الجشع المتأصل
د. أنيسة فخرو*
اكتب في اللحظة التي يتم فيها توقيع اتفاقية التطبيع بين النظام البحريني والكيان الصهيوني، والتي أسموها اتفاقية سلام! فهل كانت بينهما حروب؟
لا يمكن أن أتخيل أن يرفرف علم الكيان الصهيوني في سماء بلادي، ولا يمكن أن أقبل أن يدوس صهيوني على ذرة من تراب بلادي، ولا يمكن أن ترى عيناي سفارة صهيونية رسمية في بلادي، لا، قلبي ومعي قلوب الملايين من الشعب العربي، لا يقبل أن يرى علمهم يرفرف في سماء أية دولة عربية، فكل قطر عربي هو قطعة من الفؤاد، وعندما رأيت علم الصهيونية يرفرف في مصر، شعرت أن جرثومة سرطانية تبث سمومها في جسد الوطن العربي كله، والبحرين لقمة صغيرة بالنسبة لهم، لا تشبع الجشع والطمع المتأصل عند الصهاينة، وحتى الإمارات بالنسبة لهم لقمة لا تشبع جوعهم وجشعهم للسيطرة، ويحدثني قلبي بأن كل هدفهم هو تركيع وخضوع رأس اللقمة الدسمة الكبيرة المترامية الأطراف، والتي يريدون أن يشعلوا الخلافات الداخلية فيها، من أجل إعدادها على نار التقسيم المتلظية، وعسى الله ألا يحقق مرادهم أبدا.
هذا هو الطمع والجشع الغريب المتأصل عند الصهاينة والذي يسعى إلى السيطرة على العالم أجمع، وأنا على يقين أنه ليس كل يهودي جشع وطماع، لكن أي يهودي لديه هذه الصفة هو صهيوني في الأساس، ويشجع فكرة الصهيونية، لأنها قائمة على الجشع والنهب والسرقة، واعتماد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وعندما كتب شكسبير رائعته (تاجر البندقية) في القرن الرابع عشرة، التي يحكي فيها عن جشع التاجر اليهودي، منع الصهاينة طباعتها ونشرها وتقديمها على المسرح، لأنها تفضح جشعهم المتأصل، وليس لهم حجة سوى معاداة السامية، وللعلم نحن العرب اكثر سامية منهم، ولكن بعد تحريف الرواية قبلوا بعرضها على المسرح.
منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني في 1978، أربعون عاما من التطبيع، ولم يستطع الصهاينة الوصول إلى قلب أي مواطن مصري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني والأردني بعد توقيع اتفاقيتي أوسلو 1993م ووادي عربة 1994م، ولم يحاول أي نظام فرض التطبيع على الناس والشعب بالقوة، في حين أنه فِي الخليج يحاول الذباب الالكتروني الترويج للتطبيع بطريقة وقحة أحيانا، وسمجة أحيانا أخرى، وباتباع الأسلوب المعروف، سياسة العصا والجزرة، فإما باللين والرشوة، عبر تمرير الكثير من الأكاذيب الملفقة عن القضية الفلسطينية، وإما بالتهديد المبطن والصريح، لكن لن تنطلي كل الحيل على شعبنا البحريني والخليجي، لأن اتفاقيات العار التطبيعية تمثل الأنظمة لا الشعوب، ولم يؤخذ رأي أي شعب فيها.
بكل وضوح نحن لسنا ضد اليهود أبدا، فالوطن العربي فيه من كل الأديان، المسيحون واليهود والمسلمون والصابئة، ومن كل الأديان التي نحترمها ونُجلّها، والقرآن الكريم أطلق على أنبياء اليهود والمسيحية كلمة المسلمين لكن قومهم الضالين لم يتبعوهم، وحتى الأديان غير السماوية أطلق على مؤسسي أديانهم بالمُرسلين.
ونحن نحترم كل يهودي شريف، أمثال العالم أينشتاين الذي رفض فكرة قيام دولة صهيونية واغتصاب أرض، والمفكر نعوم تشومسكي، ومن الفنانين نحترم جدا ليلى مراد ونجمة إبراهيم مثلا، اللتان واجهتا كل الإغراءات والضغوطات الصهيونية، من أجل ترك مصر والذهاب إلى فلسطين المحتلة، ورفضتا الفكرة وأصرتا على البقاء في بلدهما العربي، والكثير من اليهود مواقفهم إنسانية عادلة، لكن اليهودية شيء والصهيونية شيء مخالف له تماما، فالصهيونية استغلت الدين اليهودي من أجل اغتصاب أرض عربية وطمعا في الاستيلاء على خيراتها، مثلما استغل الدواعش الإسلام من أجل إقامة دولتهم الفاشلة، حينما يوضع الدين شماعة للكذب والنهب والجشع والاستغلال.
لا تفاوض لا صلح لا اعتراف بلا ثمن، اللاءات الثلاث وزيادة عليها ألف لا، هذه الأسس القومية العروبية التي تعلمناها من مصر عبدالناصر، ونعم نفتقد الزعيم عبدالناصر الذي اغتاله الصهاينة بالسُم، وتؤكد عملية الاغتيال وثائق المخابرات الروسية التي بثتها قناة روسيا في برنامج (رحلة في الذاكرة)، وتأكيد آخر كتبه محمد حسنين هيكل.
الشعب البحريني سنة وشيعة ضد التطبيع ولن يستطيعوا أن يجبرونا على التعامل مع الصهاينة، ولا على شراء بضاعتهم، ومن المستحيل أن ينجحوا في اجبارنا على قبولهم وحبهم، لأنهم لا يستطيعون التحكم في قلوبنا، حتى لو وضعوا تلك الشريحة في أجسادنا عبر ذلك اللقاح، وصرنا بشر آليين، ستبقى قلوبنا تنبض مرددة: فلسطين عربية.
*سفيرة المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام