العراق ضحية الترتيبات المذهبية والعرقية والمحاصصة
د. عبد الستار قاسم
أهل العراق لا يستطيعون تشكيل حكومة، وإن شكلوها فإنها لن تدوم طويلا. والسبب لا تحتاج معرفته إلى عناء كبير: إنها المذهبية الطائفية والعرقية المقيتة. استسلم أهل العراق للترتيبات السياسية الخاصة بتوزيع المناصب العليا في البلاد والتي خطها الأمريكيون بعد غزوهم العراق والسيطرة عليها. لقد أسس الأمريكيون للخصومات الطائفية والفرقة والنزاعات بين أبناء الشعب العراقي كما فعل الفرنساويون في لبنان، وانساق العراقيون وراء هذا الترتيب الذي يمزق ولا يوحد، ويباعد ولا يقرب، ويزرع البغضاء والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
لم يستفد العراقيون من التجربتين اللبنانية والفلسطينية. تبنت التجربتان سياسة المحاصصة، وفشل الطرفان، أو على الأقل تمت عرقلة التطلعات اللبنانية والفلسطينية والإساءة في كثير من الأحيان لآمال الناس وطموحاتهم. ما زال اللبنانيون يتمسكون بالتخلف الطائفي الذي يصر على المحاصصة، وما زالت منظمة التحرير الفلسطينية متمسكة بالمحاصصة بين الفصائل والتي أدت إلى العديد من الاقتتال الداخلي الفلسطيني.
المحاصصة مدمرة ومخربة ويجب رفضها ونبذها وإخراجها نهائيا من الترتيبات السياسية الخاصة بإدارة شؤون البلاد. وهي كذلك لأنها:
أولا: تمزق الناس ولا تجمعهم وهي تبث الوعي الطائفي والمذهبي والعرقي، وتنبه من كان غافلا عنها أو غير مكترث بها لمراجعة حساباته ليكون جزءا من الصراعات الداخلية.
ثانيا: المحاصصة عنصرية لأنها تميز بين مواطن وآخر، وتقدم امتيازات لفئة على حساب أخرى. وبالتالي يتحول التعامل بين أبناء الشعب الواحد من فكرة المواطنة والتضامن والتكافل إلى الجنوح نحو الحسد والبغضاء والاستبعاد والاستهتار.
ثالثا: تعمل المحاصصة الطائفية والعرقية والمذهبية على إقصاء الكفاءات والخبرات العلمية والعملية والإنجازات الخاصة بالأفراد. يتم استبعاد المبدعين القادرين لصالح العاهات المحسوبة على طائفة دون أخرى أو، كما في الحالة الفلسطينية، المحسوبة على تنظيم معين.
رابعا: تتغذى المحاصصة على الفكر والفلسفات الاجتماعية والسياسية والنظريات الاقتصادية التي ثبت ضرورتها وحيويتها في بناء الدول والمجتمعات. لا وزن ولا قيمة لآراء المفكرين والمثقفين والمنظرين في مجتمعات المحاصصة إن لم يكونوا طائفيين أو عرقيين. وهذا طبعا ينطبق على محاصصة الأحزاب كما في الحالة الفلسطينية التي لا ترى قيمة لأي قدرات علمية وفكرية إلا إذا كانت من داخل التنظيم.
خامسا: تنظر ترتيبات المحاصصة عادة إلى مواقف المذهبيين الطائفيين لتقييم السياسات التي من الممكن أن تتبناها. وعادة تتبلور مواقف الطائفيين وفق ما يرونها أنها مصلحتهم، أي ان المصلحة الخاصة لها أولوية حتى لو تضاربت مع المصالح العامة. وبذلك تتحول الدولة إلى دولة مصالح عرقية وطائفية، وليذهب بعدها من لا يلتزمون بهذه المحاصصة إلى الجحيم. ظلم كبير يقع على المجتمع ككل، وبالأخص على الذين يؤمنون بالوحدة والمصالح العامة. أصدقاء المصالح العامة منبوذون قطعا، ولا دور لهم، ومن المحتمل جدا أن يتعرضوا للملاحقة والاضطهاد والتشهير والإساءات. المذهبيون والطائفيون والعرقيون والمنغلقون تنظيميا لا دين لهم، ولا تتوفر لديهم منظومات قيمية وأخلاقية سوى تلك التي تخدم مصالحهم.
أهل العراق يتمسكون بهذا الترتيب الغبي الذي أراده الأمريكيون من أجل شل العراق إلى الأبد، وإخراج الشعب العراقي من دائرة تقرير المصير والاستقلال والسير قدما نحز حياة تتطور وتتقدم بسواعد عراقية. ولا أخال أحدا في العراق يستبعد الدور الصهيوني في تقسيم العراق إلى سني وشيعي وعربي وكردي وأشوري وكلداني وأيزيدي، الخ.
أيها العراقيون: أنتم عراقيون أولا وأخيرا، وأنتم تنتمون إلى أمة عريقة ذات تاريخ مجيد، وقد ساهمتهم مساهمة فعالة في بناء حضارتها وأمجادها وصد العدوان عنها. وأنتم الآن أمام مسؤولية تاريخية، فلا تدعوا أنفسكم أمام مهزلة لا يقبلها التاريخ العراقي والعربي والإسلامي.
فأين الحل؟ يكمن الحل في تقديري في حظر كل التكتلات الطائفية والمذهبية والعرقية السياسية واستعاضتها بجمعيات، وتشجيع تشكيل أحزاب برامجية عامة. يصعب على الأحزاب الفكرية والبرامجية أن تنال ثقة الجمهور بعد كل هذا الضخ الطائفي والمذهبي في العراق، لكن التأسيس ضروري ليصبح جزءا من التركيبة النفسية والتربوية العراقية، ومع الزمن يتطور التفاف الناس حولها. ولكن يجب أن نأخذ بالاعتبار أن البرامج الحزبية المغلقة ضارة كالطائفة، ومن المفروض وضع قواعد أخلاقية غير عنصرية لتشكيل هذه الأحزاب. والأحزاب الفكرية والبرامجية تشكل كوابح للشراهة الطائفية في السيطرة.