الدولة الفاشلة
د. أنيسة فخرو*
تمر على المرء أحداث سياسية يستغرب منها فعلا، تنازل وتطبيع بلا ثمن! والثمن لا يُقاس بالنقود حتى لو كانت مليارات الدولارات فلا قيمة لها، بل بالأرض، مثلما باعت الإمبراطورية الروسية ولاية (ألاسكا) إلى أمريكا سنة 1867م بمبلغ 7 مليون دولار، ثم عضت أصابع الندم، فاحتياطات النفط فيها تبلغ اليوم 9 مليار برميل.
التطبيع مع الكيان الصهيوني كما يقول مسئول عُماني يعني خطر وجودي على الأوطان، ويعني دخول الصهاينة في كل مفاصل البلاد وبالقانون، سيتملكون الأراضي والعقارات باسم قانون الاستثمار العقاري، سيفتحون مدارسهم وجامعاتهم باسم قانون التعليم الخاص، سيحصلون على التجنيس باسم قانون الجنسية، سيحصلون على السجلات التجارية باسم قانون الاستثمار، وسيجلبون النساء وموائد القمار، لأنها الوسيلة الأسرع لجذب الدولارات، وسينهال الصهاينة المستعربين، وسيعملون على دق مسمار جحا في كل بلد عربي.
لذلك على الأمهات والآباء تحصين أولادهم منذ الصغر بالفضيلة، لكي لا يكونوا لقمة سائغة للرذيلة، والابتعاد عنهم، وعدم شراء بضائعهم، فمثلما النظام اختار التطبيع فإن الشعب حر في اختياره رفض التطبيع، وفِي المواقف الصعبة تظهر معادن البشر .
نثمن موقف المملكة العربية السعودية المنحاز للحق الفلسطيني، ونعرف حجم الضغوطات الصهيونية عليها، لكن السعودية تعرف قامتها وحجمها وقوتها وتأثيرها على العالم الإسلامي أجمع وعسى الله أن يحميها ويثبتها على موقف الحق.
والمضحك حين يُقال أن التطبيع من أجل التنمية! الصين وألمانيا وسنغافورة وحتى ماليزيا هم سادة التنمية وليس الصهاينة.
أو يُقال التطبيع من أجل صدّ أطماع إيران! كمن يجلب الضبع إلى بيته خوفا من الذئب، أليس لديكم الأساطيل الأمريكية والبريطانية والفرنسية؟ ألا يكفيكم سادة العسكر؟
كان الأجدر التطبيع مع اليمن وقطر ولبنان وسوريا وغيرها، فلقد سئمنا الحروب العربية العربية.
والقاعدة الأولى: عندما يريد الصهاينة المتأمركين التخلص من أي رئيس، يصنعون البديل له، ويجلبون البديل ليحل محل الرئيس السابق، وإذا ما انتهي دور الرئيس الجديد تتم تصفيته، كما فعلوا مع أنور السادات، والشاه، ومبارك وغيرهم.
والقاعدة الثانية: إذا حدثت كارثة في أي مكان أبحث عن المستفيد الأول منها، لتعرف مُرتكبها.
من المستفيد الأول من الحرب الإيرانية العراقية؟
من المستفيد من غزو الكويت؟
من المستفيد من الحرب العالمية على العراق؟
من المستفيد من احتلال العراق؟
من الذي سرق مكتبات ومتاحف وكنوز الوطن العربي؟ من مصر والأردن وسوريا والعراق وغيرها؟
من وراء الحرب في اليمن؟
من وراء الحرب الكونية على سوريا؟
من المستفيد من الحرب في ليبيا؟
من المستفيد من انفجار مرفأ (بيروت)؟
كل الحروب العربية العربية استفادت منها الصهيونية المتأمركة في تحريك عجلة اقتصادهم ومصانعهم وتجارة السلاح الرائجة لديهم، والجميع يعلم بأن الصهيونية هي من يحرك أمريكا حاليا ويتحكم فيها.
كما ظهرت الآن الدلائل على أن الكيان الصهيوني يُجهّز ميناء (حيفا) ليكون الميناء الرئيسي للسيطرة على التجارة البحرية في الشرق المتوسط، وله المصلحة الكبرى في ايقاف مرفأ (بيروت) عن العمل كليا.
القاعدة الثالثة: لا تقوم الدول الحقيقية على أساس ديني أبدا، وكل دولة تقوم على أسس دينية هي دولة فاشلة وحتما ستنهار، والكيان الصهيوني القائم على القتل والمؤامرات والنهب، يريد قيام دولة يهودية محضة خالصة، وهم يعرفون تلك القاعدة جيدا، لذلك يجاهر ساستهم ليل نهار بخوفهم من زوال دولتهم العنصرية البشعة.
فمثلا (إبراهام بورغ) رئيس الكنيست سابقا يقول في هارتس: “إن إسرائيل غيتو صهيوني يحمل بذور زواله في ذاته”، ويقول (ناحوم برنياع) في يديعوت أحرونوت: “إن إسرائيل وجود مفتوح للجدل”، ويتساءل (إبراهام تيروش) في معاريف: “هل أوشكت دولة اليهود أن تكون مشهداً عابرا؟”
ويشكك الصهيوني (إسرائيل أومان) قائلا: إن عدداً كبيراً من اليهود لا يدركون لماذا هم موجودون هنا.
ويعترف (دافيد بن غوريون)، أوّل رئيس وزراء صهيوني قائلا: “لو كنتُ حاكما عربيًا، فلن أُوقّع أيّ اتفاقٍ مع إسرائيل على الإطلاق، فهذا طبيعيّ، نحن أخذنا بلادهم منهم، صحيح أنّ الله وعدنا بها، ولكن كيف من المُمكِن أنْ لا تُثير اهتمامهم؟ إلههم ليس إلهنا؟ فلماذا يتقبّلون هذا؟” من كتاب الصهيونيّ (ناحوم غولدمان) “المسألة اليهوديّة” ص 121.
ولا تُقارن إيران أو تركيا بدولة الكيان الصهيوني، وطبعا ندين أطماعهم كلهم في البحرين، والخليج، والوطن العربي، لكن إيران دولة قديمة ممتدة في عمق التاريخ، وحينما يأتي نظام يريد تأسيس الدولة الإيرانية على أساس ديني حتما سيسقط آجلا أم عاجلا، ومثلما اختاروا الخميني ومهدوا له الطريق بعد الشاه، وجلبوه وصفقوا له، وانتهى دوره، حينما أسس دولة دينية طائفية شيعية تصارع بعض الدول الدينية العربية الأخرى، لشحذ سكاكين الطائفية بين الأنظمة والشعوب، فحتما سيولي نظام الملالي وستبقى إيران.
والحال نفسه مع تركيا، الدولة العميقة التي لها تاريخ طويل، حينما يأتي أردوغان من أجل تأسيس الدولة الدينية الطائفية السنية، حتما سيولي أردوغان وستبقى تركيا.
أما الكيان الصهيوني، فهو قبل عام 1948م كان كيانا غير موجود على خارطة العالم بتاتا، وتَشكّل بالقوة والقمع والقتل، كيان غاصب، سرق أرض عربية، وجلبوا المستوطنين والجنود الصهاينة من كل حدب وصوب، من الغرب الشرق، ومن كل أنحاء المعمورة، جمعوهم باسم الدين اليهودي، ووعدوهم بالمن والسلوى، وبالجنة وأرض الميعاد.
والحقيقة التاريخية والجغرافية والديمغرافية: إن الدولة لا تقوم على أساس ديني مطلقا، بل تقوم على أساس مكونات قومية وعرقية، تعتنق خليط من الأديان المتعددة، لذلك هذه أحد الأسباب الرئيسة التي تؤكد حتمية فشل وزوال دولة الكيان الصهيوني العنصرية الغاشمة، وإنا لناظره قريب.