هل تشعل اميركا نار الحرب الكبرى في المنطقة؟
العميد د. امين محمد حطيط
على وقع جملة من الاحداث والوقائع المتزاحمة تطلق التهديدات والتحذيرات لا بل تصدر المواقف التي تقطع بان حربا وشيكة تكاد تندلع شرارتها في المنطقة الشرق الأوسط في الحد الأدنى وقد تتوسع لتشمل أكثر من اتجاه وجهة في العالم حتى وان البعض يكاد يقول وبيقين كلي انها الحرب العالمية الكبرى التي ستدور رحاها ولا توفر مكانا في العالم من شظى نارها، فهل لما يتم تداوله في هذا الصدد نصيب في دائرة الإمكان او المتوقع الجدي؟
من الطبيعي قبل الإجابة ان نستذكر الوقائع التي اغرت في حدوثها أصحاب الراي بقرب وقوع الحرب ، ان يطلقوا توقعاتهم انطلاقا من واقعة تغيير رئيس الدبلوماسية الأميركية و تعيين رجل من أصحاب الرؤوس الحامية و دعاة الحروب مكانه رجل يتباهى بان الحل لمشاكل العالم لا يكون بالدبلوماسية التي تضيع الوقت و تنتقص المصالح و المكاسب بينما الميدان يختصر الوقت و يحفظ المنافع و المكاسب في الحد الأعلى ، لان ما تفرضه القوة العسكرية التي يملكها “القوي الجبار” لا يمكن ان تحققه الدبلوماسية المهذبة التي تتجنب المواجهة و تلتزم النعومة و القفازات التي لا تخدش و تبقي الخصم في راحة من امره لا يضطر معها للتنازل .
و الى جانب هذا التغيير الذي اعتبر بداية تنفيذية لمرحلة التحضير للحرب ، تظهر في الأفق رزمة من الوقائع الأخرى التي تشمل المناورات الإسرائيلية الأميركية و التي مددت لا سبوع إضافي من اجل ان تحاكي واقعا ميدانيا تتواجه فيه القوات المشاركة في المناورة مع القوات الروسية على سبيل الافتراض الجدي ، اضف الى ذلك التوتير غير المبرر الذي ابتدعته بريطانيا في وجه روسيا من اجل الابتزاز و الضغط لحملها على التنازل في ملفات باتت تؤرق المعسكر الغربي المعتدي على سورية المعسكر الذي بات يشعر بالخسارة الاستراتيجية في سورية و يحمل روسيا الى جانب ايران و حزب الله مسؤولية هذه النتيجة المأسوية ،
لقد استشعر الغرب ان الحرب التي اقتدحها على المنطقة تحت عنوان “الربيع العربي” الكاذب، وتوخى منها اخضاع المنطقة برمتها عبر تفكيك محور المقاومة واحتواء حلقاته والسيطرة عليها كل وفقا لواقعها، تأكد له ان هذه الحرب لم تحقق أهدافها بالوسائل التي استعملت لها رغم وحشيتها وسوئها واجرامها، حيث استعمل الإرهاب المتوحش المتفلت من كل اخلاق وشرع وقانون وإنسانية. وبات على الغرب ان يختار بين امرين لا ثالث لهما اما التسليم بالخسارة الاستراتيجية العامة والسعي الى حفظ ماء الوجه بالحصول على مكاسب ترضية تحد من الخسارة، او الانغماس بقضه وقضيضه في حرب تغير المشهد وتستعيد الى الاذهان مشاهد الحروب الاستعمارية وتذكر ايضا باحتلال افغانستان او احتلال العراق.
و رغم ان بعض الإشارات و الأدلة توحي بان الغرب اختار الحل الأول ، و لأجل ذلك اتجهت اميركا لوضع اليد على الشمال الشرقي السوري ليكون لها منطقة نفوذ مباشر تقيم فيها كيانا انفصاليا يشكل لها قاعدة للتحكم بكل من العراق و سورية و صولا او تمددا الى ايران و لبنان ، و لأجل ذلك أيضا و تعزيزا لهذه الفكرة طلبت اميركا من السعودية دفع 4 مليار دولار من اجل تمويل مشروع التقسيم هذا بحجة سعيها للخروج من المنطقة بعد تمكينها من أسباب القوة التي تمنع الدولة السورية من العودة اليها و تحول دون دخول داعش مجددا اليها .
بيد ان ما تقدم من دلالات عملية و سلوكية معطوفا على ما ترصده منظومات المراقبة الجو فضائية و الأرضية الروسية و غيرها من و كالات مراقبة الحلفاء تجعل الامر في اتجاه مختلف و تقود الى القول بان اميركا قررت فعلا الذهاب الى الحرب وفقا للخيار الثاني ، الذي اكدت عليه سفيرة اميركا في الأمم المتحدة حيث وجهت تهديد مبطان او يكاد يكون صريحا في الاسبوع الماضي و على منبر مجلس الامن حيث قالت ” انه اذا استمر فشل مجلس الامن في اتخاذ القرار – تعني به الاستجابة لمطالب اميركا ضد سورية – فان اميركا ستتحرك خارج مجلس الامن بمفردها او مع حلفائها، و تبعها في التهديد كل من فرنسا و بريطانيا ، .فهل ان هذا التهديد جدي و يشكل تمهيدا للحرب فعلا ؟
قبل الإجابة نذكر بان الدول التي تعمل بمنطق المؤسسات وتخضع في قرار الحرب لقواعد معتمدة وثابتة في العلم العسكري والاستراتيجي حيث نجد فيها ان الدولة لا تخرج للحرب وتهاجم الا إذا استوفت شروطا ثلاثة أولها القدرة على تحقيق الإنجاز العسكري في المهل التي تحددها، ثانيها القدرة على احتواء ردة فعل العدو والخصم والتعامل معها كما يجيب، ثالثها القدرة على الخروج من الحرب مع حفظ الإنجاز العسكري وصرفه سياسيا بما يناسب مصالح المهاجم.
بيد انه إذا أجرينا اسقاطا لهذه الشروط على ارض الواقع والميدان لوجدنا ان اميركا، تملك القدرة التدميرية بدون شك ولكن قدرتها على الاحتلال المستمر والامن امر مشكوك فيه، اما بالنسبة لاحتواء ردة الفعل فهنا الشك الكبير مع وجود قرار استراتيجي روسي بالرد على أي عدوان وجهوز محور المقاومة لمعالجة أي سلوك عدواني بما يقتضيه الموقف. وبالفعل باتت اميركا تتعامل مع التهدد الروسي بجدية تضاف الى جدية تعامل إسرائيل مع تهديد حزب الله. ولأجل ذلك ادرجت العامل الروسي في المناورات القائمة في فلسطين المحتلة الان، ولا ننسى ان لأميركا في المنطقة أكثر من 120 قاعدة عسكرية تتفاوت في الحجم والأهمية وان حمايتها بالوسائل التقليدية بعد سقوط الهيبة الحمائية، هو امر صعب. اما الصرف في السياسة فهو امر مشكوك فيه أيضا بعد فقدان اميركا السيطرة على مجلس الامن.
لكل هذه الأسباب والصور ورغم اقوال الكثير من المعنيين بالشأن، نرى ان الحرب التي يكثر الحديث عنها لا زالت امرا مستبعدا ليس فقط لان الحلف الأطلسي حسب مفهومه الاستراتيجي النافذ حاليا لا يجيزها بل أيضا لأسباب موضوعية ومعادلات ردعية رسمتها روسيا استراتيجيا واكدها محور المقاومة عملانيا بشكل معطوف على باب استراتيجي ( على المطبلين للحرب ان يتذكروا إسرائيل و مصيرها و النفط و انابيبه و القواعد الأميركية و امنها) .
وهنا قد يسال سائل لماذا تحذر روسيا من الحرب وتستعد سورية ومحور المقاومة لها ويكون التعامل معها بمثل هذه الجدية؟ هنا نجيب بان العسكري يتعامل دائما مع الفرض الأسوأ وعليه ان يستعد للفرض الأسوأ ويكون خطا جسيما التصرف وكان الحرب لن تقع، وهنا نميز بين التقدير الاستراتيجي الموضوعي وبين التحضير العسكري الدفاعي، ففي الأول تعتمد قواعد للوصول الى تصور وفي الثاني تعتمد قواعد أخرى لاتخاذ الموقف المناسب.
ولكل هذا نرى ووفقا لقواعد التحليل و التقدير العسكري ان التهويل بالحرب الذي يشارك فيه أكثر من طرف وجهة لا يعدو كونه حربا نفسية غايتها الضغط على معسكر الدفاع عن سورية لوقف حصادها الأرباح و لرفع معنويات الإرهابيين في الغوطة الشرقية الذين خذلهم معسكر العدوان ولم يقدم لهم العون الذي انتظروه لينقذهم من قبضة الجيش العربي السوري ، نقول هذا اذا حكم العقل و المنطق ، و لكن اذا استقال العقل و كانت المغامرة و الجنون فسيكون في الميدان امر اخر و هذا ما كنا اشرنا اليه منذ أسبوع حيث قلنا بان التحضيرات الروسية للمواجهة العسكرية سيكون لها اثرها الردعي ان استطاع عقل المستشارين العسكريين لجم جموح الرئيس الأميركي و سيكون لها اثر تحريضي اذا تغلب جنون الرئيس و فريقه الحامي الرؤوس ..
واخذا بكل ما سبق، فقد باتت المنطقة امام سيناريو من ثلاثة الأول اعمال العقل وامتناع اميركا عن العدوان، الثاني جنون أميركي ومغامرة غير محسوبة والذهاب الى عدوان قد يتدحرج مواجهة تتعدى المكان والزمان الأساسيين لها، والثالث تفاهم روسي أميركي يترجم بفعل أميركي استعراضي يحفظ لأميركا ماء وجهها، مع اننا لسنا من مرجحي هذا الاتجاه…ونبقى متمسكين الان بنظرية استبعاد الحرب التي جاء يعززها اتصال ماكرون ببوتين وتأكيده على الحوار بدل المنازلة في الميدان.
“البناء”