مجازر صبرا وشاتيلا لطخة عار أبدية على جبين “إسرائيل” وأمريكا واليهودية العالمية والعنصرية في لبنان (2-3)
د. غازي حسين
الموقف اللبناني
صرّح رئيس الوزراء اللبناني شفيق الوزان في (19) أيلول 1982 قائلاً: «إنني أحمّل المسؤولية للأميركيين لأنهم أعطوا ضمانات خطية بعدم دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت الغربية».
وأضاف: «لو لم تدخل القوات الإسرائيلية إلى بيروت الغربية فإنه كان من غير الممكن للمجزرة أن تحصل. وأشار إلى أن المسلحين الذين نفذوا المجزرة هم من المتعاملين مع “إسرائيل” وقد سمحت لهم الحواجز الإسرائيلية بالعبور إلى المخيمات».
واتهم الأمين العام التنفيذي للحركة الوطنية في لبنان محسن إبراهيم “إسرائيل” بأنها «قررت المذبحة وتولت إدارتها، أما المنفذون فأدوات لأوامر شارون. وحمّل أميركا المسؤولية لأنها أذنت بارتكاب المجزرة».
وحمل المجلس الإسلامي في لبنان “إسرائيل” وأميركا المسؤولية عن المذبحة الجماعية، وأعرب عن عظيم سخطه واستنكاره وتنديده بمرتكبي هذه المذبحة التي قامت بها “إسرائيل” بمشاركة عملائها في لبنان وأتت نتيجة حتمية مرتبطة لدخول القوات الإسرائيلية الغازية بيروت الغربية.
وأدان الحزب التقدمي الاشتراكي المجزرة وجاء في البيان الذي صدر عنه «إن هذه المواقف المتساهلة بل المشجعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية دفعت بإسرائيل إلى تهيئة الظروف المؤاتية لارتكاب المجزرة الوحشية في مخيمي صبرا وشاتيلا، وإن “إسرائيل” تتحمل مسؤولية مباشرة عن هذه المجزرة الرهيبة أمام العالم وأمام التاريخ، وأن هذه المسؤولية تنبع من قرار اجتياح بيروت الغربية الذي خرقت به اتفاقية الإجلاء وهي تعتبر مسؤولة عن كل ما ينجم عن هذا القرار من نتائج سواء جاء التنفيذ مباشرة أو عن طريق العملاء».
أكد الرئيس سليمان فرنجية أن “إسرائيل” «هي المسؤول الأول والأخير عن مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا. وتمنى ألاَّ ينسى العالم جريمة المخيمين كما تناسى مجزرة دير ياسين».
وطلب سفير لبنان في واشنطن خليل عيتاني من الكونغرس الأميركي، تشكيل لجنة للتحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا التي وصفها بأنها «واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في هذا القرن».
ووجه اتحاد قوى الشعب العامل في لبنان بياناً إلى الرأي العام الغربي عن المجازر جاء فيه أن «إسرائيل خطر على المسيحية وعلى الديمقراطية في العالم، وهي تجسد شريعة الغاب في مواجهة حقوق الإنسان».
وعمم مفتي الجمهورية اللبنانية على جميع خطباء المساجد في لبنان بأن يتناولوا في خطبة العيد مجازر صبرا وشاتيلا، كما طلب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين من خطباء المساجد في كافة المناطق اللبنانية التركيز في خطب صلاة عيد الأضحى على مجازر صبرا وشاتيلا.
ودعا مفتي الجمهورية إلى تشكيل لجنة تحقيق وطنية موثوقة تكشف عن خلفيات المذابح وتضع الأيدي على الذين شاركوا فيها، ولم تظهر ردود فعل من الجانب المسيحي في لبنان عن أفظع مجزرة في القرن العشرين.
وبدأت النيابة العامة العسكرية في بيروت بتاريخ 28 أيلول التحقيق في مجازر صبرا وشاتيلا التي وقعت ليل 16 و17 و18 أيلول. وعقد اجتماع في المحكمة العسكرية ضمّ المدعي العام العسكري أسعد جرمانوس والمحامي العام لدى المحكمة العسكرية فوزي داغر والمحقق العسكري أسعد دياب والمحقق العسكري الياس موسى والضباط الأربعة الذين تألفت منهم لجنة التحقيق في المجازر.
الموقف العربي:
من المؤلم والمفجع حقاً أن أجهزة إعلام آل سعود وثاني ونهيان والملك الهاشمي أسدلوا ستاراً من السرية على مجازر صبرا وشاتيلا لإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية و “إسرائيل” والصهيونية العالمية، ولم تتطرق فضائيات الجزيرة والعربية ومحطات ام. بي. سي السعودية في العقد الاول إلاَّ ما ندر من الأخبار القصيرة جداً عن أفظع مجازر وقعت في القرن العشرين.
وكان الأديب الياس خوري أول من كسر التخاذل والخزي والعار للإعلام العربي و للمسؤولين العرب في الذكرى السنوية الرابعة على صفحات جريدة السفير اللبنانية.
بعث الرئيس المصري برسالة إلى الرئيس الأميركي ريغان يحث فيها الولايات المتحدة على التحرك الفوري لوقف المذبحة الدائرة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت.
وأصدر وزير الخارجية المصري كمال حسن علي تعليمات إلى سفير مصر في تل أبيب سعد مرتضى لإبلاغ حكومة “إسرائيل” بموقف مصر تجاه هذه المذابح. وطلب من الولايات المتحدة التدخل فوراً لوقف العمليات البشعة.
واستدعت مصر، سفيرها في تل أبيب للتشاور وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية أن استدعاء السفير يأتي رداً على اشتراك “إسرائيل” في المذابح التي تمثل انتهاكاً للاتفاق الذي رتبه المبعوث الأميركي.
وحمل الرئيس المصري “إسرائيل” مسؤولية المذابح وقال «إن تلك المذابح ستبقى وصمة عار في جبين كل من شارك فيها ومصر تعتبر “إسرائيل” مسؤولة عن هذه الفظائع حيث تمت في ظل احتلالها للمدينة وعلى مرأى من قواتها. وأن المذابح تعيد إلى الأذهان مذابح عصور الظلام والهمجية».
ودانت السعودية المذبحة ووصفتها بأنها جريمة بربرية وتصرف لا إنساني تتحمل مسؤوليته “إسرائيل” ومن قام بهذا العمل. وصدر بيان عن الديوان الملكي السعودي جاء فيه أن الملك فهد «أعرب عن حزنه وألمه وتأثره لهذا العمل اللا إنساني وهذه المذبحة المروعة».
وحملت دولة الإمارات العربية الولايات المتحدة مسؤولية المجازر البشعة، كما حمَّل مجلس الوزراء الكويتي الولايات المتحدة أيضاً مسؤولية المجازر وقال إن ما حصل هو وصمة في ضمير العالم.
وناشد كل الهيئات الدولية التصدي لهذا العمل الإجرامي وإدانة مرتكبيه.
وهدد العقيد معمر القذافي في رسالة بعث بها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة بالانسحاب من المنظمة الدولية وأكد في رسالته أن المذبحة تظهر عجز الأمم المتحدة وبصفة خاصة مجلس الأمن الذي وصفه بأنه «مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ـ الأميركي».
واتهم الأردن “إسرائيل” وحلفاؤها بارتكاب المجزرة وأعلن الحداد الرسمي على ضحايا المجزرة ليوم واحد.
وأكد الملك حسين رفضه التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية وقال إن المجزرة التي تعرض لها المدنيون الفلسطينيون في بيروت لم يكن من شأنها سوى زيادة تصميمه على عدم التفاوض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن.
وطالب الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة دول العالم بالضغط على “إسرائيل” لوضع حد لجرائمها.
الموقف الأميركي والأوروبي:
أعلن الرئيس الأميركي رونالد ريغان إنه «أصيب بالهلع إذ علم بالمجزرة، وأنذر “إسرائيل” بأن تسحب قواتها فوراً من بيروت الغربية محملاً إياها قسماً كبيراً من المسؤولية عما حدث». ووجه رسالة إلى بيغن جدد فيها طلبه سحب القوات الإسرائيلية من بيروت والموافقة على قرار مجلس الأمن الداعي إلى إرسال مراقبين إلى العاصمة اللبنانية.
وحمّل جون هيوز الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية إسرائيل «بعض المسؤولية عن المجزرة التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا قائلاً: «الواقع أن “إسرائيل” كانت تسيطر عسكرياً على بيروت، وقد وقعت هذه الحوادث خلال سيطرتها العسكرية على المدينة. وعندما يسيطر بلد على مدينة ويقع حادث فيها فإنه يتحمل بعض مسؤولية ما حدث».
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور شارلز بيرسي أنه يجب تحميل “إسرائيل” مسؤولية مجزرة اللاجئين الفلسطينيين في بيروت الغربية ذلك أن الشهود العيان رأوا الإسرائيليين وهم يسمحون للميليشيات المسيحية بدخول مخيمي صبرا وشاتيلا. ويبدو أنهم لم يضعوا أي موانع أو قيود عليها. ودعا وزير العدل الأميركي الأسبق رمزي كلارك إلى وقف المعونات العسكرية لإسرائيل بسبب تورطها في مجازر صبرا وشاتيلا.
وقال هوارد بيكر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، بعد اجتماعه إلى جورج شولتز، وزير الخارجية «إن إسرائيل تتحمل جزءاً من مسؤولية مذبحة المخيمات الفلسطينية، وأن الجزء المروِّع من الوضع هو ما يبدو من أنهم كانوا قوة تغطية للقوى الأخرى التي ارتكبت المجزرة».
الموقف الأوروبي:
أعرب الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عن رعبه إزاء الأنباء عن مذابح المخيمين وقال في بيان رسمي صدر عن قصر الاليزية «إن المجتمع الدولي يجب أن يقف في وجه مثل هذه المجازر ويتخذ الإجراءات اللازمة لمنعها، وأن المسؤولين عن هذه التجاوزات يخونون القضايا التي يعتقدون أنهم يخدمونها».
وأعربت رئاسة الحكومة الإيطالية في بيان أصدرته عن إدانتها الحازمة واستنكارها الشديد للأعمال الدموية التي سمح بها الجيش الإسرائيلي، وكررت دعوتها لسحب القوات الإسرائيلية من بيروت.
ووصفت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر المجزرة في بيروت الغربية بأنها بربرية ولا يمكن تصديقها ودعت إلى تعنيف القتلة بشدة.
أعلن البابا يوحنا بولس الثاني أن المجازر التي ارتكبت في بيروت (في صبرا وشاتيلا) ألقت بالإنسانية إلى أسفل الحضيض وقال:
«لا توجد كلمات نستطيع فيها التعبير عن إدانتنا لهذه الجرائم التي ارتكبتها قوى الشر».
ودان الرئيس السوفيتي برجنيف بشدة الجريمة البشعة الجديدة في بيروت واتهم “إسرائيل” بها، ووضع الولايات المتحدة أمام مسؤولياتها قائلاً: «إن الذين استطاعوا تفادي ما ارتكبته إسرائيل ولم يفعلوا يتحملون بدورهم قسماً من المسؤولية عن أنهر الدم التي تجري اليوم في لبنان».
ودان وزراء الخارجية للسوق الأوروبية المشتركة في بروكسل المجزرة وأعربوا عن الصدّمة والاشمئزاز العميق اللذين أثارهما هذا العمل الإجرامي ودعوا إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان أمن المدنيين.
ودان نواب (12) دولة أوروبية بالإجماع “إسرائيل” بسبب مسؤوليتها عن مجازر صبرا وشاتيلا، وذلك في المؤتمر البرلماني الأوروبي الذي انعقد في بون بتاريخ 24/9/1982.
وصرح الناطق باسم الحكومة الألمانية في بون كلاوس بولينغ إن بلاده تطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية من بيروت فوراً وأن تشكل لجنة تحقيق مستقلة، وأن الحكومة الاتحادية تدين هذا العمل الإجرامي وتطالب بأن تتخذ كل الإجراءات الضرورية للحؤول دون تكرار مثل هذا الحادث.
ودعا رئيس الوزراء الياباني زنكو سوزوكي “إسرائيل” لسحب قواتها فوراً وأكد أنه «يشعر بالغضب الشديد لما ارتكب من مذابح في المخيمات الفلسطينية، وأشار أن هذه المذابح ارتكبت في وقت كانت فيه بيروت الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي، مما يحمل إسرائيل مسؤولية مباشرة».
وحمل المستشار النمساوي برونو كرايسكي الجيش الإسرائيلي مسؤولية مباشرة عن المجازر التي ارتكبت في صبرا وشاتيلا وقال حرفياً: «في الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي لا يمكن أن يحدث شيء من دون أن يعرف به، من هنا مسؤوليته عن المجازر».
تعتبر مجازر صبرا وشاتيلا أبشع مجازر وقعت في القرن العشرين وذهب ضحيتها حوالي ستة آلاف من المدنين الفلسطينيين وتتحمَّل “إسرائيل” المسؤولية المباشرة عنها ، لأن مجرم الحرب شارون هو الذي خطط للمجازر واختار الزمان والمكان والقوات اللبنانيةكأداة لتنفيذها وأشرف عليها لإخفاء معالمها وقدَّم الجرافات اللازمة لذلك. وفرض الحصار والتعتيم الإعلامي على أخبارها.
ولا تزال “إسرائيل” ترتكب في الضفة والقطاع، في رام الله وغزة وخان يونس ورفح ونابلس وطولكرم وجنين الإبادة الجماعية لذلك يجب العمل على تقديم قادة “إسرائيل” إلى محكمة الجزاء الدولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب أسوة بمجرمي الحرب النازيين و الروانديين، بل ومن أسوأ مجرمي الحرب الذين ظهروا في التاريخ البشري فهم وحوش كاسرة تسير على قدمين.ولا تزال جرائمهم مستمرة منذ النكبة وحتى يومنا هذا وبدعم همجي من إدارة ترامب اليهودية.