تحاليل و تقارير ساخنه

التطبيع: المحاكمة الأولى في الأرض المحتلة مجالا ونوعاً (الحلقة الأولى)

تحقيق هاني البرغوثي

مدير و محرر موقع نبض الوعي العربي

الدكتور عادل سماره

حينما تكون محاكمة غريبة و لأول مرة في أرض فلسطين العربية المحتلة ، و المدعى عليه يحمل قضية فلسطين منذ نعومة أظفاره،دفع ثمن أفكاره و قوميته و مقاومة المحتل أن يقضي سنوات من عمره خلف قضبان السجون في الأردن قبيل احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة 1967، وسجون الاحتلال الصهيوني وحتى سجون السلطة في رام الله، و محاربته بأقل حقوقه في الوظيفة و اكتساب العيش من وظيفة ما يزرع لمن يجلسون على مقاعد تحصيل العلم فيحصدون نور العلم وحب الوطن حتى تحرير الوطن،انه الدكتور عادل سمارة في فلسطين الوطن الجريح ويجتهد أن يضمد هذا الجرح حتى الشفاء الكامل،و ذلك بتحرير فلسطين من المحتل ،يقاوم بسنان يراعه و مداد حبره الشريف التطبيع ،له مؤلفات عديده في نور المقاومة و ازالة الستار عن التطبيع و المطبعين.

كان لا بد لنا في “موقع نبض الوعي العربي” ان نتواصل مع الدكتور عادل سمارة حتى نستطيع توضيح كل ما في هذه المحاكمة لقراء الموقع و الأخوات و الأخوة الشرفاء المقاومين من الكتاب و السياسيين الذين يرفعون راية محاربة التطبيع .

سألت د. سمارة ما هي ملابسات دورك في المسألة؟ وقد كتب لي ما يلي:

” بداية، اشكرك على الإهتمام، وجوهر القضية هي الدعوة لدولة مع المستوطنين! وهذا يذكرني بمحاولات جميع من يتزلفون للعدو بالذهاب إلى حل “الدولة الواحدة” وهو ما أسميه “الاستقواء بالضعف” اي الارتماء تحت أقدام عدو يعتبر الكيان دولة يهودية نقية وفقط، وهؤلاء منذ بداية جلسات المحاكمة يوم 30 حزيران 2016 حاولوا تغطية الكيدية السياسية للمحكمة بما أن القضية هي التطبيع زاعمين سراً دون أن يواجهوني بأن القضية خلاف بين رجل وإمرأة! وهذا تشويه معيب يكشف بأن وهمهم بدولة واحدة هم انفسهم على قناعة بتهافُته. مسيرة المحكمة وصبرنا كشف كل شيء.

أوَّل علمي بالصرخة كان أن أرسل لي صديق فلسطيني في لبنان هو محمد العبد الله الرفاعي ، وهذا إيميله إن اردت الكتابة إليه. Alabdallah alrifai1947@gmail.com أرسل لي محمد نص وثيقة بعنوان “نداء وصرخة من الأعماق” وهي مصاغة بخطاب ماركسي، تبين لاحقا أن كاتبها هو د. صبري إمسلم من قرية خاراس قرب الخليل، وهو شيوعي سابق ومحسوب في المجلس الوطني الفلسطيني على الجبهة الشعبية. كان سابقا في الجزائر. بالمناسبة قبل الصرخة بثلاثة أعوام جاء زارني وطلب مني مساعدة أكاديمية لإبنه في الجزائر وفعلت.

وبالمناسبة ايضا بعد افتضاح الصرخة وهي منشورة كورقة وثيقة يتبناها ويروج لها تجمع مركزه في لبنان واسمه “التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة” ويرأسه المشبوه د. يحي غدار، وقد نُشرت في 15 ايار 2015، باسم الرفيق أبو احمد فؤاد نائب الأمين العام للجبهة الشعبية وفي موقع “العالمية”الإيراني وبعد الفضيحة جرى شطبها وأصدرت الجبهة بيانا تنفي علاقتها بالصرخة. وبعد الفضيحة ايضا ارسل لي صبري إمسلم رسالة شفهية مع إبن أخيه لإبني يزن يقول: أنا الآن عجوزا، وأريد أن اقضي بقية عمري مرتاح في خاراس”! عجيب! ولماذا تهي عمرك بوثيقة مشبوهة!!! طبعا، هو طُردبعد الفضيحة من اجتماع المؤتمر القومي العربي في بيروت على يد الرفيق د. عصام السعدي هو والمدعية حيث فضحهما د. عصام وذلك في شهادة د. عصام.

قال لي الصديق محمد عبد الله: “بدي رايك في هالوثيقة الملتبسة قرأتها 3 مرات حتى فهمتها”. قرأت الوثيقة ودهشت أنها تقوم على الطلب بدولة مع المستوطنين. وبالمناسبة كان ذلك في فترة حرق المستوطنين للطفل محمد ابو خضير، وعائلة دوابشة! كتبت له رايي.

قبل أن أُطلب للتحقيق عند مباحث السلطة يوم 29 حزيران 2016 بسنة أو أكثر جائني صديق من الخليل وقال لي إن عزمي بشارة يرتب لك مشكلة. وقد تبين لي لاحقا علاقة بين المدعية وعزمي وشخص آخر هو أحمد اشقر من بلدة إكسال في المحتل 1948 الذي كان يعيش في موشاف مزراع مع المستوطنين وشخص رابع لا أريد ذكر اسمه هو كان منسفهم في عمان.

قبل أن أُطلب للتحقيق اتصل بي شخص اسمه محمد وليد وقال لي اريد اللقاء معك. قلت من أنت قال انا من أمن جامعة بير زيت. قلت أمن وقائي؟ قال لا، أمن الجامعة (وكل هذا في إفادتي في المحكمة).قلت لماذا تريد لقائي قال ساخبرك. جاء إلى مكتبتي في القرية “اسميها القرمطية” هو وآخر اسمه محمد جميل وقالا لي أن المدعية وضعت قضية ضدك عند السلطة. قلت وما شأنكما في ذلك؟ قالا لأننا نريد ان نعرف عنها فهي ترسل اشخاصا للخارج ويتم التحقيق معهم حين يعودوا. قلت هي غير مريحة.

بعد جلسة المحكمة الأولى 30 حزيران 2016، كتب لي محمد جميل على الفيس (وهذا موثق) : دكتور “بدي اقعد معك للضرورة” والتقينا في مكتب كنعان، اعتقد يوم 9 تموز 2016، وقال لي أن المدعية طلبت منه ان يتصل بها هاتفيا ويهددها على أنه عادل سمارة. قلت له وهل ستشهد في المحكمة ؟ قال نعم. قلت ولكن لماذا تتعب نفسك من أجلي؟ قال انت كاتب ومناضل…الخ. قلت له، أنا لا يوجد عندي ما أقدمه لك سوى أن اساعدك بأن تسجل في جامعة بير زيت للماجستير اساعدك اكاديميا، دون أن يعرف من سيشرف عليك لأن الجامعات ترفض تشغيلي وأنا كثيرا ما اشرف على طلبة ماجستير ودكتوراة دون أن يعرف من يشرفون عليهم، وأعطيته هاتف د. سوسن مروة في الجامعة واتصل بها (كما كتب لي) وبعدها لم يذهب واختفى وحين عاودت الاتصال به رفض ان يشهد! ومنذ 3 جلسات للمحكمة محمد وليد ومحمد جميل مطلوبين للشهادة ويتغيبان!” كما سيطلب محاميان الدفاع الأستاذ مهند كراجة والأستاذ ظافر صعايدة، السماع لفيديو شهادة د. ربحي حلوم الذي كتب البيان ضد الصرخة والذي ارتكزت عليه المدعية بأنني كتبته واهاجمها، وهذا غير صحيح حيث أنني وافقت على البيان ووقعت عليه. فيديو د. حلوم يشرح كل شيء.

إلى هنا ينتهي حديث د. سمارة. وسيقوم “موقع نبض الوعي العربي” بنشر الصرخة المذكورة وما يتعلق بالقضية على حلقات.

 

 

صرخة وطنية ونداء من الاعماق

 

  • التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة
    التجمع العربي والإسلامي لدعم خيار المقاومة

    لا للتسول على ابواب المحتلين استجداء للفتات من حقوقنا المشروعة المؤدي لانقسامنا واقتتالنا الدموي.

 

  • نعم للكفاح الوطني العادل المنتزع لحقوقنا المشروعة الموحد لكل طاقات شعبنا الحية.

 

  • نداء نابع من اعماق التاريخ المجيد لشعبنا الفلسطيني وامتنا العربية.

 

  • نداء من وحي ارواح القادة العظام الذين قادوا وانتصروا في معارك الامة الفاصلة في التاريخ ضد الغزوات الاجنبية الهمجية على ارض حطين وعين جالوت واجنادين والقادسية والسويس والجزائر وصولا الى المعارك الجزئية المؤدية الى النصر النهائي القادم التي جرت على ارض الكرامة، ومخيم جنين، وبنت جبيل، وعيتا الشعب، ومارون الراس، وغزة المحرقة.

 

  • نداء نابع من وحي ارواح شهدائنا المعاصرين، وما أكثرهم الذين قتلوا برصاص البرابرة الجدد المستوطنين وحماتهم الإمبرياليين، ممن ارادوا التسامي بشهادتهم وتضحياتهم فوق الدعاية والإشهار فكانوا مجهولين إلا لمن يسير على خطاهم.

 

  • نداء من وحي المخلصين لقناعاتهم، المأسورين وراء قضبان السجان المغتصب لأراضي وطنهم ولحرية شعبهم، والمدمر لبيوتهم والمجرف لأشجار بساتينهم وزرْعِ حقولهم، والحارم اطفالها ونساءها من عطف وحنان ابائهم.

 

  • نداء من وحي الشباب الذين لا يعرفون طعم الراحة في نومهم، الناهضين قبل الفجر ليصطفوا طوابير امام حواجز الاذلال والاحتقار والإهانة لكرامتهم استجداء للعمل الشاق في الاراضي التي انتزعت بالقوة والغدر من ايدي آبائهم وأجدادهم.

 

  • نداء من وحي الذين ضحوا بالغالي والنفيس وقضوا زهرة شبابهم وتشوهت اجزاء من اجسامهم في سجون الاحتلال دفاعاً عن الحقوق وحفاظاً على استمرار شعلة الكفاح التي تتعرض اليوم لمحاولات الاطفاء والدفن تحت الرماد.

 

  • نداء من اعماق مخيمات العائدين الذين يرزحون تحت عسف اجهزة القمع للدول التي يعيشون فيها انتظاراً لتطبيق حق العودة الغير قابل للتصرف به، ولكونه ينبع من حقهم الطبيعي والتاريخي والوضعي في وطنهم الذي صنعته الاجيال السابقة من شعبنا بالدم والعرق على امتداد ستة آلاف عام من وجودها المتواصل على ارض وطنها لذلك فهو عصي على التصرف به لكونه ملك للأجيال اللاحقة من شعبنا التي لم تخول ايا كان للتصرف به نيابة عنها، لكونه كذلك تعبير عن علاقة التلازم الشرطية بين الشعب بأجياله المتتالية ووطنه عبر التاريخ الذي لا ينقطع في حركته إلا لينتقل الى مرحلة اكثر تطوراً.

 

  • نداء من شعبنا الذي انتزعت منه بالعدوان أرضه، وشتت بالإرغام شمله، ويباد اليوم بالحصار والمحارق الجماعية ما تبقى من وجوده على ارض وطنه استكمالاً لتغيبه وزرع المستعمرين المستوطنين العنصريين مكانه، شعبنا هذا الذي شكل تاريخه المعاصر ملحمة ثورية، صبر خلالها على شتى انواع الماسي والمظالم، وقدم كل اشكال التضحيات بما فيها النفس والنفيس، لدرجة باتت نساؤه تزغرد في جنازات ابنائهن الشهداء، وتعد بتقديم المزيد منهم، شعبنا الصامد هذا لن يختفي عن ارض وطنه كما اختفى الذين نتألم لمصيرهم من الهنود الحمر وباقي الشعوب الاصلية في امريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، ومنطقة البحر الكاريبي واستراليا ونيوزلندا وغيرها.

 

  • نداء من وحي الكوادر الوطنية – ولا نقول القيادات – من كل الفصائل والمستقلين تنظيميا المخلصين، الذين التحقوا بالركب الوطني، وجالوا وتجولوا في انحاء العالم واخلصوا لقضية شعبهم وحقه في وطنه، وعندما طلب منهم عادوا الى ارض الوطن اعتقاداً منهم بمواصلة المسيرة التحررية، واذا بهم يفاجئون بضرورة تنسيق عملهم مع قوات الاحتلال، وخضوعهم لإشراف ضباط المخابرات الأمريكية، العدو الأول لمصالح شعبنا وامتنا في التحرر والوحدة القومية، وأخيرا يجدون اليوم انفسهم على قارعة الطريق ليس لذنب اقترفوه سوى كونهم يحملون وعي وارث الجانب المشرق من حركتهم الوطنية التحررية، فاستحقوا بذلك التهميش بل التجويع تحت مسمى التقاعد المبكر الذي هو في جوهره اقصاء عن مواقع الفعل المؤثر على ما يجري في ارض وطنهم.

 

  • نداء من وحي العقول و السواعد الفلسطينية التي قادت ونفذت قذف الحجارة خلال الانتفاضتين الاولى والثانية على جنود الاحتلال الذين لم يكتفوا باستخدام احدث ما يمتلكونه من اسلحة الفتك بالمتظاهرين العزل، بل قاموا بتكسير عظام هؤلاء المتظاهرين بالحجارة امام عدسات تصوير الصحفيين الذين قاموا بعرضها على شاشات الكثير من المحطات الفضائية الاعلامية.

من وحي هؤلاء جميعاً ينطلق هذا النداء متوجها الى عقل واحساس وضمير وشرف كل الشخصيات والكوادر الفلسطينية على اختلاف مشاربهم والذين يعتصر الالم قلوبهم مما آلت اليه التراجعات المجانية امام العدو والتي أدت وما تزال إلى الصراعات الدامية بين القوى الفلسطينية التي من المفترض ان تتحد في مواجهة الاحتلال للتحرر منه.

نتوجه مذكرين بالإطار التاريخي لنشوء وتطور قضيتنا الوطنية المعاصرة، ومبرزين للعناصر التي ما زالت تمارس الفعل والتقرير في المصير الحالي والمستقبلي لهذه القضية التي لم يتغير جوهرها حتى الان بحكم طبيعة المرحلة التاريخية التي تتحرك فيها، وهي مرحلة التحرر الوطني، نقوم بهذا التذكير لاعتقادنا بأن الذكرى تنفع المؤمنين بدينهم وبحقوق شعبهم.

– البيئة الدولية لتجزئة الوطن العربي واستعماره

ففي سياق سياسة اعادة تقسيم العالم من جديد، قامت الدول الاوروبية الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الاولى بتجزئة الوطن العربي الى اقطار منفصلة عن بعضها البعض تحت ادارة حكام محليين تابعين لها، تسهيلاً لاستمرار تلك الاقطار تحت الهيمنة والتبعية، التي تعمقت مع مرور الزمن نتيجة تكون شرائح اجتماعية محلية في كل قطر، قبلت بالفتات الذي يتركه لها اسيادها اعداء الامة والوطن، مشكلة بذلك نواة طبقة الكومبرادور العربي.

– أسباب استعمار فلسطين في شكل استيطان إحلالي

نظراً لموقع فلسطين الاستراتيجي على نقطة تماس قارات العالم القديم الثلاث، آسيا وإفريقيا وأوروبا، ولكونها تصل بين مشرق الوطن العربي ومغربه، ولقربها من الممر الرئيسي – قناة السويس ــ الى مستعمرات الدول الاوروبية في جنوب شرق آسيا، ولظهور بوادر اكتشاف الثروة النفطية في المشرق العربي آنذاك، ولغير ذلك من الأسباب الاستراتيجية الكبيرة قررت تلك الدول اقتطاع قطرنا العربي الفلسطيني وتحويله إلى قاعدة لها في شكل استعمار استطياني إحلالي، اعتقاداً منها بصعوبة إزالته مستقبلاً والذي لم يكن بالإمكان تحقيقه إلا بتفريغه من شعبنا الذي مضى على وجوده فيه قرابة ستة آلاف عام. ومن أجل ذلك قامت عصبة الأمم-  أول أداة دولية مشتركة أنشأتها الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى- بانتداب بريطانيا على فلسطين للقيام بعملية تجميع وتركيب عناصر تلك القاعدة التي تمت فيما بعد باتقان دقيق وفي زمن قياسي وجيز نظراً لمصلحة وخبرة بريطانيا الغنية بشؤون الاستعمار الاستيطاني في مستعمراتها التي لم تكن لتغيب عنها الشمس آنذاك.

الجوهر المخادع لجميع الوعود والحلول الدولية لقضية فلسطين المعاصرة

وخلال قرن من التعامل مع دول الاستعمار الاوروبي القديم ومع الامبريالية الامريكية الراهنة، لدغت امتنا العربية من جحر هذه الدول وما زالت تلدغ باستمرار حتى وقتنا الحاضر. فبدءاً بالوعود التي اعطيت للشريف حسين قبل وخلال الحرب العالمية الاولى ومرورا بالعديد من لجان تقصي الحقائق ومشاريعها لحل الصراع سواءً في عهد الانتداب البريطاني او فيما تلاه وصولاً الى ما يجري اليوم من طرح لمشاريع متعددة ومتتالية للتسوية الموهومة، وما يرافقها من تشكيل لجان واجتماعات يصعب تعدادها، حيث ثبت بالملموس ان الهدف من كل ذلك كان كسب الوقت لخلق حقائق على الارض لصالح الكيان الاستيطاني الذي اصبح اليوم يمتلك اكثر من 90% من اراضي فلسطين بعد ان طرد اكثر من ثلثي شعبها خارجها، وما تبقى منه يقبع تحت السيطرة الكاملة ومقسما الى معازل إثنية ” كانتونات”، في حين تتآكل حركتنا الوطنية المعاصرة بفعل الصراعات بين قابل ورافض لتلك التسويات الوهمية منذ فترة الانتداب، حيث كانت ثنائية الحسيني – النشاشيبي، وبعدها ثنائية الشقيري – عرفات في بداية منظمة التحرير وبعدها ثنائية فتح ـ الجبهة الشعبية وصولاً الى ثنائية  فتح – حماس حالياً.

– ضرورة تحرير عقلنا من الوهم

وبعد الا يكفينا الركض وراء السراب؟ اما آن لنا ان نستفيق؟ ومتى نتوقف عن جعل التناقضات الثانوية رئيسية؟ وكم من الزمن نحتاج الى ان نبدأ بتحمل مسؤولياتنا الوطنية ذات البعد التاريخي، ونتوجه حالاً للخروج من الازمة الوطنية الراهنة والمدمرة؟ كم من الوقت نحتاج الى ان نبدأ بالتخلص من وهم التسويات الخيالية التي ثبت بالملموس عقم المفاوضات بشأنها وعبثية الاستمرار فيها، وأن نقر بحقيقة كوننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني، ولسنا في مرحلة بناء دولة يستحيل بناؤها تحت سيطرة احتلال اقسى انواع النظم الاستعمارية الاستيطانية التي مارست سياسة التمييز والفصل العنصريين، وتفوق بأضعاف المرات قساوة سياسة هتلر النازية ودوكليرك العنصرية في جنوب إفريقيا أولم يثبت بالتجربة الحسية بعد، ان المفاوضات مع الاحتلال منذ مدريد مروراً بأوسلو وواي ريفر وكامب ديفد وطابا والرباعية الدولية وانابوليس لم تجلب لشعبنا سوى المزيد من القتل والدمار والاغتيالات ومصادرة الاراضي وهدم البيوت وتقطيع الاشجار وتجريف البساتين وبناء المستوطنات وجدار الفصل العنصري واقامة مئات الحواجز العسكرية وأبراج المراقبة الفولاذية على مداخل مدننا وقرانا ومخيماتنا الفلسطينية؟ حقا لقد بات من الصعب علينا تفسير استمرار وجود بعض المتنفذين بيننا ممن يتملكهم الوهم وتصاب ذاكرتهم بمرض النسيان وعقولهم بفقدان البصيرة، فيتنكرون لحقائق تاريخنا الحديث والمعاصر والراهن لدرجة باتوا يعتبرون الامبريالية الامريكية والدول الاوروبية – التي رعت انشاء وتمويل وتسليح وحماية المغتصبين لفلسطيننا وتمعن في نهب خيرات امتنا العربية – اطرافا محايدة ونزيهة في الصراع لدرجة سلموا لها بدور القاضي العادل الذي يوثق بأحكامه ويبني عليها مستقبل شعبنا وأمتنا فأي فلسطينيين هؤلاء؟ واي عقول يمتلكون اذ يثقون بوعود من دمر بلاد الرافدين وحولها الى بحر من الدماء يسبح فيه مجموع شعبها، هذا الذي وعده بوش بأنه سيعيش في واحة من الديمقراطية النموذجية لشعوب المنطقة.

فكيف لفلسطيني وطني يمتلك الحس السليم والعقل الرزين بعد هذه التجارب المفحمة أن يثق بوعود هذا السفاح المارق الذي يكذب ليل نهار على شعبه قبل غيره؟ وهل تختلف وعوده لنا عن وعود من سبقوه من المستعمرين امثال ماكماهون، سايكس بيكو، بلفور.. وغيرهم كثيرين؟؟ الم يحن الوقت بعد لطرد الوهم من العقول ونفض الغبار عن العيون والتوقف عن هدر زمن حركتنا التحررية؟؟ والى متى يبقى الوعي المزيف الذي يغيب عن عقلنا حقيقة الترابط العضوي بين قوى الهيمنة الامبريالية والكيان الاستيطاني العنصري باعتبار الثاني اداة للأول؟ الا يتجسد كل العقم الفكري في الاعتقاد بإمكانية مجابهة الثاني دون الأول

حتمية فهم الواقع موضوعياً

لذلك كله نرى ضرورة الانسحاب النهائي من مهزلة المفاوضات لثبوت كونها تغطي جرائم الاحتلال وتشرعنها، كما تعمق الخلافات الفلسطينية لدرجة الاقتتال الدموي، وتوحي بإمكانية حلول عادلة لا وجود لها اصلاً الا في مخيلة الواهمين، الامر الذي يتطلب ضرورة ان تتحمل الاطراف الدولية – التي شجعت ودفعت الفلسطينيين للتوقيع على اتفاقيات مع العدو الذي رفض تنفيذها- مسؤولية النتائج القانونية والسياسية والاقتصادية بما في ذلك الادارية والمالية التي القيت على كاهل السلطة الفلسطينية المزعومة، بموجب تلك الاتفاقيات، علما بأن مسؤولية اعباء المناطق المحتلة تقع على كاهل سلطات الاحتلال بموجب الاتفاقات الدولية التي تنظم شؤون من يقع تحت الاحتلال. ومع ادراكنا لعلاقة الترابط الضروري بين المواقع والمواقف وتبعية الثانية للأولى، الا ان وعينا بالمسؤولية الوطنية يدفعنا الى البقاء في دائرة حسن الظن، فنقول ان هنالك ثمة خطأ في التقدير دفع المتنفذين في حركتنا الوطنية الى الافتراض بتجاوزنا لمرحلة التحرر الوطني ودخولنا في مرحلة بناء الدولة الوطنية، الامر الذي دفعهم لاستبدال مواقع التناقضات في قضيتنا الوطنية الراهنة، فأصبح عندهم التناقض الرئيسي المتعلق بمهمة التحرر ثانوياً، والتناقض الثانوي المتعلق بتباين الرؤى والأساليب لانجاز تلك المهمة رئيسياً، وبالتالي تم استحضارهم لمهام بناء الدولة الموهومة راهناً، الفاقدة لاي من مقومات الوجود ارضاً وسكانا وسيادة، وتغييبهم لمهام التحرر الوطني لاعتبارهم اياها عبثية، لذلك نعتقد ان السير على هدى هذه الفرضية شكل نقطة الانطلاق نحو الاتجاه الخاطىء في مسيرة حركتنا الوطنية مما خلخل بنيتها وشوش افكارها وفردن قيادتها وخرب علاقتها بحلفائها الحقيقيين الذين يتخندقون معها في نفس المواقع، كما سهل على المنتفعين والفاسدين التسلق على اكتافها. وعليه تصبح ضرورة اتفاق كافة القوى الفلسطينية على تحديد طبيعة المرحلة التاريخية التي نمر بها شرطا اساسيا لتوجيه ممارستنا الكفاحية حصرياً نحو تحقيق تحررنا الوطني، فتاريخ الشعوب لا يتحرك فوضوياً وان ظهر للبعض انه كذلك، بل يتمرحل بحيث تتشكل في كل مرحلة منه قوى اجتماعية واقتصادية وسياسية لكل منها مصالحها الخاصة بها والتي على ضوئها تحدد اهدافها ووسائل تلك الاهداف التي بدورها تتبدل ثم تتمايز عن بعضها في كل مرحلة من تطورها.

ويخطيء معرفيا كل من يعتقد ان التاريخ يسير في خط مستقيم تتكلس فيه القوى ومصالحها ورؤاها دون أي تغيير كما تدعى الايديولوجية الصهيونية.

 

يتبع ….
الحلقة الثانية

متعلقات

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الرابعة

الحلقة الخامسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *