فلسطين في مواجهة فيروسات نتنياهو الوبائية …!
نواف الزرو*
ليس من مبالغة في هذا العنوان الكبير، فانا اعتقد ان هذا الوباء العالمي الطارىء-كورونا- أخف وطأة وتأثيرا وفتكا من فيروسات نتنياهو اليمينية العنصرية الارهابية الوبائية المزمنة التي تعيث تدميرا وإبادة في الجسم الفلسطيني منذ أكثر من اثنين وسبعين عاما، وربما يكون أفضل تعبير عن المشهد الفلسطيني الراهن أن الاحتلال بات يشن حروبا وجودية تراثية إلغائية بعد الجيوديموغرافية وسياسية في كل الأماكن الفلسطينية، لذلك ربما تحتاج الحالة الفلسطينية اليوم ونحن بعد اثنين وسبعين عاما على النكبة، واثنين وخمسين عاما على حزيران، وسبعة وعشرين عاما على أوسلو، إلى ان تقف كل الفصائل والقوى وكل القيادات امام لحظة الحقيقة، وأمام مراجعة وطنية فلسطينية وعربية شاملة، فالخريطة الجغرافية والسياسية والاستراتيجية الفلسطينية، أصبحت اليوم باهتة متفككة لا تبشر بنهاية للاحتلال أو برحيله، ولا تبشر بانتقال حقيقي لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة الى حيز التطبيق على الارض، بل يبدو ان كافة الآفاق مغلقة أمام الفلسطينيين في ظل الوضع الراهن وفي ظل الانشغالات الفلسطينية الداخلية بالانقسام والأوضاع الاقتصادية وغيرها، وفي ظل الانشغالات العربية من جهة اخرى بالحروب والصراعات العدائية الداخلية …!.
فان تحدثنا عن المفاوضات واحتمالات التسوية، فقد كانت وصلت الى طريقها المغلق تماما منذ ما قبل نتنياهو الذي جاء فقط ليمزق ما تبقى من قناع عليها..!
وإن تحدثنا عن الأرض والاستيطان فحدث ولا حرج، فالاحتلال في ذروة هجومه الشامل على الأرض الفلسطينية، والاستيطان في ذروة تمدده في الجسم الفلسطيني.
وإن تحدثنا عن الاقتصاد، فالاحوال الاقتصادية الفلسطينية على امتداد الأرض المحتلة جحيمية لا تطاق…!
وإن تحدثنا عن الأحوال الفلسطينية الداخلية المتفاقمة في ظل قسوة الانقسام الجيو سياسي ما بين الضفة وغزة فهي لا تسر حقيقة سوى العدو…!
وإن تحدثنا عن الأوضاع العربية المحيطة فهي تبعث الارتياح الشديد لدى المؤسسة الامنية السياسية الاسرائيلية..!
وكذلك على المستوى الدولي والأممي..!
والادارة الامريكية ليس فقط لم ولن تغير من استراتيجيتها المنحازة حتى النخاع لصالح”اسرائيل”، وانما ذهبت ابعد من ذلك بكثير ب”منح ترامب القدس الموحدة عاصمة ابدية لاسرائيل”، وكذلك ب”صفقة القرن” التصفوية وما فعلته التصريحات والاجراءات الاخيرة للرئيس ترامب إنما أسقطت ورقة التين الأخيرة عن عورة السياسة الأمريكية، ومزقت القناع الذي تتخفى وراءه تماما.
وفلسطينيا، لعل معطيات المشهد الفلسطيني والأحداث التي تجري على الأرض الفلسطينية على مدار الساعة حيث الخرائط والبلدوزرات والاستيطان والتهويد، تنطق بالحقائق:
فقوات الاحتلال ووحداتها المستعربة لم تتوقف عن اجتياحاتها ومداهماتها للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية على امتداد مساحة الضفة الغربية، كما تواصل دولة الاحتلال سياسة البلدوزرات والجدران الالتهامية، حيث لم تبق تقريبا مدينة او قرية فلسطينية إلا وطالتها الاجتياحات والبلدوزرات.
كما توغل دولة الاحتلال عمليا في تقطيع أوصال الضفة الغربية جغرافيا وسكانيا، فكل مدينة فلسطينية أصبحت معزولة عن قراها وعن أخواتها من المدن الفلسطينية الاخرى، بسبب سياسة الحصارات والاطواق الحربية التي تنطوي على مضمون قمعي جماعي للشعب الفلسطيني.
الى ذلك- تتحدث المصادر الفلسطينية عن نحو 800 الى 1000 حاجز عسكري تنتشر على الطرق الرئيسية وحول المدن الفلسطينية تنكل بكل أبناء الشعب الفلسطيني على مدار الساعة.
ناهيكم عن الاعتقالات الجماعية المستمرة التي تتواصل يوميا على امتداد مساحة الضفة الغربية.
وعن الاستيطان الجامح فحدث ايضا..!
فخريطة الاستيطان تختطف عمليا القدس والضفة الغربية وتخرجهما من كل الحسابات….!.
وفوق بل وقبل كل ذلك، هذه الجرائم الاحتلالية المجازرية التي تقترف على مدار الساعة ضد أهلنا في غزة.
وعن حكاية المفاوضات والسلام وهذا الاهم هنا، فقد انتهت تماما، ولن تجدي كل محاولات التدليك والضخ.
وفي هذا الصدد كثف المحلل الاسرائيلي جدعون ليفي المشهد في هآرتس قائلا:” آن الاوان لوضع حد لهذه الحماقة: يتوجب ان نقول الان كفى لهذه اللعبة الاكثر خطورة في المنطقة بعد لعبة الحرب – لعبة “العملية السياسية”، هذه لعبتنا الثانية”، مضيفا في عبارات شديدة:” ليس هناك امراً لم يبحث ولم يقال، بعد عدد لا ينتهي من المشاريع السلمية و”المشاريع الاحتياطية” و “مشروع الرف”، وخرائط الطرق والتسويات السياسية التي لم يطبق أي واحد منها، يتوجب الصراخ في وجه الحكومة: لا تبدأ مرة اخرى في رقصة السحرة ودوامة المداولات العقيمة”.
كل ذلك بات حقيقة كبيرة لم يعد يختلف عليها فلسطينيان على امتداد مساحة فلسطين.
ولكن- الأسوأ في المشهد السياسي الفلسطيني هو استمرار الانقسام والتشظي الفلسطيني..!
المشهد-المأزق- الفلسطيني يزداد تعقيدا وتركيبا كل يوم، ويبدو أن الخيار الأمثل للخروج من المأزق الفلسطيني هو الدعوة إلى” تبني إستراتيجية وطنية تجمع بين المقاومة الشعبية ودعم الصمود الوطني واستنهاض أوسع لحركة تضامن دولي، وتحقيق الوحدة الوطنية، فهل نراهن يا ترى على المبادرة الروسية بأنها قد تشكل مخرجا تصالحيا وطنيا فلسطينيا منطقيا، ففلسطين تحتاج أشد ما تحتاجه في هذا الظرف المأزقي إلى الوحدة الوطنية والى خطة استراتيجية شاملة…!
فإذا كان هذا الوباء العالمي-الكورونا-يفتك حاليا وعابرا بشعوب العالم، فإن فيروسات نتنياهو واليمين العنصري وراءه أشد فتكا وتدميرا مزمنا من الكورونا، ما يستدعي حالة استنفار فلسطيني دائم في مواجهة هذه الفيروسات….!؟