اقتصاد حرب قبل الحرب لإعلان الحرب…هكذا الغرب
د. عادل سمارة
لا يسع المرء سوى اٌلإقرار بأن الإعلام المسيَّس وأغلبه مسيساً قاد إلى الإمساك بالوعي الجمعي عالمياً ليضعه في حالات من الإرباك والهلع وعدم اليقين.أما الصراع بين منظمة الصحة العالمية والإدارة الأمريكية حيث يدعم بيل جيتس الأولى بينما مدحها ثم هاجمها الرئيس الأمريكي عن معركة يغطي بها إدارته الفاشلة للأزمة إلى جانب هدفه لتجديد رئاسته بينما في مستوى آخر تعمل الصين على صراع هادىء.
وهذا يدفع للسؤال هل ستلجأ أمريكا إلى حرب إضافية أي عسكرية ولو محدودة كمخرج من الأزمة ولشد عصب الناخب الأمريكي والحفاظ على توابعها بغض النظر عن درجات التبعية؟
يحاول اقتصاديون قراءة الأزمة الحالية على ضوء المقارنة بالحروب، وخاصة الحربين الإمبرياليتين الأولى والثانية، حيث تم تحويل الإنتاج المدني إلى العسكري وبالتالي حصل التشغيل الكامل تقريبا واستعادت الأسواق نشاطها حيث وفرت الحكومات سيولة مالية للمستهلك.
ولكن ما يحصل الآن ليست حربا بعد، باستثناء الحرب التجارية. فالحرب تقتضي تحويل كبير للانتاج من المدني إلى الحربي، فهل هدف بعض الخبراء هو تحفيز تحويل الحرب التجارية إلى عسكرية؟ لا سيما أن وباء كورونا أعاق الحرب التجارية وغير منحاها.
فالإغلاق شل الإنتاج المدني وعدم قيام أمريكا بحرب موسعة يعني كساد الإنتاج الحربي رغم مساهمة حروب النفطيين والإرهابيين العرب والمسلمين في تشغيل لحد ما للمجمع الصناعي الحربي الأمريكي، وبالتالي وضع أمريكا خاصة بين خيارين صعبين:
- إما زيادة الاستيراد من الصين في فترة التوقف الأمريكي ولو مؤقتا أي فشل الحرب التجارية وتقديم خدمة للصين على مضض.
- أو فتح مجالات العمل ودفع ثمن ذلك مزيدا من الأرواح
هذا دون أن نهمل أن هناك عاملان وليس عاملا واحدا للتأثير:
- عامل الركود الاقتصادي المستمر على الأقل منذ 2008 مما يعني أن عودة الاقتصاد الأمريكي للعمل بوتائر عالية لن تكون عودة سريعة إلا بتدخل كبير من الدولة وهو التدخل الذي لا يحصل في الاقتصادات الرأسمالية إلا في حالات الحرب.
- وكما اشرنا عامل استمرار التوقف عن الإنتاج كقرار إداري مما يخدم الخصم.
فالمشكلة في أمريكا خاصة ومجمل الغرب أن قلة العرض هي غالبا بقرار وقف العمل وليس تغييره من المدني الى الحربي
المعضلة أمام هذه الأنظمة كامنة في نقطة التشابه فيما يخص دور الدولة بين حالتي الإغلاق والحرب مما يتطلب تدابير شبيهة بتدابير حالة الحرب أي وجوب اللجوء إلى الاستثمار الحكومي الضخم واستملاك الدولة للقطاعات الاستراتيجية وتوجيهها للقطاعات الإنتاجية وهذا الفارق بين الذهاب للحرب وتطبيق معايير كما لو كانت حربا وهذا ما لا ترغب هذه الأنظمة بعد على الذهاب إليه لأنه يعني تدابيراً أشبه بالإشتراكية.
وفي حين أن الجميع ، أي قوة العمل في قطاعات الإنتاج وحتى الخدمات، لا يعمل الآن بينما في اقتصاد الحرب فالجميع يعملون! في الواقع خلال الحرب العالمية الإمبريالية الثانية ، كانت هناك عمالة كاملة في الواقع حيث تم تحويل قوة العمل إلى آلة الحرب. بينما تتجه هذه الاقتصادات حاليًا إلى أكبر ارتفاع في البطالة وهذا ليس اقتصاد حرب.
لكن النقطة هي أنه بمجرد انتهاء عمليات الإغلاق الحالية للوباء ، فإن المطلوب لإنعاش الإنتاج والاستثمار والعمالة هو شيء، أي سياسة، يشبه اقتصاد الحرب إنقاذ الشركات الكبرى بالمنح والقروض حتى يتمكنوا من العودة إلى العمل كالمعتاد. لا يمكن صد هذا الركود إلا بتدابير شبيهة بوقت الحرب ، وهي الاستثمار الحكومي الضخم والملكية العامة للقطاعات الاستراتيجية وتوجيه الدولة للقطاعات الإنتاجية للاقتصاد
في عام 1940 ، أي بعد قرابة سنة على اشتعال الحرب العالمية الإمبريالية الثانية كانت استثمارات القطاع الخاص لا تزال أقل من مستوى عام 1929 وانخفضت بالفعل أكثر خلال الحرب. لذلك ، استحوذ قطاع الدولة على جميع الاستثمارات تقريبًا ، حيث تم تحويل الموارد (القيمة) إلى إنتاج الأسلحة وغيرها من الإجراءات الأمنية في اقتصاد الحرب. قال كينز نفسه إن اقتصاد الحرب أثبت أنه “يبدو أنه من المستحيل سياسياً على الديمقراطية الرأسمالية أن تنظم الإنفاق على النطاق الضروري لإجراء التجارب الكبرى التي ستثبت حالتي – باستثناء ظروف الحرب”
هذا يستدعي التساؤل. هل وقف العمل كما حصل في الولايات المتحدة كان مقصود به تقوية تدخل الدولة في الاقتصاد لتخلق مناخا يدعو للحرب؟ وهل ترى الادارة الأمريكية بأن حربا ما لا بد منها وقد تكون ضد إيران وليست الصين؟
هل تنفي هذا السيناريو صرخات الرئيس الأمريكي وجمهوره للعودة إلى الإنتاج لا سيما وهي الإدارة التي بدأت الحرب التجارية ضد الصين وترى أن وقف العمل يخدم الصين قبل غيرها؟
هنا يمكن السؤال: هل الزعم بأن الصين سبب الوباء ومطالبتها بتعويض العالم عن ذلك هو في حقيقة الأمر بناء تحالف عدواني عالمي ضد الصين كما حصل ضد العراق 1991؟ وهل العالم مهيأ لذلك؟
لا يبدو أن العالم مهيئا لذلك، ولكن مأزق الولايات المتحدة قد يدفعها الى حرب ما. وطالما أن اقتصاد الحرب يتطلب تدخل الدولة بقوة وتسييل أموال كثيرة في الاقتصاد، وهذه عمليا تحصل حيث يتم ضخ الأموال طرديا مع مستوى ثراء المستقبٍل كما أن تصريحات ترامب/و ضد حكام ولايات معارضة له هو اختبار قدرة إدارته على لعب دور ديكتاتوري هناك وهذا شرط هام للدخول إلى حرب.
هل هذا تهيئة للحرب؟
حول لي الصديق هاني برغوثي مقالاً لكاتب أمريكي يعمل في مؤسستين إعلاميتين هما الأهم في امريكا، يعزز ما أتصوره.
China Is Waging A New Kind Of War Against The U.S
مما ورد في مقال الكاتب لأن :”الصين قد طرحت بوضوح عام 1999 بأنها إن دخلت حربا مع الولايات المتحدة، فستكون حربا من نوع جديد… كما أن الرئيس الصيني الحالي أكسي جينبينغ أعلن في أكتوبر 2018، أنه بدأ “الحرب الجديدة لثلاثين سنة” مع الولايات المتحدة”
وبغض النظر عن دقة نقل الكاتب لحديث الرئيس الصيني أو موقف بلاده، فإن هذه اللهجة من الكاتب الأمريكي تؤكد بأنه يدفع باتجاه الحرب.
إضافة إلى دق طبول الحرب، فقد دق الكاتب طبول الحرب على اسس النظرية الاقتصادية الكلاسيكية حيث يرفض مقولة حرية التجارة، التي هي أساسا أكذوبة رأسمالية فهي لم تُمارس بشكل حقيقي سوى في حالة كونها تخدم المركز الرأسمالي:
“…بصرف النظر عن القوة الكبرى التي ترغب في السيطرة على شركائها التجاريين ، فقط أولئك الذين لا يعترفون ببدء الحرب سيواصلون الإصرار على “التجارة الحرة”
بهذه اللهجة فالرجل يعتبر الوضع الحالي هو حالة حرب.
هذا إلى أن يصل الكاتب إلى القول:
“؟… لقد أوضحت جمهورية الصين الشعبية أنها شرعت بالفعل في حرب – حرب غامضة غير متبلورة من نوع القرن الحادي والعشرين … هذه الحرب ، بالنسبة لجمهورية الصين الشعبية ، كما لوحظ ، يهيمن عليها نمط تفاعلي قوي من عوامل الهيمنة السكانية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والمعلومات ، إلى جانب العوامل العسكرية… وفي الحقيقة، فإن الصين الشعبية تأمل بأن تكسب الحرب قبل أي لجوء إلى الصدام العسكري الفعلي”.
طبعاً يتحدث الكاتب عن ضرورة محاصرة اقتصاد الصين وعدم بيعها الغذاء وتقوية وترميم تحالفات امريكا…الخ.
بيت القصيد أن هذا التوجه هو عدوني ويرى الحرب مخرجا من الأزمة بمستويين:
الأول كمخرج من الأزمة عبر تقوية دور الدولة بالطبع
والثاني: قطع صعود الصين بأي ثمن.
وعليه، قد يكون لنا وجوب الاستنتاج بأن الغرب الرأسمالي قد يرى الحرب كضرورة. ومن المفارقة أن أحد دوافع الغرب للحرب هو القلق من صعود الصين، وأحد كوابحها لأن الصين كأمة كبيرة وسوق ذاتي واسع قد تمكنت من بناء قوة اقتصادية للحاجات الأساسية وقوة تكنولوجية وربما حربية كافية.
بقي أن نشير إلى إشكاليتين أخريين في طريق الحرب الأمريكية وهما اللتين تدفعان السلطة هناك لتقوية دور الدولة إلى حد شمولي وهما:
- أن العمال هناك أدركوا أهميتهم حين الإغلاق على أنهم مصدر العيش للجميع
- وهذا يقوي النزوع الشعبي ضد الراسمالية وضد الحرب مما يجعل العدوان ضد الصين عامل إعادة تماسك داخلي.
ربما، نعم ربما.