الإرهاب الإسرائيلي واغتيال القادة الثلاثة في بيروت
د. غازي حسين
في الصباح الباكر من التاسع من نيسان عام 1973 أنزلت البحرية الإسرائيلية (30) جندياً إسرائيلياً من المغاوير والضفادع على متن زورقين جاؤوا من ميناء حيفا يرتدون الملابس المدنية و رسوا على هدى إشارات ضوئية صادرة عن صخرة في شاطئ بيروت، و بانتظارهم ست سيارات استأجرها عملاء الموساد من شركة Avis لتأجير السيارات.
وكان قد وصل إلى بيروت خمسة من رجال الأعمال الأوروبيين (وهم من عملاء الموساد) كل على حدة، واحد بلجيكي طار من فرانكفورت برفقة سكرتيرته مونيك براون أي ايهود باراك المتخفي بزي امرأة، وآخر ألماني جاء من روما، واثنان إنكليزيان طارا من فرانكفورت وفرنسي جاء من باريس. و استأجروا سيارات فخمة والتقوا في المساء في إحدى الأندية الليلية في بيروت، ثم استطلعوا الرملة البيضاء و بنايتين في شارع الفردان، ونقلوا في سياراتهم المستأجرة المجرمون من الجيش الإسرائيلي إلى حيث يسكن القادة الثلاث. ونفذوا جريمتهم البشعة واستشهد الشاعر الكبير كمال ناصر والشهيد القائد أبو يوسف النجار والشهيد القائد كمال عدوان. وبلغ عدد الشهداء (14) بما فيهم زوجة الشهيد أبو يوسف النجار.
نشرت الصحف العالمية في اليوم التالي لارتكاب المجزرة تفاصيلها وأكدت أن السكرتيرة مونيك رجل متنكر في زي امرأة وهو الإرهابي باراك. وكافأه الشعب الإسرائيلي على هذه المجزرة وجرائم الحرب التي ارتكبها بتعينه رئيساً للأركان ثم وزيراً للخارجية ورئيساً لمجلس الوزراء وزعيماً لحزب العمل. وترك باروكة الشعر التي كان يلبسها وكانت بحوزة المرحوم فخري ميعاري.
توجهت سيارات القتلة إلى العمارتين في شارع الفردان. وقتلوا على الفور بكاتم الصوت الحراس الثلاثة الذين صادفوهم في البنايتين. وكانت مونيك أي باراك التي ترشدهم إلى أبواب شقق الشهداء، لأنها (لأنه) أقامت في بيروت فترة من الزمن كصحفية أجنبية. وقامت المجموعة الإرهابية من الجيش الإسرائيلي بتفجير أبواب الشقق واتجهوا إلى غرفة نوم أبو يوسف النجار واردوه قتيلاً، وقتلوا زوجته. وقتلوا القائد كمال عدوان في شقة أخرى. ولكن عندما دخلوا غرفة الشاعر كمال ناصر الذي كان لا يزال ساهراً حمل مسدسه وقتل أحد المجرمين فقتلوه مع صديقته الإيطالية، و نسفوا في الوقت نفسه المقر العام للجبهة الديمقراطية.
وكانت المروحيات الإسرائيلية تحلق في سماء بيروت لدعم جريمة الحرب التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي داخل العاصمة اللبنانية. وهبطت إحدى المروحيات ونقلت أحد الجرحى وأحد القتلى والوثائق التي سرقوها من منازل القادة الثلاث. وألقت المروحيات المسامير على الطرق التي تؤدي إلى مكان هروب المجرمين اليهود إلى البحر، حيث كانت تنتظرهم قطع من بحرية الجيش الإسرائيلي.
استمرت الجريمة الوحشية نحو ساعة ونصف الساعة قتل خلالها الشهيد الشاعر كمال ناصر وحراسة الشهداء اثنين من المجرمين وجرح أربعة آخرين. وكُسرت يد أحد أفراد الموساد لإغلاق باب السيارة عليها.
واعترفت “إسرائيل” بوقاحة منقطعة النظير بأن المجزرة كانت من تخطيط الموساد وأعلنت كعادتها بالكذب والتضليل بأن الجريمة ليست إرهابية وإنما هي موجهة ضد المقاومة الفلسطينية في عقر دارها في بيروت. وجاءت هذه الجريمة الإسرائيلية الوحشية في نفس اليوم الذي ارتكبت فيه العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة مجزرة دير ياسين حيث أبادت سكان القرية جميعهم وبلغ عددهم 276 فلسطينياً.
تظهر هذه الجريمة والاغتيالات وجرائم قتل المدنيين وتدمير منازلهم في الحروب والاعتداءات على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وحملات الاعتقال والعقوبات الجماعية وتجريف المزارع والأشجار والإذلال اليومي على مئات الحواجز أن الجيش الإسرائيلي يفتقد إلى أبسط معايير الحس الإنساني والشعور الحضاري. ويتلذذ في قتل الأطفال والشباب الفلسطيني بإصابتهم في رؤوسهم وأعينهم وقلوبهم وترك الجرحى ينزفون حتى الموت بمنع رجال الإسعاف من الوصول إليهم. وبالتالي فإن الجيش الإسرائيلي أوحش وأحقر الجيوش على كوكب الأرض، حيث يمارس جنوده وضباطه جرائم القتل والحرق والاغتيال والتدمير والسلب والنهب بدم بارد تطبيقاً للروح الإجرامية و الاستعمارية والعنصرية التي غرستها في نفوسهم تعاليم كتبة التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون والأيديولوجية الصهيونية والكيان الصهيوني.
وجاءت جريمة اغتيال القادة الثلاثة لتظهر حرب الإبادة التي ترتكبها “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني وتثبت أن “إسرائيل” عبارة عن عصابة من الاستعماريين والعنصريين والإرهابيين ولا يمكن التعايش معها والاعتراف والقبول بها، وهي بمثابة غدة سرطانية خبيثة في جسد الأمة ومصيرها إلى الزوال.