المصالحة والمفاوضات والتوطين وزوال “إسرائيل”
د . غازي حسين
على الرغم من أهمية ماجرى في القاهرة من مصالحة بين حركتي فتح وحماس وتوقيع جميع الفصائل برعاية المخابرات المصرية الوثيقة المصرية للمصالحة في شباط 2012 ووثيقة تنفيذ المصالحة بين حماس وفتح بمشاركة جميع الفصائل في شباط 2013 وعلى الرغم من توقيع إعلان القاهرة لتفعيل وتطويرمنظمة التحرير الفلسطينية في 2005 ووثيقة الوفاق في 2006 واتفاقي مكة وصنعاء وإنجازنظام انتخاب المجلس الوطني بعمان في آيار 2013وتشكيل حكومة رامي الحمد الله بعيداً عن حكومتي الانقسام في الضفة والقطاع إلاّ أنَّ الشارع الفلسطيني وبشكل خاص في المخيمات غيرمرتاح لما جرى ويجري من عدم الصدقية ومن تضليل وخداع للشعب والأمة لاستمرار قيادة فتح بالتمسك بالسلطة في رام الله وقيادة حماس للتمسك بها في غزة . ويشكك الشعب الفلسطيني في إمكان تحقيق المصالحة وفي القيادة التي وقعتها ويطالب بالعودة إلى المقاومة بكافة أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة , وتحرير فلسطين التاريخية من الاستعمار الاستيطاني العنصري وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإقامة الدولة الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني لكل مواطنيها بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق أو القومية من رأس الناقورة حتى رفح ومن النهر حتى البحر .
أبدت النخب السياسية والثقافية والشعبية عدم ارتياحها بل ورفضها لمحاصصة واتفاقات الكوتا واتفاق الدوحة والمفاوضات التي جرت في عمان بواسطه أردنية وكأنَّ الأردن لايمتُّ إلى قضية فلسطين بصلة ليتوسط بين رئيس السلطة المنتهية ولايته ونتنياهو.
وظهربجلاء أنَّ الأردن يقوم بهذا الدورلقاء المساعدات المالية والعسكرية التي يتلقاها من واشنطن وآل سعود وآل ثاني ونهيان على حساب الحقوق الوطنية غيرالقابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني وعروبة القدس.
كان هدف مفاوضات عمان العودة مجدداً إلى المفاوضات العبثية التي خدمت دولة الاحتلال وتسعير حمى الاستيطان وزيادة المآسي والويلات التي أنزلتها “إسرائيل” بالشعب الفلسطيني والتي أضاعت القدس والأرض والمياه والحقوق وزادت من الاضطهاد و الإذلال و الفقر و التخلف والعذابات التي لحقت الإنسان الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها وفي بعض البلدان العربية.
إنَّ عدم الصدقية في توقيع اتفاقات المصالحة وإعادة بناء وتفعيل وتطوير منظمة التحريرومؤسساتها وسفاراتها على أسس ديمقراطية وتآكل الموقفين الرسميين الفلسطيني والعربي جراء توقيع اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وجرَّاء المفاوضات العبثية برعاية يهود الإدارات الأمريكية ألحق ذلك كله أضراراً فادحة بثقة الشعب والأمة في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وجامعة الدول العربية .
وجاء توقيع اتفاق الدوحة بين فتح وحماس وبصمت عليه ما تسمى نفسها بفصائل منظمة التحرير في غمرة التدخل القطري في الشأن الداخلي السوري وزيادة سفك الدم السوري وتدمير مؤسسات الدولة السورية واستدعاء جامعة الدول العربية لتدخل الناتو أو التدخل العسكري الأمريكي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كما فعلت الجامعة العربية وآل سعود وثاني ونهيان في ليبيا .
ويعتقد العديد من الفلسطينين بأنَّ هدف قيادتي فتح وحماس من إجراء المصالحة بالقاهرة في عهد الرئيس المخلوع مبارك كافٍ لإرضاء واشنطن والطاغية المخلوع مبارك وملء الفراغ خشية اندلاع انتفاضة شعبية ثالثة وربما إجراء الانتخابات بعد أنْ وصلت قيادة السلطة الفلسطينية إلى الطريق المسدود في المفاوضات العبثية التي أدت إلى تآكل الموقفين الرسميين الفلسطيني العربي وتنازلهما حتى عن قرارات الشرعية الدولية وتفشي الاستيطان كالغدة السرطانية الخبيثة في الوطن الفلسطيني .
ويعتقد العديد من أبناء شعبنا الفلسطيني أنَّ اتفاقات المصالحة مجرد كلام فقط لملء الفراغ السياسي وخداع الشعب والأمة وكسب الوقت على حساب المقاومة وحقوق الشعب بعد أنْ تذوقت قيادات فتح وحماس طعم السلطة ومناصبها وامتيازاتها وأموالها وإغراءاتها.
وأخذنا في فصائل المقاومة نردد كالببغاوات ونطالب بتنفيذ اتفاق القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق 2006 واتفاقات المصالحة 2011 و2012 و2013 .
وأدت مواقف جميع القيادات الفلسطينية هذه إلى تفريغ منظمة التحرير الفلسطينية من مضمونها كحركة تحرروطني وحركة مقاومة تأسست للالتزام بالميثاق الوطني وإعادة اللاجئيين إلى ديارهم ,لأنّ قضية فلسطين القضية المركزية للأمة وجوهرالصراع , وأنَّ حق العودة جوهرالقضية الفلسطينية .
وظهرللمواطن الفلسطيني بجلاء أنَّه لم يتبلورشيئ على أرض الواقع من حديث قيادات فتح وحماس عن الوحدة الوطنية والمصالحة والاتفاقات الموقعة ونتائج المفاوضات العبثية واتفاقات الإذعان التي انبثقت عنها في أوسلووالقاهرة وواي ريفرووصلت مكانة الإنسان الفلسطيني إلى أسوأ أحوالها وقضية فلسطين إلى المفاوضات الجارية حالياً برعاية اليهودي المتعصب والمؤيد لإسرائيل مارتن أنديك.
أدت الفردية والاستبداد وهيمنة الفرد الواحد والتنظيم الواحد وفقدان القيادة الجماعية والأسس والمعايير الديمقراطية , وإلغاء الميثاق والمقاومة المسلحة واستمرار المفاوضات برعاية أمريكا الحليف الاستراتيجي للعدو الإسرائيلي وانتشار الفساد والإفساد والتنازل عن الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف لشعبنا الفلسطيني إلى تفريغ منظمة التحرير ومعظم الفصائل الفلسطينية من البرنامج الوطني المقاوم الذي أجمع عليه الشعب وأجمعت عليه الأمة.
وترسّخ التعاون الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية وأجهزة العدوالمحتل برعاية المخابرات المركزية للدفاع عن المستعمرين والمستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجنرال كيت دايتون أنموذجاً على ذلك.
لقد وصلت مؤسسات و سفارات ومكاتب منظمة التحرير الفلسطينية والاتحادات المهنية والمنظمات الشعبية إلى مرحلة التآكل و التكلس والجمود و التحجر و الاهتراء وتفتقد جميعها إلى احتواء ومشاركة جيل الشباب والمرأة والمعايير والأسس الديمقراطية .
انبثقت السلطة الفلسطينية عن اتفاق الإذعان في أوسلو عام 1993 وعن اتفاق القاهرة لتنفيذه عام 1994 وهيمنت فتح على السلطة وأموالها في الضفة والقطاع .
واستولت حماس بالقوة على السلطة في غزة وتمسكت بها و بالمفاوضات التي أجراها و يجريها رئيس السلطة , و أغرتها السلطة ومناصبها وامتيازاتها كما أغرت قيادة فتح من قبلها .
وابتعدت الحركتان عن المقاومة المسلحة ويعتمد زعيم حماس حالياً المقاومة السلمية لأشرس استعمار استيطاني ونظام عنصري و إرهابي ظهر في تاريخ البشرية.
إنَّ أبسط المفاهيم والأسس الديمقراطية تتطلب فصل السلطة عن رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريروعن رئاسة الحكومة فالجمع بين أهم المناصب القيادية بيد قائد يؤمن بأنَّ البديل عن فشل المفاوضات هواستمرارالمفاوضات وأنَّ الحياة كلها مفاوضات وأنَّ عمليات المقاومة المسلحة عمليات قذرة يلحق أوخم العواقب بالقضية الفلسطينية وبالمواطن الفلسطيني .
ويقود إلى التوطين والوطن البديل والكونفدرالية وتحويل الأردن إلى وطن للفلسطينيين وإقامة اتحاد اقتصادي إسرائيلي – فلسطيني – أردني على غرار اتحاد بينلوكس كمقدمة لإقامة نظام الشرق الأوسط الجديد .
ويتساءل المواطن الفلسطيني عن الهدف من اقتسام السلطة التي أقامتها دولة الاحتلال بموجب اتفاق الإذعان في أوسلو عن توقيع اتفاقات المصالحة وعدم تحقيقها وتوقيع اتفاق الدوحة واعتماد فتح وحماس المقاومة السلمية والتزام الأخيرة بالتهدئة مع العدو المحتل في قطاع غزة والموافقة على إقامة دولة في الضفة والقطاع فقط , وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم.
لقد اقترح التقرير الذي وضعته أجهزة المخابرات الإسرائيلية ورفعته إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر(أي المطبخ) برئاسة نتنياهو أنّ توقّيع فتح وحماس على اتفاق الحل النهائي إذا اقتربت حماس من اتفاق أوسلو, ولا ضرورة لتمسّك “إسرائيل” باعتراف حماس بشروط الرباعية الدولية.
وكانت قيادة حماس قد تبنّت أمام قادة الفصائل الفلسطينية في القاهرة ودمشق والدوحة ” المقاومة السلمية” والمحافظة على التهدئة في قطاع غزة حيث اعترف خالد مشعل في حفل توقيع اتفاق المصالحة بالقاهرة أنَّه أعطى عباس عشرين عاماً للتفاوض ويعطيه عاماً آخرللاستمرارفي المفاوضات .
فإلى أين ستقود المصالحة بين فتح وحماس والتي وافقت عليها الفصائل الفلسطينية ؟؟؟
هل ستقود إلى توقيع الحل النهائي وإنهاء الصراع مع حكومة نتنياهوالأكثر فاشية من الحكومات الإسرائيلية السابقة في تاريخ الكيان الصهيوني؟
إنَّ المفاوضات الفلسطينية الجارية حالياً بموجب مقترحات جون كيري المؤيد القوي لإسرائيل هي مقترحات إسرائيلية مأخوذة من المقترحات التي وضعها معهد الأمن القومي اليهودي في جامعة تل أبيب وبتغطية وتسويق من جامعة الدول العربية بشكل خاص آل سعود وثاني ونهيان.
إنّنا نؤمن بوحدة الأراضي والشعب والقضية وبعودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وبعودة منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية إلى الميثاق الوطني وخيار المقاومة وزوال “إسرائيل” ككيان استعمار استيطاني ونظام عنصري وإرهابي وإقامة الدولة الديمقراطية والعلمانية في كل فلسطين للعرب واليهود ولكل المواطنين فيها حيث يتساوون فيها أمام القانون وبغض النظر عن الدين أو اللون أو القومية أو العرق .
وهكذا تزول “إسرائيل” كبؤرة لإشعال الحروب العدوانية وارتكاب المجازر الجماعية والتطهير العرقي وارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وكأكبر غيتو يهودي عنصري وفاشي غريب عن الشرق الأوسط ودخيل عليه , ونشر الخراب والدمار والتخلف وعرقلة التنمية والتطور والسلام العادل والشامل و تفتيت البلدان العربية وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد ووضع ويضع العالم على حافة الحرب العالمية لتحقيق هيمنة الصهيونية العالمية على العالم.