السعودية و صناعة إسلام أمريكي لخدمة الاستراتيجية الأمريكية الشاملة
د. غازي حسين
فرّخت امريكا و “اسرائيل” والسعودية الإرهاب الإقليمي والدولي إبّان محاربة الجيش السوفييتي في أفغانستان وبعد تفجيرات 11 أيلول وتبعتهما قطر والإمارات، وساهموا جميعهم بالتعاون مع إسرائيل لتدمير بلدان الشرق الأوسط بالحروب الإسرائيلية والأمريكية والمجموعات التكفيرية ونشر الفوضى الخلّاقة التي تبنّتها إدارة مجرم الحرب بوش الابن وبالربيع العربي والحروب العدوانية على العراق وسورية ولبنان وليبيا والصومال واليمن.
أدّى التعاون بين الاستخبارات الأمريكية والسعودية إلى تحويل المجموعات الوهابية والتكفيرية الأخرى إلى أدوات لمواجهة الشيوعية في أفغانستان والخطر الشيعي المزعوم، وإقامة الناتو الإسلامي لتحقيق المخططات والمصالح الأمريكية وتطبيع العلاقات مع إسرائيل والتحالف معها، والتنازل عن عروبة فلسطين وإنهاء الصراع العربي الصهيوني.
قام التحريض السعودي على توجيه التكفيريين لتدمير الأنظمة الوطنية العربية باستخدام الدين لتحقيق الأهداف الشيطانية لمملكة آل سعود والإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية من خلال شحن الشباب السعودي والعربي بالجهاد لنصرة الإسلام، فكانت البداية في أفغانستان حيث أقحمت السعودية عشرات الآلاف من الشباب السعودي والعربي في الحرب ضد الجيش السوفييتي في أفغانستان بتخطيط وتوجيه وإدارة المخابرات المركزية، واستثمرت السعودية أموال النفط وورقة الجهاد بإدارة أمريكية لمواجهة الكفار الشيوعيين السوفيتيين والأفغانيين، وكانت السعودية قد استخدمت دولارات النفط المسمومة في مواجهة التيار القومي والوحدة العربية بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر.
وساعدت السعودية بريطانيا وأمريكا وإسرائيل في القضاء على الأنظمة الوطنية والقومية المتمسكة بعروبة فلسطين و بالمقاومة والوحدة العربية، وتسببت بحرب حزيران العدوانية عام 1967 للتخفيف من الضغط العسكري المصري عليها في اليمن، وطلبت من أوباما شن الحرب على سورية واستعدادها لدفع الفاتورة التي تطلبها واشنطن مهما بلغت.
ووظفت السعودية الجهاد في الفتن والحروب الطائفية ضد الشيعة، لأنّ المذهب الوهّابي يحرّض على كراهية الشيعة، وسخروا الأيديولوجية الوهابية للتحريض على التكفير والكراهية والعنف، ونفّذ التكفيريون السعوديون العمليات الانتحارية في المدارس والمساجد والأماكن العامة في العراق، واستغلت القوات الأمريكية والبريطانية المعتدية هذه الجرائم البشعة، وكانت ترسل المجموعات من جنودها ليقوموا بنسف مسجد سنّي أو حسينية للشيعة لتصعيد الخلاف السنّي– الشيعي، وتصعيد الفوضى في العراق لتفتيته وإقامة دولة كردية فيه لخدمة الاستراتيجيتين الأمريكية و الإسرائيلية في الوطن العربي.
وانتقل التكفيريون السعوديون بإيعاز من السلطات السعودية والأمريكية إلى المشاركة في الحرب الكونية على سورية باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بتمويل وتسليح سعودي وقيادة أمريكية.
وكانت إسرائيل تعالج جرحى بعض المجموعات التكفيرية في مستشفى ميداني في الجولان المحتل وفي مستشفياتها، وتزودهم بالذخائر والأسلحة، وتشترك معهم في قصف مواقع الجيش العربي السوري.
وتشير بعض المصادر الأجنبية والعربية أنّ بندر بن سلطان ومن بعده السعودية كانوا يدفعون تكاليف العلاج الباهظة لإسرائيل، وعندما بدأ التدخل العسكري في سورية لتغيير الرئيس وتدمير منجزات الدولة والجيش العربي السوري بدأ التحريض في المساجد السعودية على تشجيع الشباب “للجهاد” في سورية بعد تولي المتأمرك و المتصهين بندر بن سلطان الملف السوري وافتتاح غرفة عمليات موك في الأردن في صيف 2012.
وكان من مصلحة السعودية وأمريكا وإسرائيل توظيف الشباب السعودي والعربي والمسلم في إشعال الفتن والحروب الطائفية في بلدان الشرق الأوسط لإبعاد الشباب السعودي خارج حدود المملكة.
وعملت وتعمل السعودية على صناعة إسلام أمريكي توظّفه وتستثمره الولايات المتحدة لخدمة استراتيجيتها الكونية الشاملة ومصالحها العسكرية والاقتصادية في بلدان الشرق الأوسط العلاقات مع إسرائيل، وتستغل المملكة المذهب الوهابي (السلفية السعودية) لكي تقود العالم السني وتكون الممثل الوحيد له في وسط مليار ونصف المليار مسلم في العالم لتتحكم بقراراته السياسية.
ومن هنا يمكن تقييم قيادة الرئيس المتصهين ترامب لمؤتمرات القمم الثلاث في الرياض في أواخر أيار 2017، والقول بأنّ السعودية تعمل بالتعاون مع إدارة ترامب في واشنطن للقضاء على دور الإسلام السني النهضوي (التنويري) والعقلاني والنضالي والعروبي والذي كان يمثله الأزهر في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
وتصب الفتاوي السعودية الشاذّة في شحن الفتن الطائفية وخدمة النظام الاستبدادي وانتهاك حقوق الإنسان والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، ويعمل المتأمرك والمتصهيّن والوهابي محمد بن سلمان بدولارات النفط الهائلة و بالمستشارين الأمريكيين والإسرائيليين لبلورة إسلام أمريكي ضد العروبة والإسلام وفلسطين، وتتويج ترامب قائداً له كما فعل في القمة الإسلامية الأمريكية بالرياض التي شارك فيها قادة /54/ بلداً عربياً ومسلماً.
ودعمت السعودية المجموعات التكفيرية التي تشن الحروب على الأنظمة الوطنية التي رفضت وترفض التبعية لأمريكا والاعتراف بإسرائيل، حيث درّبت وموّلت وسلّحت مجموعات تكفيرية وأرسلتها إلى سورية لتدمير الدولة السورية ومنجزاتها وتغيير القيادة الوطنية فيها التي تدعم المقاومة وعروبة فلسطين وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
وطلبت الرياض عن طريق الجامعة العربية قيام حلف الناتو بتدمير واحتلال ليبيا ونهب أموالها الهائلة وثرواتها النفطية.
وشكّلت الحروب العدوانية التي شنّتها المملكة السعودية على اليمن عدوان خارجي سافر غير مشروع وغير عادل على دولة عربية لكسر إرادتها وإرادة الشعب اليمني الوطنية المستقلة بهدف إخضاعها للهيمنة والتبعية السعودية.
وعملت السعودية بالتعاون مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول الخليج وإسرائيل على الإطاحة بالقيادة السورية، وعلى الاستمرار في بث الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية لتفتيت البلدان العربية لترسيخ هيمنتها والهيمنة الصهيوأمريكية من خلال الناتو العربي الإسلامي ومشروع الشرق الأوسط الجديد.
بالأمس جرى تفتيت العراق والسودان والصومال وليبيا بدعم كامل من السعودية وقطر والإمارات، وحاولوا ويحاولون تفتيت سورية واليمن ولبنان والاعتداء على إيران لقيادة الدول العربية والإسلامية وتحقيق الاستراتيجية الأمريكية الشاملة في بلدان الشرق الأوسط والعالم بأسره .
وانطلاقاً من تجارب الإمبراطوريات في العالم التي يهمها فقط مصالحها وليست مصالح أتباعها أنّ الدور لنشر الفوضى والتفتيت ورسم خرائط جديدة للدول التي تسير في الفلك الأمريكي الإسرائيلي سيأتي أن عاجلاً أو آجلاً، لذلك من مصلحة الشعب والأمة والوطن والإنسانية جمعاء أن يكون الحاكم في خدمة شعبه، لأنّ هذا هو الحل السليم للحكم الرشيد بالأساليب الديمقراطية ونبذ الطائفية والمذهبية والعرقية والعنصرية والتمييز العنصري وتحقيق التطوّر والازدهار والاستقرار وبدون تدخل خارجي واستخدام القوة كما تفعل المملكة السعودية وإسرائيل لتحقيق الاستراتيجية الأمريكية الشاملة في العالم.