بيان الى الشعب الفلسطيني في كل مكان في ذكرى النكبة الفلسطينية
في ١٥ أيار من كل عام يحيي الشعب الفلسطيني من جديد أوجاع جرحه الغائر. يتحرك الفلسطينيون في هذه المناسبة من كل حدب وصوب، بكل فئاتهم وشرائحهم وكل أماكن تواجدهم لإحياء ذكرى “نكبة فلسطين،” التي نجم عنها تهجير سكان نحو ٢٠ مدينة وأكثر من ٤٠٠ قرية فلسطينية، وإحلال اليهود من مختلف الجنسيات مكانهم بعد المجازر الفاشية التي قتلت أكثر من ١٠ آلاف فلسطيني. اليوم، أكثر من ٧٥% من الشعب الفلسطيني، الذي أصبح مجملهم ما يزيد عن١٣ مليون نسمة في العالم، هم لاجئون ومطهرون عرقيًا، نصفهم يقيم قسرًا خارج حدود فلسطين والنصف الاخر في داخلها.
تأتي الذكرى الثانية والسبعون للنكبة وقيام دولة الكيان الصهيوني العنصرية لتعيد التأكيد على طبيعة هذا الكيان كنظام هدَّام احلالي، وتجليا ماديا لجوهر العقيدة الصهيونية، مما يتوجب على الفلسطينيين والعرب والعالم هزيمتها وتفكيكها. فالمشكلة الفلسطينية لا تكمن في احتلال عسكري لمناطق جغرافية، وإنما في الصهيونية نفسها، التي تتعمق وتتأصل عنصريتها وحقدها على الفلسطيني الى حد العمل عل تدمير الهوية الفلسطينية برمتها واقتلاعها من الوجود والتاريخ. هذا الوعي يتطلب منا كفلسطينيين وكعرب إعادة توجيه العمل السياسي بشكل جماعي واستراتيجي للتركيز على هزيمة الصهيونية وإنهاء الاستعمار والتحرر منها فلسطينيا وعربيا وعالميا لما تشكله من خطر على الجميع.
في هذه الذكرى نجد أنفسنا كفلسطينيين احوج ما نكون منه في أي وقت مضى إلى تكوين رؤية دقيقة تحدد معالم مستقبلنا النضالي لهزيمة المشروع الصهيوني. ولا شك ان ذكرى النكبة تطرح علينا باستمرار هذا السؤال. فالنكبة ليست ذكرى سنوية نتذكرها فحسب، بل هي تذكير ساطع بجوهر قضيتنا، والبوصلة التي تحدد وجهة برامجنا ومسارنا النضالي.
تتفاعل النكبة وتتكرر وتزحف باستمرار وبشكل دائم حيث تشكل جوهر الصراع والتناقض التاريخي مع الصهيونية. ذكرى النكبة يعيد تأكيد النضال الوجودي الذي يدمج قضية الارض والانسان الفلسطيني بشكل جدلي في الصراع مع الصهيونية من اجل الحياة. النكبة شكلت بداية مشروع هدم وتفكيك الوجود الفلسطيني المادي والاجتماعي والسياسي، وتأسيس كيان صهيوني يهودي ثيوقراطي على انقاضه بنفس الوقت. لا تزال هذه البنى الصهيونيّة التي تأسّست إثر النكبة تمعن في هدم وتدمير وتفكيك ما تبقّى من الوجود الفلسطيني المادي، وتتعداه الى البنى الروحية والنفسية والثقافية، لاستكمال اقتلاع الفلسطيني من الوجود والتاريخ واقصائه بشكل دائم.
النكبة هي ذكرى التجسيد المادي للمنظومة العقائدية الصهيونية الكولونيالية الاحلالية، التي لا تزال تعمل وتجهد بشكل دؤوب لإتمام ما بدأته من سياسات التطهير العرقي والتفكيك الوجودي الفلسطيني. فالصهيونية بطبيعتها الفيروسية تتماسك فقط في التفشي في الجسم الفلسطيني العربي، للإجهاز عليه في وباء بدأ قبل معركة النكبة ولا يزال مستمرّا بعدها. فلن يستطيع الجسم الفلسطيني الشفاء من هذا الفيروس القاتل ما لم يتم القضاء عليه نهائيا.
كان حل الدولتين الكارثي الذي غض الطرف عن الطابع الاستعماري الاستيطاني الاحلالي العنصري والديني للكيان الصهيوني، وحصر النضال الوطني في حركة تحرر ضيقة من احتلال عسكري لمناطق ال٦٧، مغفلا قضية شعبنا في منطقة ال٤٨، ومتخليا عن حقوق أهلنا في المخيمات بحق العودة والتعويضات عن معاناتهم، قد ساهم بشكل مباشر في الإشكالية الوجودية التي نعاني منها حاليا كشعب فلسطيني. واوصلنا مسار هذا “الحل” الى اتفاقيات أوسلو المشؤومة، وما نتج عنها من سلطة فاسدة تخدم الكيان الصهيوني وتتعاون مع اجهزته الأمنية في قمع ومعاداة أي نوع من المقاومة المشروعة لأهدافه العنصرية.
لقد آن الأوان للعودة ببرامجنا السياسية إلى النكبة، بوصفها المشهد الأكثر وضوحا والاكثر تجسيدا للصراع والتناقض التاريخي الفلسطيني العربي الصهيوني وماهيّته، على انه صراع وجود لا يمكن حله الا بهزيمة الحركة الصهيونية وتفكيك كل تجسداتها المادية وإزالة أسباب وجودها.
يجب علينا ان نعيد النكبة إلى مُرَبَّعِها الأول من اجل بناء مشروع وطني فلسطيني جديد يحمل في طياته ماهية النكبة. فيعمل من جانب على مراجعة تاريخيّة تجيب على سؤال معنى الذكرى واستخلاص عبرها، ومن جانب اخر يضع هزيمة وتفكيك “دولة اليهود” الصهيونية الثيوقراطية، وكافة البنى المنبثقة عنها، هدفا استراتيجيا فلسطينيا وطنيا أساسيا. هكذا يتقدم الوعي الفلسطيني وتفكيره السياسي خطوة في الاتجاه الصحيح يتخطى بها الكثير من العوائق والشوائب التي بلبلت ولا تزال النظام السياسي الفلسطيني.
ان التركيز في هذه المرحلة على نوع الحل النهائي بكل تعددات مفاهيمه السياسية والأيديولوجية والتنظيمية، مع أهمية ذلك، يشكل عوامل الهاء وتفريق. بينما يصون التركيز على معالجة النكبة وإزالة اسبابها وهزيمة الصهيونية وتفكيكها، والنضال لضمان حق العودة عوامل يقظة وتجميع، مع إخضاع التمايز في شكل بناء النظم السياسية بعد التحرير للصراع السياسي الجماهيري ميدانيا.
لا يحتاج الشعب الفلسطيني الى قادة يتوددون ويتوسلون الى الجاني للقبول بهم. بل يحتاج إلى برنامجٍ سياسي يحمل في صميمه رؤية اجتماعية لتحرير الإنسان من الصهيونية، يتمسك بحق العودة كحق تاريخي ناتج عن وجود الفلسطيني في فلسطين منذ الأزل وارتباطه بها عضويا. فهو حق طبيعي وسياسي وقانوني ثابت وراسخ غير قابل للتصرف كباقي حقوق الإنسان التي لا تنقضي بمرور الزمن، ولا تخضع للمفاوضة أو التنازل، ولا تُسقَط أو تُعدَّل أو يتغيّر مفهومها في أي معاهدة أو اتفاق سياسي من أي نوع، حتى لو وقعته اي جهات تمثل او تدعي انها تمثل الشعب الفلسطيني.
أن الصهيونية وكيانها ينظران إلى الفلسطينيين كافة، في فلسطين التاريخية وفي الشتات، كتهديدٍ واحد لهم. لذلك يتحتم علينا في كل مكان أن نُبرِز ونقوي الروابطَ المشتركة التي تجمعنا في اهداف موحدة. فالفلسطيني أينما تواجد يواجه نفس الخطر الا وهو تدمير الوجود والهوية الفلسطينيين.
يشكل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي اقصوا عنها في وطنهم فلسطين، والنضال من اجل تعويضهم عن معاناتهم وتضحياتهم وخسارتهم، والدفاع عنهم وعن حقوقهم الإنسانية والمدنية والمعيشية في مخيمات الصمود الفلسطيني، حجر الزاوية في تركيبة تيار فلسطين الحرة الديمقراطية السياسي والنفسي والتنظيمي. ونتعهد في هذه المناسبة باننا لن ننسى ابدا تضحياتهم الجسيمة على مر السنين، وسنبني على قوة ثباتهم وصمودهم من اجل قضيتنا الوطنية فلسطين العربية، وعودتهم اليها محررة منتصرة بطولها وعرضها من البحر الى النهر.