أزمة الرسوم الجامعية بقطاع غزة تعود للواجهة
وسام زغبر
ما تزال قضية الرسوم الدراسية في بعض جامعات قطاع غزة عالقة رغم جائحة كورونا التي بموجبها جرى تعليق العمل في الجامعات ومعاهد التعليم العالي الفلسطينية جراء حالة الطوارئ المعلنة من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 5 آذار (مارس) الماضي.
قضية الجامعات وتسديد الطلبة الرسوم الدراسية تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، إلا أن هذه المرة طفت قضايا جامعات عدة أبرزها، «الأزهر» و«فلسطين» و«الإسلامية» والتي بموجبها تمنع الجامعات الفلسطينية طلبتها الذين لم يسددوا رسومهم كاملة أو بحدود الـ(12) ساعة دراسية، من الحصول على خدمة «التعليم عن بعد» في تلقي المحاضرات والأنشطة، التي طرأت على حالة التعليم مع تفشي فيروس كورونا.
ولم تكتف بعض الجامعات بذلك بل اتجهت نحو شطب التسجيل المبكر للطلبة الغير مسددين لرسومهم، فيما جامعات أخرى تحدد فترة زمنية خلال العام الدراسي بما لا يتجاوز منتصف الفصل الدراسي لتسديد الرسوم الدراسية كاملة.
وبدأت الأزمة المالية في الجامعات الفلسطينية بقطاع غزة مع بدء الانقسام الفلسطيني في صيف عام 2007 واشتدت وتيرتها في العام 2013 وتتواصل حتى الآن على وقع إبر التسكين دون أية حلول مجدية، والتي انعكست بالسلب على سير العملية التعليمية في الجامعات والمعاهد الفلسطينية بالقطاع، تارة بتخفيض الرواتب للموظفين، ومنع الطلبة من الدخول لقاعات الامتحانات أو حجز شهاداتهم تارة أخرى، مما بات يهدد عمل الجامعات بانتظام والتي تواجه بعضاً منها خطر الإغلاق.
وتصنف جامعات قطاع غزة ما بين جامعات عامة كالجامعة الإسلامية والأزهر، وجامعات خاصة كجامعة فلسطين، وجامعات حكومية مثل جامعة الأقصى.
أزمة مالية خانقة
وأوضح الأستاذ الدكتور أحمد التيان رئيس جامعة الأزهر بغزة، أن الجامعة تعاني أزمة مالية خانقة منذ سنوات، في حين أثرت جائحة كورونا بشكل سيء على إدارة تمويلها كون الرسوم الدراسية تعتبر المصدر الأساسي لتمويل نشاطاتها إضافة للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها سكان قطاع غزة.
وشدد التيان في تصريحات صحفية، قائلاً: «نريد أن تكون جامعتنا كعادتها نموذج للنجاح والتميز، فنتائج عملية التعليم الالكتروني التي تخوضها الجامعة ستكون محط أنظار المؤسسات التعليمية الأخرى، بالرغم من كل المعيقات والجهود المضنية التي تبذل لخدمة الطلبة وإعلاء شأن الجامعة».
والتزمت جامعة الأزهر بغزة بإعلان حالة الطوارئ بالتزامن مع الإجراءات الوقائية للحماية من «كورونا» وأغلقت أبوابها وأطلقت نظام التعليم الإلكتروني عبر بوابة تسمى «موديل» يتم من خلالها نشر محاضرات مصورة من قبل الكادر الأكاديمي والتواصل مع كافة الطلبة بهدف الحفاظ على جودة التعليم الذي تتميز به الجامعة في فلسطين.
إرجاع جزء من الرسوم
ويشتكي الطلبة الجامعيون من أن الجامعات الفلسطينية تأخذ رسوماً إضافية مقابل تقديم خدمات للطلبة، ولكن تلك الخدمات لا تكاد تلبي مصالح الطلبة.
وقال المختص التربوي الأستاذ محمد الحطاب إن الجامعات الفلسطينية مُلزمة بإرجاع جزء من الرسوم الدراسية للطلبة، نظراً لعدم اكتمال الخدمات الجامعية التي كان من المتوقع أن يتلقاها الطالب خلال الفصل الدراسي الحالي.
وأوضح الحطاب أن الجامعات وفرت مصروفات تشغيلية كفيلة بإرجاع جزء من رسوم الطلبة، تتمثل في توفير المحروقات والكهرباء والخدمات اللوجستية، ودمج الشُعب وتوفير المحاضرين بالساعة وغيرها. مبيناً أن كل هذه المبررات تدفع أن يكون هناك التزام وطني وأخلاقي تُعلن الجامعات من خلاله إرجاع جزء من الرسوم الدراسية للطلبة في رصيدهم للفصل القادم.
وبين أكاديمي في الجامعة الإسلامية رفض الكشف عن اسمه لـ«الحرية»، أن الجامعة الإسلامية تقف إلى جانب الطلبة وحقهم في التعليم، حيث جمدت الجامعة المستحقات السابقة وسمحت للطلبة بدفع رسوم الساعات المسجلة كاملة. لافتاً إلى أن الجامعة تراعي الحالات الاجتماعية للطلبة الفقراء وغير المقتدرين، وتوفر لهم عددا من المنح الدراسية التي تغطي جزءاً من الرسوم.
تفعيل صندوق الطالب
من جهته، طالب مسؤول المكتب التنفيذي المركزي في كتلة الوحدة الطلابية بجامعة الأزهر فؤاد بنات، الجامعات الفلسطينية بمراعاة الأوضاع الصعبة التي يمر بها الطلبة في ظل حالة الطوارئ، والسماح بدفع ست ساعات دراسية كحد أدنى. داعياً الحكومة الفلسطينية ووزارة التعليم العالي لتحمل مسؤولياتهما اتجاه الطلبة وتعويضهم مالياً في ظل أزمة كورونا.
ودعا بنات في حديث لـ«الحرية» إلى تفعيل صندوق الطالب الجامعي. مضيفاً: «نحن نقف إلى جانب الطلبة وحقهم في التعليم ولا سيما الفقراء والطلبة الغير مقتدرين على دفع رسومهم الدراسية».
وشدد بنات على أن الحق في التعليم هو عامل مهم من عوامل التنمية البشرية والتنمية المستدامة، وأداة فاعلة في زيادة رأس المال البشري، ويُساهم في تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويُسهم في تعزيز استقرار المجتمعات، الأمر الذي يتطلب من الجهات كافة الشروع في تدخلات إستراتيجية فاعلة وعاجلة.
وبين بنات أن جامعتي فلسطين والأزهر تشترط لطلبتها دفع رسوم 12 ساعة بحد أدنى، فيما الجامعة الإسلامية ترفض تسجيل الطلبة دون دفع كامل الرسوم الدراسية.
وشدد بنات على أن كتلة الوحدة الطلابية منذ بدء أزمة الجامعات تواصلت مع عمداء شؤون الطلبة لدفعهم إلى مراعاة ظروف الطلبة خلال هذه الفترة العصيبة ووضع تسهيلات لهم، منوهاً إلى أنه في حال لم تستجب إدارات الجامعات ستتحرك الأطر الطلابية بخطوات تصعيدية أمام أبواب الجامعات لإجبار إداراتها للانصياع لمطالب الطلبة وحقوقهم العادلة.
واستنكرت الحملة الوطنية للمطالبة بتخفيض الرسوم الجامعية قرار جامعة الأزهر بغزة، بإلغاء التسجيل المبكر لآلاف الطلبة الغير مسددين لأقساطهم الجامعية، والذي بموجبه لن يتمكن الطلبة من تقديم امتحاناتهم النهائية للفصل الدراسي الثاني والالتحاق بمسيرتهم التعليمية. مطالبة إدارات الجامعات بالوقوف عند مسؤولياتها المجتمعية تجاه طلبتها والسماح للطلبة غير القادرين على تسديد الرسوم تقديم الامتحانات الفصلية واستكمال تعليمهم الجامعي.
وأضافت الحملة في بيان لها، أنها «تتفهم الضائقة المالية التي تعاني منها جامعة الأزهر وعموم الجامعات الفلسطينية»، داعية لإقرار صندوق وطني لدعم الطالب الجامعي، سيما في ظل هذا الواقع المأساوي، وغياب السياسات الحكومية الداعمة لحقوق الطلبة الجامعيين.
الأسباب المباشرة للأزمة
وأوضح مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن الأسباب المباشرة لأزمة مؤسسات التعليم العالي يعود إلى تراجع التحصيل المالي كبدل رسوم دراسية ليصل إلى (25-30%) فقط، وتدني نسبة الإنفاق الحكومي، وشح المصادر التمويلية الثابتة. كاشفاً عن غياب الضمانات الحكومية لإقامة نظام للقروض لمساعدة الطلبة المتعسرين مالياً على مواصلة تعليمهم العالي على أن تُحصل الديون بعد حصول الخريج على فرصة عمل.
وقال المركز في تقريره السنوي إن «استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والضغوط المفروضة على مؤسسات التعليم دون تدخلات حكومية ووقفة جادة من كافة الأطراف، سيرفع عدد المحرومين من التعليم العالي و سيؤدي لتراجع جودة التعليم». داعياً لخلق آلاف فرص العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة وغير الحكومية والعمل على تفعيل صندوق إقراض المشاريع الصغيرة للشباب.
ورصد التقرير وجود انخفاض في نسبة خريجي طلبة التعليم العالي من الإناث، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، ما يشير إلى وجود تحديات تحول دون تخرجهن و استكمال تعليمهن. وبين التقرير أن عبء سداد الرسوم المالية، يقع على عاتق الطلبة وعائلاتهم. موضحاً أن الأزمة المالية التي تمر بها عائلات الطلبة تجاوزت الطلبة أنفسهم، ووصلت إلى المؤسسات التعليمية وتسببت بشح في مصادر التمويل الكافية والثابتة. وأشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتردية، تسببت في خلق أزمة بسوق العمل، أدت إلى زيادة نسبة البطالة في صفوف الخريجين.
وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى ارتفاع معدل البطالة في جميع التخصصات التي تدرّس حالياً في مؤسسات التعليم العالي في قطاع غزة إلى (77%)، والقوى العاملة في قطاع غزة ما نسبته (52%)، وفي صفوف الشباب وفق الفئة العمرية (18-29) عاماً لـ(69%)، في حين يعتمد ما نسبته (80%) من السكان على المساعدات من جهات مختلفة، وتصل نسبة انعدام الأمن الغذائي لـ(70%)، فيما تخرّج الجامعات سنوياً ما بين (10-15) ألف طالب وطالبة من مختلف التخصصات يتنافسون على نحو (100) فرصة عمل فقط.