أقول لكل العرب إن لم تستطيعوا نصر سوريا فانتصروا لأنفسكم
بشير شريف البرغوثي
لم أقل يوما إن تركيا كانت دولة صديقة للعرب ..و لكن المنطق الجغرافي و توازنات القوى الدولية كانت دوما تملي على العرب أن يقبلوا أي صيغة تعايش مع هذا الجار العنيف
كثيرة هي الجولات التي راهن فيها العرب على “العداء” الأوروبي التقليدي لتركيا .. و في كل جولة كانت الدول الأوروبية تنحاز في نهاية المطاف إلى تركيا
في كل المعارك البحرية المثبتة الوقائع كانت البحريات البريطانية و النمساوية و الألمانية و حتى الروسية القيصرية و الفرنسية تتحالف مع الأتراك لتدمير الأساطيل العربية الناشئة
كيف اتفقت حتى فرنسا مع تركيا ضد سوريا بعد الحرب العالمية الأولى ؟ شيء عجيب جدا ..
أول مرة و آخر مرة ممكن ان تتفق فيها فرنسا مع تركيا تكون إما في سوريا أو في الجزائر و ليبيا . هذه وقائع تاريخية غير قابلة لا للدحض و لا لتعدد الروايات
كيف اتفقت بريطانيا مع تركيا في العداء لمصر .. شيء أعجب و أغرب
الآن صار واضحا لمعظم العرب أن تركيا هي التي لا ترغب في التعايش معهم .. ما العمل ؟
تركيا لا تريد جوارنا و نحن لا نستطيع ان ننقل بلادنا بجبالها و أنهارها و بحارها و أجوائها ‘لى قارة أخرى أو كوكب آخر
و في المقابل لا توجد إرادة عربية للتوحد ضد أي خطر خارجي .. لم يتوحد العرب ضد أي أجنبي فقط يتحدون في محاور ضد بعضهم مهما روينا قصص الثور الأبيض و الأسود و غيرها من الألوان و قصص الطير و الحيوان
كما لا توجد إرادة دولية لتطبيق القانون الدولي المهتريء حين يتعلق الأمر بوحدة و سيادة العرب
على العكس من ذلك :
فشلت التنظيمات الإرهابية و ثبت أن أفرادها مأفونون مأجورون .. مهما كانت أسماء تنظيماتهم و مهما تستر مشغلوهم وراء أصابعهم
تدخلت تركيا مباشرة
يبدو أنها فشلت فتدخلت أمريكا .. زيارات إلى تركيا لشد أزر تركيا ” نحن وراءكم فتقدموا ” .. قالت امريكا
فردت تركيا باندفاع مستجيبة للتوجه .. و أصلا هي لا تستطيع ان ترفض لأن هناك بديلا جاهزا للحكومة التركية الحالية في واشنطن
لكن أمريكا ” كريمة ” مع موظفيها .. لذلك زجت انفها من جديد في قضية سد النهضة دعما لتركيا
و أخذت تشد أزر تركيا في ليبيا
و على سوريا أن تواجه كل ذلك .. و العرب يسترقون النظر من طرف خفي لمعرفة أين تصير الأمور
سوف تنتصر سوريا
سوريا صدت السلطان سليم بألف و خمسمائة مقاتل سوري و مصري .. دخلوا الأناضول
و لولا خيانة خاير باشا أو خاين باشا حاكم حلب آنذاك لما دخل الأتراك سوريا و لا مصر
بقيت امور أساسية كثيرة على حالها منذ القرن السادس عشر لكن أردوغان ليس السلطان سليم .. سليم كان بحاجة إلى تحييد الدولة الصفوية فقط و لم يكن بحاجة إلى دعم لا بالرجال و لا بالمال .. على عكس أردوغان اليوم الذي يحتاج دعم إيران المباشر و هذا مستحيل الآن
كما أن سوريا ليست تحت حكم المماليك
لكن انتصار سوريا الآن لا يعني وقف تركيا عند ” حدودها ” فقط .. و أي عربي يعرف أن الحدود الحالية هي حدود أمر واقع و ليست حدودا جغرافية و لا قانونية .. لم يتم ترسيم الحدود بين سوريا و تركيا بإرادة حرة من الدولتين أبدا ..
الآن تركيا تعتبر أن سابقة اعتبار خطوط الهدنة و خطوط وقف إطلاق النار حدودا سياسية و قانونية قد تكرست في المنطقة .. بفعل التوسع الإسرائيلي و شرعنة احتلال الأرض بالقوة .. لذلك “حفزها ” قرار صفقة القرن للعمل على جعل خطوط التهدئة في إدلب حدودا ” دائمة”
هذا منطق ترفضه سوريا بالمطلق
و إذا لم تظهر أي مفاجآت فإن المنطق السوري سوف ينتصر
يعني ذلك أن الحرب على العراق سنة 2003 قد فشلت و أن الحرب على ليبيا قد فشلت و ان الحرب في اليمن سوف تتوقف
و بالتالي؟
أن المخطط الأمريكي العملاق لإعادة تشكيل “دول العالم الإسلامي” قد اندحر
العرب ككل هم المستفيدون من ذلك
حتى إيران لن تجني الكثير إلا من حيث تحسين موقفها التفاوضي مع الغرب أما العرب فالأمر وجودي بالنسبة لكل دولهم مهما كانت توجهات أنظمتها السياسية
أقول لكل العرب
إن لم تستطيعوا نصر سوريا فانتصروا لأنفسكم باستغلال اللحظة التاريخية الفارقة التي أمنها صمود سوريا لجميع العرب في كل دولهم