عودة العلاقات بين حماس وسوريا
د.عبد الستار قاسم
لم يترك السيد إسماعيل هنية في مقابلته مع قناة الميادين في موسكو مجالا للشك بأن حماس جادة في إعادة العلاقات مع سوريا والتعاون معها في مواجهة التحديات بخاصة ما يتعلق بالتحدي الصهيوني. وقد أكد هنية بوضوح وبصورة قاطعة أنه لا يوجد أي فرد من حماس منغمس بالقتال في سوريا. وإذا وجد شخص يقاتل باسم الإسلام ضد الجيش السوري فذلك لا علاقة لحماس به، وهو يقاتل على مسؤوليته الخاصة ويتحمل هو نتائج أعماله. .حماس لا تقاتل ضد الجيش السوري، وهي منهمكة على مدى سنوات في بناء جيشها الفلسطيني ليتخطى مرحلة الدفاع نحو مرحلة الهجوم.
انطلقت حماس نحو محور المقاومة، وفتحت أبوابا نحو طهران، ووثقت علاقاتها بحزب الله. لكن سوريا أبقت على أبوابها مغلقة بوجه حماس حتى الآن. اقتراب حماس من إيران وحزب الله يعني أنها تتدارك ما حصل من هفوات ومن توتر في العلاقات خلال سني الحرب السورية، وتبحث عن سبل من أجل أن تكون جزءا لا يتجزأ من محور المقاومة. إيران لم تتخذ مواقف متصلبة وبقي همها منصبا على المبدأ الذي تتبناه وهو تقديم الدعم لكل فئة تقاتل الكيان الصهيوني وتعمل على تحرير فلسطين والمقدسات. وكذلك كان وضع حزب الله الذي ما زال يقدم ما يمكن لحركة حماس وللمقاومة في غزة عموما.
سوريا تتصلب بموقفها مبررة ذلك بأنها أحسنت لحماس واستضافتها في دمشق، وتحملت كل الضغوط الغربية من أجل طرد حماس من دمشق ورفضت كل الضغوط وصمدت، وتمسكت بموقفها الداعم للمقاومة. وفجأة تأتي حماس ناكرة للجميل وتقف مع القوى المشاركة في القتال الداخلي وللتنظيمات المسلحة من مختلف الأنواع. حماس بالنسبة لسوريا، بصقت في الطبق الذي تأكل منه، وقابلت الإحسان بالإساءة. وطبعا لحماس جدليتها في هذا الموضوع من حيث أنها تنفي مشاركتها في القتال.
وكمراقب ومتابع لما يجري على الساحتين السورية والفلسطينية، أستطيع القول إن حماس، على الأقل، وقفت إعلاميا ضد النظام، وانحازت لصالح المعارضة، ولم يكن موقفها هذا مستترا أو خافيا على أحد.
المصارحة ضرورية لكن المصالحة ضرورة أقوى. لست مع الاجتماع على منسف وفناجين القهوة وتبادل القبل بين سوريا وحماس ولفلفة الموضوع وانتهى. يجب أن تكون هناك مصارحة بين الطرفين، والمفروض أن يتم طرح الموضوع على الطاولة للنقاش والحوار، ووضع الإصبع على الجراح بروية وحكمة وتأن، وأن يعترف في النهاية كل طرف بمسؤوليته الجزئية عما جرى ويجري. لكن هذا يجب ألا يكون على حساب الموضوع والذي هو توحيد كل قوى المقاومة في جبهة واحدة لوضع الكيان الصهيوني عند حده، وانتزاع الحقوق الفلسطينية كاملة غير منقوصة. محور المقاومة لا يملك رفاهية الخلافات الداخلية، ولا يملك التفرد والانفراد ولا التخطيط الجزئي الذي ينهك الكل. وحيثما كان هناك صوت مع محور المقاومة فإنه لا غنى عنه ولا يجب إهماله.
من المهم الإدراك أن الورقة الفلسطينية جوهرية بالنسبة لمحور المقاومة إذ من المفروض والمتوقع أن يكون الفلسطينيون رأس سهم هذا المحور، وأن يكونوا المحرك الأول والأساسي للنشاطات في مواجهة التحديات الصهيونية والأمريكية. صحيح أن هناك بعض التجمعات والحركات الفلسطينية المنضمة للمحور مثل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية القيادة العامة، ولجان المقاومة الشعبية، لكن تبقى حماس هي الأقوى في جبهة المقاومة الفلسطينية، وليس من الذكاء او من المصلحة استبعادها أو هجرانها أو الإصرار على عدم تسوية الخلافات معها. وحدة محور المقاومة هدف أساسي وجوهري ويجب التمسك به، أما الخلاف مع حماس فليس هدفا، ووجوده يسبب المتاعب ويؤدي إلى الإضعاف. لسوريا مصلحة قوية في وحدة المحور، وللشعب الفلسطيني مصالح أكثر بكثير. ولهذا لن ننفك عن مطالبة سوريا بتليين موقفها والعمل في أسرع وقت ممكن على تنقية علاقاتها مع حركة المقاومة الإسلامية. وفي هذا المسعى لا نطالب بإغلاق الملف دون وضوح في أسس العلاقات، وإنما من المهم أن تقوم العلاقات على مبادئ وأسس واضحة للعيان ومعلنة في وسائل الإعلام.
وتبقى مصالح الشعبين اللذين مزقاهما سايكس وبيكو فوق الأنظمة السياسية والتنظيمات. وإذا كان أهل الغرب قد مزقوا الناس والأوطان، فنحن مسؤوليتنا تتطلب التغلب على هذا التمزيق.