراسات الثقافية والتنموية-رام الله 2014.
[9] Weld Elmai, ibid,
[10] https://l.facebook.com/l.php?u=https%3A%2F%2Fwww.middleeasteye.net%2Fnews%2Fburning-country-israeli-settlers-torch-palestinian-fields-over-eid-holiday&h=AT08_JdRDExHZBr2chaXb8sbgOpyq5cefQB8cSpEYlw3Ma4vTBVy-8ks4nATBDswCq5tEXzTBA5Zt9y_g4Q9rnqOFz2bhBjrEcYqxIuu7Rv3L54lB7jA1JM-SfK-qKxvNolR
[11] Borochov Ber, Nationalism, and the Class Struggle: a Marxian Approach to the Jewish Problem (New York, 1937).
[12] Terner, Brian, Marx and the End of Orientalism, Arabic, Arabic Research association, Beirut, 1981, p.11.
[13] The Global Political Economy of Israel, Jonathan Nitzan & Shimshon Bichler, Pluto Press, 2002:104.
[14] See the Hebrew Newspaper Kool Hazman, 24 April 2019.
[15] https://newrepublic.com/article/154011/arundhati-roy-indias-elections-a-mockery-democracy-supposed-be
[16] CounterPunch.org – https://www.counterpunch.org – After Evo, the Lithium Question Looms Large in Bolivia Posted By Vijay Prashad On November 13, 2019
[17] أنظر مقالة عادل سمارة:” استعمار استيطاني إسلامي سياسي معولم”، في “كنعان” النشرة الإلكترونية، السنة التاسعة عشر – العدد 5171، 18 تشرين الأول (أكتوبر) 2019.
[18] يمكننا اعتبار الغزوات الاستعمارية الأوروبية منذ بدء المرحلة الراسمالية وحتى اليوم بما في ذلك غزوات قوى الدين السياسي الإرهابية ضد الوطن العربي محاولات أوروبية جديدة لتنجز أوروبا راس المال ما عجزت عنه أوروبا الإقطاع عبر غزوات الفرنجة.
[19] Terrorist Orientalism in a State For: Using Marxism, Christianity and Islam to Dismantle Arab Homeland. Adel Samar, Kana’an – The e-Bulletin, Volume XV – Issues 3781- 3782. 24 March 2015.
نشرة كنعان