من سجل النكبة والكفاح الفلسطيني: للذاكرة وللأجيال: صناعة الرواية الصهيونية على أنقاض فلسطين…!
ماذا تعرف عن المسألة التي تعتبر من أشد الأسرار صونا في الحياة السياسية الإسرائيلية….؟!
نواف الزرو*
الحقيقة الكبيرة الساطعة أن التنظيمات والدولة الصهيونية قامت وما تزال تواصل تدمير وشطب عروبة فلسطين شعبا وتاريخا وحضارة و تراثا ، كما قامت وما تزال تواصل تهجير الشعب الفلسطيني وتهويد ارضه ووطنه وتحويله الى “وطن لليهود”..!
ولم يعد سرا أن تلك الدولة اقترفت أبشع أشكال التطهير العرقي، وقامت بتهديم المكان العربي على امتداد مساحة فلسطين، فدمرت ومحت نحو ستمائة قرية فلسطينية ومنها على رؤوس ساكنيها، كما دمرت العديد من الأماكن العربية المقدسة في فلسطين،غير أن الجديد في هذا السياق هي تلك الوثائق الاسرائيلية التي يتم الكشف عنها تباعا والتي تعترف بأن الهدم والتدمير والتطهير تم بقرارات من قبل القيادات العليا الاسرائيلية وعن سبق تخطيط وتبيت واصرار.
في هذا السياق على نحو حصري كشفت صحيفة “هآرتس العبرية /2007/7/6” النقاب عن “حملة مبيتة للتفجير والتهديم ضد المساجد والقرى والمدن الفلسطينية”، حيث يشير مراسل الصحيفة وهو ميرون رفافورت إلى “أن هذا الهدم الذي تم في كثير من الأحيان بعمليات تفجير بالديناميت كان غرضه القضاء على أي أثر عربي في البلاد والعمل بأكبر قدر ممكن للحفاظ فقط على ما تبقى من آثار يهودية فيها ومحو أي أثر عربي فيها وكأن الاسرائيليين يريدون ان يقولوا ان هذه البلاد لليهود فقط ولم يكن فيها أي أثر عربي”.
ويؤكد رفافورت: ” ان ما حدث تدمير جذري لمدن وقرى، وتدمير لحضارة كاملة، بحاضرها وبماضيها، ومن معالم للحياة خلال 3000 سنة، وحتى الكنس الباقية في الأحياء العربية التي هدمت، فسيفساء وقلاعا”.
وعلى نحو مكمل جاء في تقرير آخر لتسفرير رينات نشر في هآرتس/2007/6/13 بعنوان:” أين اختفت القرى العربية؟ “: ان المؤرخين الناقدين للحركة الصهيونية بصورة خاصة، مثل الدكتور ايلان بيبيه، يوثقون أن اختفاء القرى الفلسطينية من مواقعها هو جزء من سياسة منهجية مبرمجة لطمس وجودها من أجل بلورة تاريخ جديد يتلاءم مع الرواية الصهيونية التي تدعي أن البلاد كانت فارغة وانها تحولت الى ارض خضراء مزدهرة بسبب نشاطات الكيرن كييمت وأمثالها”.
وفي دراسة اخرى أجرتها في السنوات الأخيرة ناغا كيدمون (في إطار دراسات السلام والتطوير بتكليف من جامعة غوتبرغ في السويد)، وجدت “أن أحراش الكيرن كييمت التي تشمل(86) قرية فلسطينية، وتطلق عليها بأنها “مغربية”، وفي اغلبية المواقع توجد لافتات ارشادية، إلا أن 15 في المائة فقط تتطرق إلى القرى العربية في الموقع، واغلبية النصوص في الكراسات والصحف والإعلانات لا تتطرق لاسم القرى الفلسطينية اطلاقا، ولا تتطرق إلى كونها عربية”.
وفي هذا السياق- سياق نهج التدمير الشامل لفلسطين ايضا كان الدكتور وليد مصطفى وهو باحث متابع متخصص قد أكد من جهته في دراسته التي نشرت بعنوان ” التدمير الجماعي للقرى الفلسطينية ” :” أن 62.6% من مجموع القرى الفلسطينية التي كانت موجودة في فلسطين قد هدمت على أيدي السلطات الصهيونية، وإذا أخذ بعين الاعتبار أن بعض أقضية فلسطين لم تقع بأكملها تحت سيطرة العدو عام 1948 ، نجد أن الـ 468 قرية التي هدمت قبل 1967 ، قد شكلت 78.4% من مجموع القوى الفلسطينية الـ 598 التي خضعت للسيطرة الصهيونية في ذلك العام “، وجاء في جداول الدراسة الموثقة ” أن عدد المواقع الفلسطينية التي كانت قائمة في فلسطين حسب التقسيم الإداري لعام 1931 ، بلغ 755 موقعاً ، هدم منها خلال عام 48 (472) موقعاً ، وقد بلغ عدد بيوتها آنذاك 52812 بيتاً ، وبلغ عدد سكانها حسب إحصاء 338428.1945 نسمة .
واستتباعا – بالنسبة لفلسطين المحتلة 1948 على سبيل المثال وهي عنوان النكبة والتهجير وتهويد المكان الفلسطيني، تؤكد التقارير والدراسات العربية والعبرية على “ان الحركة الصهيونية مجسدة بدولة اسرائيل تواصل “عبرنة” و”تهويد” اكثر من 8400 اسم عربي لمواقع جغرافية وتاريخية”بعد ان دمرت ومحت القرى الفلسطينية المشار اليها.
فحسب كتاب “المواقع الجغرافية في فلسطين – الأسماء العربية والتسميات العبرية” وهو من تأليف الدكتور شكري عراف وصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت فلم يكن في فلسطين حتى غزو الصهيونية لها سوى 50 اسما عبريا فقط، وأن التوراة اليهودية لا تشمل بالاصل سوى 550 اسما لأمكنة مختلفة في فلسطين، وهي في الأصل أسماء كنعانية وبادر الصهاينة الى تحوير الاسماء الاصلية او وضع أسماء عبرية على المواقع الفلسطينية، ويتحدث الكتاب عن ان “الصهيونية غيرت وهودت 90% من أسماء المواقع في فلسطين”.
وعلى نحو مكمل وأوسع تفصيلا فقد جاء في أحدث معطيات إسرائيلية حول الميزان الجيو ديموغرافي في فلسطين المحتلة على سبيل المثال انه “منذ العام 1948 اقامت اسرائيل 700 تجمع سكاني (بين مدينة وبلدة )يهودية دون ان يقام ولو تجمع عربي واحد بالمقابل، باستثناء بعض التجمعات التي أقيمت في النقب في مناطق سكنية محاصرة لاجبار عرب النقب على التخلي عن مناطقهم الحيوية واجبارهم بالتالي على الرحيل”، وكان الكاتب الاسرائيلي المعروف “عوزي بنزيمان” قد كشف في هآرتس العبرية 2006/2/26 : “ان عرب اسرائيل الذين يشكلون 18 بالمئة من السكان اليوم يشغلون فقط 2,4 بالمئة فقط من الأرض، والمساحة المخصصة لليهودي أكبر من تلك المخصصة للعربي بثمانية أضعاف “؟، واضاف “ان العرب في الجليل يشكلون %72 من السكان ولكنهم لا يشغلون سوى %16 فقط من الأراضي هناك”مشيرا إلى “أنه قبل قيام اسرائيل كانت الاراضي العامة اقل من %10 اما اليوم فقد أصبحت %93 حيث وضعت الدولة يدها على الأراضي العربية باربع طرق –لا مجال لذكرها هنا – “.
وتفتح هذه المعطيات التي يوثقها لنا بنزيمان أمامنا ملف الميزان الجيوديموغرافي في فلسطين، وكيف كان هذا الميزان قبل قيام تلك الدولة الصهيونية وكيف أصبح اليوم …..؟!.
كما تفتح أمامنا ملف التدمير والتهجير والتهويد الشامل لفلسطين على أيدي الاحتلال الصهيوني ….؟!.
وبيت القصيد هنا في هذا الصدد ان فلسطين من البحر الى النهر تحت مخالب الاغتصاب والتهويد والاقتلاع والترحيل وهذه العملية تجري مع بالغ الحزن والقهر تحت مظلة “عملية السلام” تارة او تحت غبار حرب الاجتياحات والاغتيالات والتدمير والجدران طورا، وذلك على مرأى من العالم العربي والمجتمع الدولي.
ولذلك نقول ربما تكون الوثائق العبرية /الصهيونية المتعلقة بالنكبة ومشهد التطهير العرقي والتدمير الشامل لفلسطين على ايدي التنظيمات والدولة الصهيونية، التي يكشف عنها تباعا على مراحل زمنية متباعدة، من أهم الوثائق التي من شأنها ادانة جنرالات تلك التنظيمات والدولة باقتراف جرائم حرب مع سبق التبييت والتخطيط .
واذا ما اضفنا الى ذلك جملة لا حصر لها من الوثائق الاسرائيلية والفلسطينية والبريطانية فإنه يمكن التأكيد أن سياسة التهديم الشامل للمدن والقرى الفلسطينية ، وسياسة الترحيل الشامل للشعب الفلسطيني اعتبرت ركيزة أساسية من ركائز الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل .
كما اعتبرت هذه السياسة من أشد الأسرار صونا في الحياة الإسرائيلية كما يؤكد البروفسور الإسرائيلي ” إسرائيل شاحاك ” قائلاً ” : ” قبل العام 1948 وضمن نطاق الأراضي المقامة عليها دولة إسرائيل تعد المسألة من أشد الأسرار صونا في الحياة الإسرائيلية ، فلا توجد نشرة أو كتاب أو كراس يتحدث عن عددها أو مواقعها ، وهذا أمر مقصود ، وذلك من أجل أن تكون الأسطورة الرسمية المقبولة عن بلاد فارغة قابلة للتعميم في المدارس الإسرائيلية ، ولروايتها للزوار والسياح” .
ولذلك وعلى نحو عربي نقول: انه لمن بالغ الدهشة الحديث أحيانا عن “سلام عادل وشامل ودائم”، والاغرب التمسك العربي بالنواجذ على خيار المفاوضات وخارطة الطريق على وقع المجازر وبناء المستعمرات والجدران الاغتصابية التهويدية، وعلى واقع اغتصاب الرواية العربية الفلسطينية لصالح الرواية الصهيونية المزيفة…!