مَلِكي ومُلكي ومملكتي
كتب الدكتور سمير محمد أيوب
في حوار معها ( ألجزء ألثالث والثلاثين )
مُلْكي ومَلِكي ومَمْلَكَتي
جَلَسَتْ بِمحاذاتي . تشتكي حَزَناً يَحتَلُّها . تريد أن تُفرغ شحنةَ وجعٍ تُؤلِمُ روحَها ، وتقض مَضْجَعَها . تريدُ أن تبكي . و لكنها تستنكر شُحَّ المدامع .
تعلم بأن دموعا عابرة ، قد تتسلل كنعمة ، في أوقات الضعف ، وأن تتطفل على حِمى القوة . ومع هذا ، فهي لا تُحِبُّ الضعفَ . بل وتَستحي أن توسَمَ بِه .
قلت لها : وإنسانيُّك ؟ أنسيت بأن لا ضرر في ألَمِ الحَزَن ؟ إنه في حياة تمورُ بموجٍ ، كَمَدِّ البحرِ ، دليلُ بَشَرِيَّتِنا وإنسانيتنا . ولا خجل في بعض الدمع الحزين ، بل الخجل في أن يطول الحَزَنُ .
و إذ ببريق دمعة تغرغر في عينيها ، سرعان ما تكاثرت وانهمرت متقافزة في المنابع ، تقود سيلا يسح على خدّيها . وروحها تهتزً ، وهي تلقي عنها ثقلها قائلة متنهدة :
به ومعه عرفت الحب مطولا . حررني من المجهول ، وإستوطن أرضي ومقدساتي برضاي . وبات مُلْكِي ومَلِكِي ومَمْلَكَتي . وبت انا التمام في حياته .
قلت : أغبطك .
قالت : ولكنه رحل فجأة يا شيخي ، وقلبي مسكونٌ به . وعطره يتخللني . إنه فخ كبير ، غير قابل للترك ولا النسيان . يغنيني عن كوكب من المراهقين . يزيد السكونُ من ضِيقي ومن عَطشي إليه . أحاول ليلياً ألتدفق إليه ، بشوقٍ أخشى عليه الصدأ ، وحنينٍ أخشى أن تتشوه معالمه ، أو أن تختنق تراتيله وهمسه . فأحنو بولهٍ على الهاتف ، وأنا أعرف لحظتها معنى صوته ، وأعرف معنى أن يرفع سماعته ليكلمني ، ويدفأ غربة ليلٍ بأكمله . لكن شعوراً إلى ألعقل أقرب ، يلجم أصابعي ، وهي في طريقها إلى مفاتيح جوالي . ترتد كَفِّيَ ، وهي تعرف كم إنتظار يحمل حلمي ، عليها تجاوزه ، فتحاول الكَفَّ عن هذه العادة المذلة ، ألتي قد تُثقل عبئَ العزاءِ كل يوم .
قلت : لا تجزعي كثيرا يا فتاتي ، فحتى ألذ الأشياء لها تاريخ إنتهاء . ومع هذا ، فلا يقال لأعزاء إذا إشتاقوا ، أذلاء . في الحب كلكم ضيوف . ألعشق كعصرِ ألنبوة ، يقينه هو زمن التوحيد ، أكثر من همس الظنون وأطول .
قالت : خلف بسمتي الصامتة تختبئ كل معاني البؤس ألمتذبذب . فمن في قلبي يا شيخي ، رجل لا يكرره ألزمن . لا أقبل كلمة سوء في غيابه . هو صفحة بيضاء في أعيني . له حنين متكرروذكريات تنزف ووجع نزاز . لا يحكى لبشر . لا يوصف ولا يقاس بمسافة ولا يبدده شك أو ظرف .
قلت : حتى ولَوْ !! كائنا من كان الراحل ومنزلته ، والعقبات التي ينثرها رحيله في مدارجك ، لا تبلغي مرحلة الجرح ألذي لا يعالج ولا يندمل . لتصبحين أفضل ، تخطي كل ما لا يفيد التنكر له . إنتشلي نفسك من ألمعاناة ، وتعلمي منها . لتتقبليها بلا خجل ، تبصري فيها ، دون كثير من ألشكوى الرافضة ألمثقلة بالتذمر .
ما عاش أحد قبلك ، حياة مثالية في الحب . ولن يعيشها أحد بعدك . رممي شروخك وشظاياك . وإجعليها ذات معانٍ جميلة ملهمة . في الأوقات العصيبة ، كطائر الفينيق ، برمادك قومي وانهضي . فقد سمعت ذات مرة ، عاقلا يقول : تتطلب كل مرحلة في حياتنا ، نسخة جديدة منا ، يبدعها ترميم يلده ترميم ، لا يتناسل إلا بالنار كَيّاً.
الأردن – 23/3/2018