أم ضياء: الأم الصابرة
عبد الناصر عوني فروانة
“أم ضياء”. أعرفها منذ زمن طويل، واعتز بعلاقتي معها، فهي أمي التي لم تلدني، ولقد التقيتها كثيرا وهاتفتها مرارا وتكرارا، وفي كل لقاء أو اتصال اتلمس حزنها في خفايا صوتها وأشعر بثقل آلامها وهمومها، وفي مرات قليلة سمعتها تشتكي الألم والوجع والمعاناة. ألم السجن ووجع المرض ومعاناة الحرمان. فيزداد وجعي وجعا.
وبرغم ما تخفيه من ألم عميق بداخلها فهي مواظبة على المشاركة في الاعتصام الأسبوعي، ودائمة الحضور في كافة الفعاليات واللقاءات المساندة للأسرى، رغم همومها ووجعها وبُعد سكناها وكبر سنها وتجاوزها السبعين عاما من العمر.
وبصحبتها تخطينا حدود طويلة وزرنا عواصم عربية واوروبية عديدة، ودخلنا الأمم المتحدة في جنيف ومؤسسات دولية واقليمية كثيرة، فأينما ذهبنا وجدناها حاضرة، وان تواجدت حضرت معها معاناة الأسرى ورسالتهم، فكانت خير من مثّل الأسرى وناب عن أمهاتهم. فلقد أضحت عنوانا لقضية الأسرى، وأما لكل المغيبين وراء الشمس بفعل السجان، فاستحقت لأن نطلق عليها “أم الأسرى“.
أم ضياء الفالوجي (الأغا): هي والدة الأسير “ضياء” من سكان خانيونس جنوب قطاع غزة والمعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يزيد عن سبع وعشرين سنة، ويقضي حكما بالسجن الفعلي المؤبد (مدى الحياة). وهو يُعتبر عميد أسرى قطاع غزة وأقدمهم في السجون الإسرائيلية.
أم ضياء: ومع انتشار فيروس “كورونا” وخطورته على صحة الانسان، وبعد أن طرق أبواب السجون وتخطى جدرانها ودخل أقسامها، باتت أكثر قلقا على صحة وحياة ابنها “ضياء” وباقي الأسرى. لقد فاض بها الالم، ولم تعد الكلمات تُعنيها، فهي لا تشفي غليلها ولا تطفئ نار شوقها. كما ولم تكترث لبيانات المؤسسات الدولية ومطالبات الجهات المحلية، فهي تريد أن تُكحل عينيها برؤية ابنها الأسير، وأن تسمع صوته للاطمئنان عليه في ظل تردي الأوضاع الصحية وعدم توفر مواد التنظيف وانعدام اجراءات الوقاية وتدابير الحماية، واستمرار الاستهتار الإسرائيلي بحياة وصحة الأسرى ووقف زيارات الأهل والمحامين.
“أم ضياء”: بفعل الزمن والسجن، أعمار مضت خلف القضبان وأسرى هرموا بين الجدران، ورحلت أمهات وآلاف أخريات يتابعن قلقا حال أبنائهن جراء “كورونا”، وينتظرن شوقا عودة أبنائهن بعد أن طال غيابهم، ويخشون الرحيل قبل عودتهم.
“أم ضياء”.. أنحني أمام صبرك وقوة تحملك، وأنت من صبرت دهرا. أما أنت أخي “ضياء”.. فعلينا جميعا أن نخجل من ضعفنا وعجزنا وعدم مقدرتنا على كسر قيدك وقيد اخوانك القدامى.
أم ضياء: كل عام وانت وأمهات الأسرى بألف خير. ونسأل الله العلي القدير أن يحفظك وأن يحفظ لنا أمهاتنا ويبارك فيهم ويرزقنا رضاهن عنا، وأن يطول بعمر أمهات الأسرى الأحياء أجمعين، وأن يحقق لهن حلمهن باحتضان أبنائهن أحرارا. ويقولون متى هو. قل عسى ان يكون قريبا.
عيد الأم: الذي يصادف في21 آذار/مارس من كل عام، كانت مناسبة ثقيلة على الأسرى وعوائلهم، فأصبحت حزينة وموجعة بفعل “كورونا”. فهي تزيد من ألمهم ألماً، ومن حزنهم حزناً. فلا الأسرى قادرون على الاحتفاء مع أمهاتهم في “عيد الأم”، ولا الأمهات بمقدورهن استقبال الهدايا عبر شبك الزيارة أو تلقي كلمات التكريم من خلال المراسلة والاتصال الهاتفي مع استمرار انعدام آليات التواصل ما بين الأسرى وذويهم بعد أن أوقفت سلطات الاحتلال زيارات الأهل والمحامين بحجة “كورونا” دون أن توفر البديل حتى اللحظة.
أما انت يا “كورونا”: فلترحل بعيدا عنا وعن أسرانا وعوائلهم. ارحل أيها “الوباء” القاتل واذهب بعيدا عن شعبنا، ورفقا بنا فيكفي ما فينا من ألم ووجع، فما عاد في الروح متسع، وما عاد بمقدورنا تحمل مزيدا من الوجع.
2020-3-21