الاستحمار التكنولوجي الالي تجارة العبيد الجديدة
د.عادل رضا*
الحديث عن وسائل التواصل الاجتماعي طويل وصعب وهذه الشركات الربوية الاستكبارية المرتبطة بها تسيطر على الانترنت والواقع الافتراضي فهي تلقائيا أيضا تسيطر على عقول الناس، حيث تتلاعب بها وتزور وعيها من خلال نوع مستحدث من التجارة الغير معلنة والصعبة التفسير والتي تتحرك حاليا بالتحقيق والمسائلة ضمن مواقع الرقابة المؤسساتية البريطانية والامريكية.
لا شك بأن لكل امر من أمور الحياة جوانب إيجابية و أخرى سلبية و هذا من طبيعة الأشياء اذا صح التعبير و هنا نريد التركيز على جانب سلبي خطير صعب شرحه و توضيحه و يتعلق بالتأثير على الفرد الانسان و المجتمع الإنساني بالتأثير و غسيل الدماغ و التوجيه المتعمد الخفي لصناعة وعي مزيف و قناعات وهمية و “أستحمار” ألي ميكانيكي غير محسوس يبدأ من عالم الانسان الشخصي الافتراضي من تلفونه الشخصي باستخدام بياناته الشخصية المسجلة ضمن قاعدة بيانات تراقبه و تسجل عليه أنفاسه و تدرس نمط حياته و اهتماماته من دون ان يعرف و من غير ان يحس و من خلال هذه قاعدة البيانات المتراكمة يتم التأثير و صناعة الاستقطاب المطلوب المدفوع لأسباب سياسية او أمور تجارية ترويجية و هذا نوع جديد من أنواع
“الاستحمار التكنولوجي الموجه” إذا صح التعبير وهو ما ضرب بعمق ديمقراطيات قديمة وفي مجتمعات محفوظة امنيا واستخباراتيا ومؤسساتية عميقة ونقصد بها عالم منظومة دول ومجتمعات النظام الربوي الاستكباري العالمي.
مما استدعى جلسات استماع و لجان تحقيق بالبرلمان البريطاني و بالكونغرس الأمريكي لأن “وحش” الذكاء الاصطناعي الموجود بالشركات التقنية العابرة للقارات حاليا اخذت تضرب بقصد و بدون قصد بأسس المجتمعات الغربية التي انطلقت منها و تأثيرات ذلك واضحة على الافراد من حيث العزلة الاجتماعية و التوحد الشخصي و الانغلاق على الذات و صناعة فقاعات “عزل” اجتماعي و خلق أوهام “لجمال شخصي” مستحيل الحدوث بالواقع يتم مشاهدته بالواقع الافتراضي , و زيادة مرتفعة بازدياد لحالات انتحار الأطفال و المراهقين و كذلك صناعة مجتمعات بشرية ضخمة افتراضية بمجموعات التواصل الاجتماعي تضم شواذ الفكر و غريبي الاطوار و المرضى الاجتماعيين و أصحاب أفكار الكراهية و القتل على الهوية العرقية او الدينية , وعلى العالم ان لا ينسى “داعش” و عليه ان لا ينسى قاتل نيوزيلاندا و بثه المباشر لمتابعيه على الفيس بوك و عليه ان لا ينسى فيديوهات قطع الرقاب على اليوتيوب , ولا الترويج للتصفية الدينية ضد المسلمين بميانمار.
يمكن بسهولة تجميع شذاذ الافاق بمجموعة واحدة لتمثل كتلة بشرية مركزة ويمكن أيضا ترشيح كتل بشرية محايدة يمكن التأثير عليها الكترونيا بوسائل التواصل الاجتماعي من خلال الدعايات او توصيات المشاهدة و المتابعة و طلبات الانضمام للمجموعات لتقوية الكتل البشرية و من هنا يتم الترويج لأفكار او لمرشحين او لعادات استهلاكية تخدم حالة تجارية مالية , و من هنا من يدفع ماليا للشركات التحليلية للبيانات او الشركات المالكة للبيانات الشخصية هو من يملك السلطة الغير مباشرة و من يصنع التغيير بالقرار الفردي و التوجه المجتمعي و صناعة جبهات الرأي العام و صناعة تركيز الرأي و أيضا الترويج للدعايات و الاخبار المزيفة التضليلية السريعة الانتشار و العاطفية التأثير النفسي.
رأينا تأثير ذلك على انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب ورأينا ذلك على نتائج استفتاء الخروج البريطاني من الاتحاد الأوربي وامتد ذلك على انتخابات الدومينكان والفلبين وماليزيا البرازيل وهي دول ليست استعمارية قديمة ولا امبراطوريات سيطرة حديثة.
فاذا كان تأثير وحش التأثير الاستحمار التكنولوجي قد ضرب في عمق اساسيات بلدان السيطرة والتحكم الإمبراطورية العالمية فما بالك بما سيحدثه هذا الاستحمار الجديد المستحدث بنظم ومجتمعات عالمنا العربي من إثر وتأثير وسيطرة وصناعة قناعات جديدة واسقاط قناعات قديمة وصناعة أجيال أستحمارية الية التوجيه من خلال دراسة قاعدة بياناتها المخزونة عند مؤسسات جوجل وفيس بوك وتويتر والواتس اب والانستغرام.
الغرب ومنظومته الربوية العالمية أخرجت الى العالم وحش غير قابل للسيطرة وتجارة جديدة حقيرة إجرامية تتعلق خاصة ب “دراسة بيانات البشر وتحليلها” لأعادة توجيهها لمن يدفع أكثر؟
لشركات تجارية تبيع سلع استهلاكية كالسيارات او أدوات التجميل او أنواع الاكل…الخ او أجهزة استخبارات ودول لديها مصالح لصناعة نفوذ من هنا او إيصال مرشح لموقع رئاسي من هناك او تدمير بلد من هنالك.
بالأمس القريب أخرجت المنظومة الربوية العالمية “اليات الثورات الناعمة الملونة” لضرب دول بعينها تعتقد تلك المنظومة الربوية انها خارج سيطرتها كجورجيا او فنزويلا او الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران او الجمهورية العربية السورية.
تلك “الاليات خرجت عن السيطرة” و ضربت بمواقع أخرى ضمن مواقع نفوذ المنظومة الربوية العالمية كتونس و مصر و اليمن…الخ و يمكن مراجعة كتابنا “ما وراء الستار” الصادر بالعام 2017 للتفصيل المعمق الموثق لتلك المسألة ولكن للعودة الى القادم الجديد الذي خرج عن سيطرة من صنعها و اطلقها و اخذ يضرب بأسس الديمقراطية الغربية من حيث تزوير إرادة الناخبين و توجيهها من خلال قراءات إحصائية معقدة لأيجاد كتل تصويتية محايدة و التأثير عليها الكترونيا بغسيل دماغ غير محسوس باستخدام اليات علم الاجتماع و النفس وصناعة رأي عام مساند لمرشح من هنا و حزب من هناك و هنا يتم إعادة صناعة “ديكتاتورية” غير معلنة الحاكم فيها من يملك قاعدة البيانات و من يدفع للسيطرة عليها و من يسيطر عليها ومن هنا دخل الروس وشركات البيانات كما تم اتهامهم و كما تم التحقيق فيه ضمن الدوائر البرلمانية الامريكية بتصعيد التزوير لشخص ترامب لموقع رئاسة الدولة الأكبر و الاعظم بالعالم كله؟!
هنا الفوز بالانتخابات لمن يدفع أكثر او لمن لديه قاعدة بيانات شخصية كبيرة ممتدة ولديه تحكم بمواقع التواصل الاجتماعي ومن هو متحكم بمفتاح حياة كل فرد بالعالم من خلال هواتفهم الذكية.
هذا نوع من التدمير الذاتي التي تقوم به منظومة الربوية المالية الساعية للربح بالغرب يمثل تجارة غير مشروعة يجب ايقافها ومنعها كما تم منع تجارة العبيد والمخدرات وتجارة البغاء…الخ من اجراميات التجارة المحرمة قانونا.
لذلك المنع الالكتروني لتلك المواقع للجماهير العادية داخل الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران له تبريره ولذلك هم كدولة لديهم التويتر الفارسي المرتبط بالدولة كوسيلة تواصل اجتماعي مسيطر عليها وهذا للأمن الداخلي الاستراتيجي امر سليم إذا صح التعبير ولذلك بلد نفس جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية لديها الأنترنت الخاص بها كدولة تريد الاستقلال الحقيقي.
ولذلك كل بلد امبراطوري او ساعي لصناعة نفوذ ما فوق الدولة يريد قاعدة بيانات بشرية ممتدة ولذلك نجد ارتباط تطبيق تلغرام بالروس وتطبيق تيك توك بالصين وتطبيق فايبر بالكيان الصهيوني العنصري المقام على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة.
وكذلك يرتبط الواتس اب والفيس بوك والانستغرام بوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية وهذا حسب ما أبلغني به أحد المتخصصين بالذكاء الصناعي الذين اثق بهم وكذلك ما هو متداول بكثرة ضمن التقارير والوثائقيات المتعلقة بهذه الأمور وكذلك هو واضح إعلاميا ومنشور ضمن ما يتم تداوله من صراعات أمريكية صينية حول تطبيق التيك توك الصيني.
*طبيب باطنية وغدد صماء وسكري
كاتب كويتي بالشئون العربية والاسلامية