من سجل الكفاح الفلسطيني: حجر يعبد يعيد الاعتبار للحجارة كسلاح استراتيجي فلسطيني…!؟
من دراسة توثيقية شاملة :
حجر يعبد يعيد الاعتبار للحجارة كسلاح استراتيجي فلسطيني…!؟
للحجر الفلسطيني قدرة على إشعال حرب أو انتفاضة ثالثة وينطوي على دلالات واحتمالات ذات بعد استراتيجي
نواف الزرو*
للحجر في فلسطين قدرة على إشعال حرب أو انتفاضة ثالثة، وإن كان هذا الحجر في أكثر الحالات لا يقتل، إلا أنه ينطوي على دلالات واحتمالات ذات بعد استراتيجي، من حيث قدرته على إشعال الحرب أو الانتفاضة، فالمناخات هناك مهيأة تماماً للانفجار.
فمن وجهة نظر إسرائيلية فإن للحجر قدرة على إلحاق الأذى بالصورة في الأساس، والمقصود هنا صورة الجندي الإسرائيلي، ففي صراع تكون الصورة التي تخرج فيه إلى العالم هي الشأن كله، فلا يمكن الاستخفاف بهرب جنود الجيش الإسرائيلي من رماة حجارة وتداعيات ذلك على الصورة والمعنويات، وتأثيرات الرسالة، وتقول صحيفة يديعوت في هذا الصدد: من جهة عدسة التصوير هي سلاح سلب نشاط الجيش الإسرائيلي شرعيته، والرد العنيف على رماة الحجارة يتم تصويره دائما بصورة سيئة، ومن جهة ثانية عدم الرد أو الهرب في أسوأ الحالات – كما حدث في الآونة الأخيرة في الخليل وقدوم– قد يجعلان واقعة تكتيكية (عديمة الأهمية في ظاهر الأمر) واقعة ذات قدرة على الضرر الاستراتيجي، فبعد 30 سنة من نشوب الانتفاضة الأولى، لا تزال الحجارة والأطفال يثيران المشاعر لدى الطرفين. فالصور قد تدفع الفلسطينيين الذين ينتظرون بلا غاية نتائج الإعلان الاحتفالي في الأمم المتحدة إلى فورات عنف في أماكن أخرى، وقد تدفع صور مشابهة حكومة “إسرائيل” التي هي في فترة انتخابات إلى رد مضاد، يريد الطرفان الهدوء وقد يضر بهما الحجر الاستراتيجي”.
وفي التقديرات العسكرية الاستخبارية الإسرائيلية فإن هذا الحجر الاستراتيجي يعود إلى المشهد الفلسطيني تدريجيا، فبينما تصف صحف إسرائيلية هذا المشهد بالتهديد الاستراتيجي، كان الجنرال شاؤول موفاز حذر من أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة باتت وشيكة”، وقال:”إن مشهد الجنود ينسحبون أمام رماة الحجارة الفلسطينيين كما حدث مؤخرًا، يمس بقوة الردع و بالجنود المقاتلين”، وبدروه قال وزير الداخلية الإسرائيلي السابق إيلي يشاي: “إن الأحداث التي يتعرض فيها جنود جيش الاحتلال للخطر من جانب متظاهرين فلسطينيين تكاثرت مؤخرا”، مشدداً: “أنه يجب على الجنود استخدام أسلحتهم في حالات الخطر على حياتهم، ويجب منحهم كامل الدعم إذا اضطروا إلى استخدام هذه الأسلحة”، وقال رئيس الوزراء السابق، إيهود أولمرت مذكراً: “أنتم تذكرون الانتفاضة، أنتم تذكرون المشاهد إياها، نحن لسنا بعيدين عن ذلك، “إسرائيل” تسير في مسار سياسي محمل بالمخاطر، نحن ندير سياسة تتضارب جوهرياً مع المصالح الوجودية للدولة”
أما نتنياهو، فقد كان وصم خلال مراسم جرت لإحياء ذكرى الجنود الذين قتلوا في الحروب، الفلسطينيين بأنهم “دون البشر”، في معرض حديثه عما سماه “إرهاب الحجارة” وزعم “أن إسرائيل هي “جزيرة نور واستقرار”، في محيط مظلم”، مؤكدا: “أن إسرائيل لن تخضع “لما دون البشر”، لكنها ستضربهم في أي مكان تجدهم فيه، وقال إن كان أحدكم بحاجة لذلك فإننا نذكركم أن الحجر هو سلاح قاتل”، وأضاف أن “إرهاب الحجارة ينضم إلى إرهاب الزجاجات الحارقة، وإرهاب السكاكين، وإرهاب الصواريخ والأجهزة المتفجرة، وتفجير السيارات والتفجيرات الانتحارية، واعتبر أن كل هذا “يهدف إلى قتلنا وزرع الخوف والارتباك لزعزعة أمننا، لطردنا من بلادنا”، وأضاف “لكننا لن نتراجع ولن نستسلم، سنلاحق الإرهابيين بلا توقف ونضربهم في أي مكان، الإرهاب ليس ضربة من الأعلى إنه عمل البشر أو ما دون البشر: 15/04/2013”.
وميدانيا، وفي أحدث تطورات المشهد الفلسطيني، لم يكن الجندي الإسرائيلي الذي قتل فجر الثلاثاء 2020-5-12 في بلدة يعبد غربي مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، الأول الذي يقتل جراء إصابته بحجر، بل سبقه عدد آخر من الجنود، آخرهم كان قبل عامين. ويبدو أن أيار/ مايو، شهر الحجارة إذ إن حجرا مماثلا ألقاه أحد الشبان الفلسطينيين في 26 من أيار عام 2018، تجاه أحد جنود النخبة الإسرائيليين (السيرجنت رونين لوبارسكي “20 عاما”) خلال اقتحامهم لمخيم الأمعري قرب مدينة رام الله أرداه قتيلا. وأكدت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن التحقيق الأولي في حادثة مقتل جندي لواء غولاني “عميت بن يغئال” (21 عاما)، في بلدة يعبد، كشف أن منفذ الهجوم نصب للجندي كمينا من أعلى منزل مكون من 3 طوابق، وجهز حجارة كبيرة مسبقا، وافتعل ضجيجا عند مرور دورية إسرائيلية أسفل المنزل، وعندما سمع الجندي الضجيج رفع رأسه ونظر لأعلى ليكتشف ما يجرى، ما أدى لإصابته في وجهه بحجر كبير، إصابة قاتلة. وفي الوقت الذي تشتدد فيه القبضة الأمنية في الضفة الغربية، وتعلن دولة الاحتلال بمساندة الولايات المتحدة ضم الضفة، وسط صمت دولي مهيب، يعود الفلسطينيون لاستخدام الحجارة سلاحًا إستراتيجيًّا لا سيما وأن إحدى أهم ثوراتهم (1987-1994) حملت اسم “اسم انتفاضة الحجارة”.
وميدانيا ايضا، بدأت تظهر في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، في السنوات الاخيرة مظاهر الانتفاضة الأولى، أطفال ورشق حجارة ومواجهات وصدامات وشهداء واعتقالات وجرحى، وفي الجهة المقابلة، بدأت المصادر الاستخبارية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية، تتحدث عن تصاعد ملموس في الأحداث في أعقاب الاعتراف الأممي بفلسطين “دولة غير عضو”، واخذوا يتحدثون عن عودة الحجر الفلسطيني، وأخذوا في الوقت ذاته يهددون بإفلات الزناد وسرعة القتل، وهذا ما حدث في مدينة خليل الرحمن، حيث أطلقت مجندة صهيونية النار باتجاه الفتى الفلسطيني محمد زياد السلايمة (17 سنة) على حاجز الرجبي بذريعة محاولته مهاجمة أحد الجنود، وفي الخليل أيضاً، أصيب قبل ذلك 23 فلسطينياً على الأقل بالرصاص الحي والرصاص المطاطي واختناق بالغاز المُسيِّل للدموع وذلك خلال مواجهات مع جنود الاحتلال في منطقة باب الزاوية وسط المدينة، واندلعت المواجهات، حسب مصادر محلية، عقب قيام جنود الاحتلال بمحاولة اعتقال شرطي فلسطيني أثناء عمله في منطقة باب الزاوية، فقاوم الشرطي جنود الاحتلال، وانضم إليه عدد من المواطنين الفلسطينيين، وحدث اشتباك بالأيدي بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، واندلعت مواجهات أطلقت خلالها قوات الاحتلال الرصاص المطاطي وقنابل الغاز بكثافة لتفريق المتظاهرين، فيما رد المتظاهرون برشق جنود الاحتلال بالحجارة، وقال المتطرف أفيغدور ليبرمان: إنه لا يمكن أن يوجه شرطيون فلسطينيون الصفعات واللكمات للجنود (الإسرائيليين) ويظلوا على قيد الحياة، ودعا محلل الشؤون العسكرية ، رون بن يشاي، في مقالة كتبها إثر هزيمة جنود الاحتلال في الخليل وقّدوم من المتظاهرين الفلسطينيين، إلى اعتماد القوة والشدة في التعامل مع بوادر وبذور أعمال احتجاج فلسطينية حتى لا تتحول إلى انتفاضة ثالثة، وحتى لا يكرر جيش الاحتلال أخطاءه التي ارتكبها في الانتفاضة الأولى بفعل الأخطاء التي اقترفها رابين وقادة الجيش وعدم تشخيصهم بصورة صحيحة للظاهرة في بدايتها ميدانياً.
فهل نحن حقاً عشية انتفاضة فلسطينية واسعة في الأراضي المحتلة…؟!!.
ليس من شك أن ديناميكية الأحداث على الأرض الفلسطينية وفي قلب المشهد الفلسطيني هي الأقوى والأشد وطأة وتأثيراً، فهي أقوى من مليون اتفاق أو تفاهم أو تهدئة على الورق….؟!