حين ينطق القلم

و إن عدتم عدنا

بشير شريف البرغوثي
بشير شريف البرغوثي

بشير شريف البرغوثي

 

لما ختمت حركة الجهاد الإسلامي بيانها الأخير بعبارة ” و إن عدتم عدنا” كان واضحا أنها ميالة للتهدئة . ربما يرى البعض بحق أن الجهاد تتماهى في هذا المفهوم مع حركتي فتح و حماس من حيث النظر إلى المقاومة مهما كان شكلها على أنها رد على تصرفات الإحتلال . مع أن المفروض أن تكون المقاومة فعلا مستمرا كرد فعل على الإحتلال نفسه بغض النظر عن سلوك هذا الإحتلال .
البعض رأوا أن حماس أسلمت الجهاد أو تخلت عنها و لكن الأمر لا يتعلق بموقف حماس من الجهاد فقط بل لحماس أيضا حساباتها التنظيمية الخاصة و محددات سلوكها العسكري
و طبيعي أن لا ترغب حماس في التصعيد الآن .. في فترة المخاض
إذا أردنا القول إن حماس تخلت عن الجهاد .. فهذا يتوازى تماما مع الطرح المقابل الذي يقول إن السلطة قد سبقت حماس في لعبة التخلي هذه .. فقد تخلت السلطة عما هو أكبر و أخطر من ذلك فالنقد السلطوي لحماس في هذا الجانب غير مبرر
الأكثر أهمية هو وجوب ملاحظة وجود توجه لاستبدال حماس و فتح و المنظمة و السلطة بحركة الجهاد
سمعت هذا الكلام منذ أن نأت الجهاد عن التجاذبات الداخلية و عن مناصب السلطة لأنها لا تريد الجزء بل الكل
إسرائيل و امريكا لا يهمهما مع من تتفاوضا فالمهم عندهما هو نتائج التفاوض في كل مرحلة و هما الآن بحاجة إلى طرف جديد يبدأ التفاوض معه من جديد على أسس جديدة و مرجعيات الأمر الواقع الجديد
و لا أظن أن مصر تعارض ذلك .. لكن ربما تحبذ ان يتولى الحرس القديم من حركة الجهاد تلك المهمة الجسيمة فالعلاقات بين الجهاد و الأجهزة المصرية قديمة .. و جدا
سوريا لا تهتم كثيرا بالإطار التنظيمي المحدد .. سواء فتح القديمة أو الجديدة او حماس او الجهاد فهي الآن تفضل الحفاظ على مسافة واحدة من الجميع
لكنها تدرك ان الجيل الجديد من قادة الجهاد أكثر ميلا إلى محورها من الجيل القادم الأقرب إلى مصر.. و لكن مصر لا تريد المجازفة بجسم حركة الجهاد الآن في منافسة غير متكافئة لذلك سارعت إلى “فرض” التهدئة” و لاقى ذلك هوى إسرائيليا لأن دخول مصر على الخط يحد من نفوذ إيران المهيمن على ” منابع” القوة المادية للجهاد
في غضون ذلك تواصل اسرائيل سياسة القتل الإنتقائي النوعي فكل جثة فلسطينية هي مكسب لإسرائيل في ظل عدم تكافؤ رد الفعل الفلسطيني مع الفعل الإسرائيلي من حيث الخسائر البشرية على الأقل و من حيث أن الضربات الإسرائيلية محسوبة دائما بحيث تؤدي إلى شل مراكز الأعصاب و مراكز التوازن في الجهاز العصبي الفلسطيني
و المحصلة النهائية مواتية بالنسبة لإسرائيل : تهدئة مقابل تهدئة .. و هل أفضل من ذلك لها؟ بحيث تستمر في قضم الأرض في الضفة الغربية على اعتبار أن قطاع غزة هو مجرد كيان معاد خارجي يمكن التعامل معه على حدة بمنتهى القسوة و العنف حتى يلين أو بمنطق التصعيد المحسوب الذي يتيح لإسرائيل التخلص من مراكز الاعصاب في كل التنظيمات
و كل ذلك يتم مع تآكل الدور السياسي للسلطة الفلسطينية و مع إعادة تشكيل مراكز الثقل في حركة فتح بحيث يتم تحييدها تماما في الصراع إلى حين استبدالها تماما بقوة أكثر راديكالية و أكثر قدرة على الحركة السياسية
الحركة ضمن مساحة تهدئة مقابل تهدئة و ليس ضمن مفهوم تهدئة مقابل دولة
لا نخرج من هذه الورطة إلا بأن تعالج فتح انقساماتها السابقة من سنة 1983 و حتى الآن بحيث تعود حركة أكثر تجانسا نسبيا و بعد ذلك تعمل على تغيير عقلية و فريق التفاوض مع حماس و الجهاد .. مقابل تنازلات ما تقدمها حركة حماس بحيث يتمكن الفريقان من احتواء الأطراف الأخرى ضمن برنامج تعبئة وطنية شاملة
و بغير ذلك يمكن اتهام الجميع بإحداث حالة ميوعة كفيلة بتصفية القضية مؤقتا لعدة سنوات كما حصل خلال سنوات الخمسينيات
الوضع لا يحتمل العبث و الطاولة كلها قد تنقلب بسرعة لا يتوقعها المستريحون الآن على مقاعد قيادة الشعب الفلسطيني و كل منهم يركن إلى وعود زائفة تنهال عليه من هنا و هناك.

بشير شريف البرغوثي

بدأ الكاتب بشير شريف البرغوثي حياته المهنية مترجما و محللاً سياسياً و باحثاً في دار الجليل للنشر و الدراسات و الأبحاث الفلسطينية في العاصمة الأردنية عمان و خلال الفترة من سنة 1984-1989 صدرت له عن تلك الدار عدة كتب و أبحاث باسمه أو باسم الدار و تميزت كلها بالريادة و استشراف الأحداث و كان كتاب " إسرائيل عسكر و سلاح " سنة 1984 أول من أوائل الدراسات العربية حول خطورة تمدد المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي في العالم. و في سنة 1986 أصدر أول دراسة شاملة عن تأثير المياه في الصراع العربي الصهيوني بعنوان " المطامع الإسرائيلية في مياه فلسطين و الدول العربية المجاورة و قد ظل هذا الكتاب سنوات طويلة مرجعا أساسيا لكثير من الدراسات و الدارسين و الساسة , و قد تنبأ فيه إلى أهمية مطالبة الفلسطينيين بتعويضات عن الاستغلال الإسرائيلي لمياههم و مواردهم الطبيعية فور ان تسنح أية بادرة تفاوض !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *