صفعةٌ فدفعةٌ فرصاصٌ فأشلاء
رانية مرجية
الفرحةُ تزغردُ في عيونِهما، كيف لا، وهُما أخيراً سيرتبطان بعقدِ زواجِهما المقدّس.. أخيراً سيضُمُّها وتضمُّهُ، سيُقبِّلُها وتُقبِّلُهُ.. هي أيّامٌ قليلةٌ ومعدودةٌ فقط، وكلُّ القريةِ ستحتفلُ بعرسِهِما الفلسطينيّ.. عشرُ سنواتٍ مرّتْ في انتظارِهِ، وما ملّتْ من الانتظار، فقد أحبّتْهُ لدرجةِ العبادةِ، وجعلتْ صورتَهُ أيقونةَ خلودٍ علّقتْها على صدرِها. ذهبتْ إلى القدسِ لتصلّي في المسجدِ الأقصى صلاةَ شكرٍ وامتنانٍ لبارئ الكونِ المتحنّنِ عليهِما باللّقاءِ والزّواجِ، لكنّها تأخّرَتْ عن موعدِ عودتِها.
مرّتِ السّاعاتُ ثقيلةً باردةً، وباتَ القلقُ يُراودُ والدتَها.
– اهدئي، وصلّي على النّبيّ.. أنتِ تعرفينَ بناتِ اليوم.. إنها ستعودُ.
– لكن الطّوقُ الأمنيُّ، والحواجز، و…
– معَها تصريحٌ فلا تقلقي.
بَلعَت ِالأمُّ جمرةَ قلقِها كحبّةِ دواءٍ مُرٍّ كاويةٍ.
-أين أنتِ يا ابنتي؟ أينَ أنتِ؟
التّلفازُ “الإسرائيليُّ” في نشرةٍ إخباريّةٍ عاجلةٍ.. مَفادُ الخبر:
قامَ جنديُّ على حاجزِ القدسِ بإطلاقِ النّارِ على سيّدةٍ فلسطينيّةٍ في عِقدِها الثّالثِ، يُشتبهُ أنّها دخلتْ مدينةَ القدسِ لتنفيذِ عمليّةٍ تفجيريّةٍ بِحق ِّمواطنينَ مِن “اليهودِ الأبرار”!
على الحاجزِ حاولَ الجنديُّ إرغامَها على التّعرّي لاستفزازِها، كما يَجري عادةً على الحواجز، وقد وضعَ يدَهُ على صدرِها محاولاً إلصاقَ جسدِهِ بِجسدِها، فصفعتْهُ ودفعتْهُ عنها، فأرْداها قتيلةً، بعدَ أنْ أفرغَ رصاصَ حِقدِهِ ونقمتِهِ بِجسدِها النّحيلِ الممشوق.
أمّا خطيبها، فقد غادرَ زنزانتَهُ الّتي لبسَها عشرَ سنواتٍ، وكم كانَ مغموراً بِحُلمِهِ بها، وبالارتِماءِ بأحضانِها أخيراً في بيتِهما الزّوجيِّ، إلاّ أنّه فُجِعَ بقتلِ حبيبتِهِ الّتي طالما انتظرَها.
وكانَ مَصابُهُ جللاً، وقرّرَ أن يغادرَ قريتَهُ، بعدَ أن تَمّتْ مراسيمُ الدّفنِ، وبعدَ أن قدّمَ واجبَ العزاءِ، توجّهَ إلى قبرِ حبيبتِهِ ليمضيَ ليلتَهُ بطولِها بِجانبِ قبرِها.
اختفى، واختفتْ آثارُهُ في حبِّهِ السّرمديِّ.
في الصّباح حَملتِ النشرةُ نبأَ عمليَّةٍ استشهاديّةٍ كبيرةٍ في مدينةِ “نتانيا”، أسفرتْ عن مقتلِ خَمسة وعشرين من “الإسرائيليّين”، كانَ معظمُهُم مِن المجنَّدينَ والمجنَّداتِ.
منُفِّذُ العمليّةِ أشلاؤُهُ مِزقاً.. مجهولُ الهويّةِ.