العقد الفريد
د. أنيسة فخرو*
(1)
في مقالنا هذا نحاول التعريف بالعمل التراثي العظيم (العقد الفريد)، المؤلف: أبو عمر شهاب الدين أحمد محمد بن عبدربه بن حُدير بن سالم القرطبي الأندلسي، مولى هشام بن عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك بن مروان الأموي.
ولد عبد ربه في عام 246 هجرية في قرطبة، وتوفى مفلوجا في 328 هجرية عن عمر يناهز الثمانين (860-940م)، وقد عاصر كل من الأمير عبدالله، ثم الأمير عبدالرحمن الناصر، عام 300 هجري.
طُبع العمل مرات عدة، في الأعوام: 1293 و 1302 و 1305 و 1373 هجري بالقاهرة، وما وصلنا منه يتكون من سبعة كتب، كل كتاب يشتمل على حوالي 500 صفحة، وتم نشر الكتب الستة ما بين السنوات 1940 إلى 1949م، أما الكتاب السابع، فنُشر عام 1953م.
عنوان العمل جاء من العقد الذي يزين جيد المرأة، ويتألف من خمس وعشرين فصلا، وكل فصل عبارة عن جوهرة كريمة، اثنتا عشرة على كل جانب، وتتوسطهما الجوهرة الأكبر وتُسمى (الواسطة)، وبقية الجواهر مثل اللؤلؤة والجُمانة والمرجانة والياقوتة والزمردة.
يتكون العمل من 25 فصلا، وعلى التوالي جاءت كالتالي:
في السلطان والمُلك، والحروب، الأجواد والأصفياء، الوفود، مخاطبة الملوك، العلم والأدب، الأمثال، المواعظ، التعازي والمراثي، النسب وفضائل العرب، الأجوبة، الخطب، التوقيعات والفصول وأخبار الكتّاب، الخلفاء وتواريخهم، أخبار زياد والحجاج، أيام العرب ووقائعهم، فضائل الشعر ومقاطعه ومخارجه، عروض الشعر وعلل القوافي، علم الألحان واختلاف الناس فيه، النساء وصفاتهن، المتنبئون والبخلاء والطفيليون، طبائع الإنسان وسائر الحيوان، الطعام والشراب، الهدايا والفكاهات.
والكتاب السابع يخص الفهارس، ويضم اثنى عشر فهرسا على النحو التالي: الآيات القرانية، الأحاديث النبوية، الأعلام، الأمثال، الأمكنة والبلدان، الأيام، الأمم والقبائل والبطون، فهرس الكتب، الأشعار، أنصاف الأبيات، الأرجاز، والموضوعات.
وسنأتي على ذكر بعض المقولات من الأجزاء والفصول، ففي تعريف السلطان يقول: (السلطان زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، وظله الممدود على عباده، به تمتنع حريمهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم).
ويستشهد بالحديث الشريف: (عدل ساعة في حكومة، خير من عبادة ستين سنة).
وعن العدل والقضاء العادل، يأتي على ذكر بعض من أقوال عمر بن عبد العزيز:
(إذا كان في القاضي خمس خصال فقد كمل: علم بما كان قبله، نزاهة عن الطمع، حلم على الخصم، اقتداء بالأئمة، ومشاورة أهل العلم والرأي).
(إذا أتاك الخصم وقد فُقئت عينه، فلا تحكم له حتى يأتي خصمه، فلعله قد فُقئت عيناه الاثنتان).
ومن الأمثلة ما قاله الشُعبي: (كنتُ عند شريح القاضي، إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها وهو غائب، وتبكي بكاء شديدا، فقلت أصلحك الله ما أراها إلا مظلومة، قال وما علمك؟
قلت لبكائها، قال لا تفعل، فإن أخوة يوسف جاءوا أباهم عشاء يبكون، وهم له ظالمون). لذا عليك ألا تأخذ بالظواهر عند الحكم.
وفي فصل الحروب يقول عمر بن الخطاب لعمرو بن معد: صف لنا الحرب، قال: (مُرّة المذاق، من صبر فيها عرف ومن نكل عنها تلف).
ويقول عنترة في وصفه للحرب: (أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى).
ويقول الخليفة أبي بكر لخالد بن الوليد: (أحرص على الموت، توهب لك الحياة).
وفي الفصل الثالث المتعلق بالأجواد والأصفياء، يقول في مدح الكرم وذم البخل، عن الحديث النبوي الشريف: (إن الله يحب الجود ومكارم الأخلاق).
وعن العطية قبل السؤال يقول الحكماء: (السخي من كان مسرورا ببذله متبرعا بعطائه، لا يلتمس عرض الدنيا فيحبط عمله، ولا طلب مكافأة فيسقط شكره).
وفي استنجاز الوعود يُقال: (أنجز حرّ ما وعد).
وتقول العرب: (وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف).
وفي مخاطبة الملوك قالت العرب: (أنفذ من الرمية الكلمة الفصيحة).
وفي تعريف البلاغة يقول معاوية: أن تجيب فلا تبطئ وتصيب فلا تخطئ.
ويقول سهل بن هارون: العقل رائد الروح، والعلم رائد العقل، والبيان ترجمان العلم. كما يُقال: عدو عاقل أحب إليّ من صديق جاهل.
تراثنا ثري وجميل، نستقي منه مقولات من ذهب، وعلينا أن نتأملها جيدا ونستفيد منها كثيرا.
(2)
نتابع في مقالنا هذا التعريف بالعمل التراثي العظيم والضخم (العقد الفريد)، الذي يتكون من سبعة مجلدات، ويحتوي على 25 فصلا، وكل فصل عبارة عن جوهرة ثمينة في العقد الفريد، المؤلف أبو عمر شهاب الدين أحمد محمد بن عبدربه الأندلسي، ولد عام 246 هجرية وتوفى مفلوجا في 328 هجرية في قرطبة، عن عمر يناهز الثمانين، وقد عاصر كل من الأمير عبدالله، والأمير عبدالرحمن الناصر عام 300 هجري.
يتحدث الكتاب في الفصل الخاص بطبائع الإنسان وسائر الحيوان، عن طبقات الرجال، فيقول العرب:
الرجال ثلاثة: رجل كالغذاء لا يُستغنى عنه، ورجل كالدواء، لا يُحتاج إليه إلا حينا بعد حين، ورجل كالداء لا يُحتاج إليه أبدا.
ويقول الخليل بن أحمد: الرجال أربعة، رجل يدري ويدري أنه يدري، فذلك عالم فسلوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك الناسي فذكّروه، ورجل لا يدري ويدري أنه يدري، فذلك الجاهل فعلّموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك الأحمق فاجتنبوه.
وعن النفس، يقول أنها ثلاثة: النفس الملكية، والنفس الغضبية، والنفس البهيمية.
وفي التواضع يقول النبي (ص): يقول الله تبارك وتعالى: العظمة إزاري والكبرياء ردائي، فمن نازعني على واحدا منهما قصمته وأهنته.
ويقول النبي(ص): من تواضع لله رفعه.
ويقول يحي بن حيان: الشريف إذا تقوّى تواضع، والوضيع إذا تقوّى تكّبر.
وتقول العرب: كل نعمة يُحسد عليها إلا التواضع.
ومن مواعظ الآباء للأبناء يقول لقمان لابنه: (يا بني لا تضحك من غير عجب، ولا تمشي في غير أدب، ولا تسأل عما لا يعنيك، يا بني إن من يَرحم يُرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يقل الخير يغنم، ومن يقل الباطل يأثم، ومن لا يملك لسانه يندم).
ويقول عمر بن الخطاب لابنه عبدالله: إن من أتقى الله وقاه، ومن أتكل عليه كفاه، ومن شكر له زاده، ومن أقرضه جزاه، فاجعل التقوى عمارة قلبك وجلاء بصرك، فإن لا عمل لمن لا نية له، ولا خير لمن لا خشية له، ولا جديد لمن لا خُلق له.
ولمن يشكك في عروبة أرض فلسطين، يذكر المجلد السابع، وبالتحديد في الفصل الخاص بتفاضل الأمكنة والبلدان:
الشامات خمسة: أول حد الشام من طريق مصر أمج، ثم يليها غزة، ثم الرملة رملة فلسطين، ومدينتها العظمى فلسطين وعسقلان، وبها بيت المقدس، وفلسطين هي الشام الأولى، ثم الشام الثانية الأردن، ومدينتها العظمى طبرية، وهي التي على شاطئ البحيرة، والغور واليرموك، وبيسان تقع فيما بين فلسطين والأردن.
ثم الشام الثالثة الغوطة، ومدينتها العظمى دمشق، ومن سواحلها طرابلس، ثم الشام الرابعة أرض حمص، ثم الشام الخامسة وهي قنسرين ومدينتها العظمى حلب، وبين قنسرين وحلب أربعة فراسخ وساحلها أنطاكيا، وهي مدينة عظيمة على شاطئ البحر وفي داخلها البساتين والأنهار والمزارع، وهي مدينة حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى كما ذُكر في القرآن الكريم، وبها مسجد يُنسب إليه.
والعرآق عرآقان: البصرة والكوفة، وخلفاء بني هاشم أصلهم من المدن، والأنبار مدينة أبي العباس، أول الخلفاء من بني هاشم، واتخذها دارا لخلافته، ثم ولى أخوه أبو جعفر المنصور، فانتقل إلى بغداد، وابتنى الكرخ، وهي مدينة السلام في بغداد دار خلافة بني هاشم، حتى قام المعتصم محمد بن هارون الرشيد فانتقل من بغداد إلى سامراء، وقد جاء اسم المدينة كما يُقال من سام بن نوح عليهما السلام.
ومصر هي الفسطاط من ناحية الشام، وهي مدينة فيها منبران ومسجدان يجمع منهما العسكر حيث السلطان، وعين شمس فيها منبر، وهي مدينة فرعون فيها بنيانه قائم، والفرما لها منبر، والعريش لها منبر، وهي آخر مصر وأول الشام، وفي أسفل الأرض أبو صير ولها منبر، وتنيس ولها منبر، وإليها تُنسب الثياب التنيسية، وشطا لها منبر وينسب لها الشطوي، وديبق لها منبر ويُنسب لها الديبقي من الثياب، والإسكندرية لها منبر، ومن ناحية الحجاز القلزم لها منبر، وأبَلة لها منبر، ومن ناحية الصعيد القسّي وإليها ينسب القسّي من الثياب، والصفني وينسب لها الصفنية من الثياب، ودلاص لها منبر، وهي مجمع سحرة مصر، والفيوم لها منبر، وتؤدي كل يوم ألف دينار، وخلف ذلك بوق، وبها تكون الجواهر والذهب.
أخيرا نؤكد أنه من الصعوبة جدا تلخيص مثل هذه الأعمال التراثية العظيمة، ولقد حاولنا تقديم نبذة خاطفة للعقد الفريد، والمكون من سبعة مجلدات، ويضم حوالي أربعة آلاف صفحة، والذي كُتب في القرن التاسع ميلادي، أي قبل أكثر من ألف سنة.
ونؤكد بأن العقل العربي خلاق مبدع، ويُنتج في كل زمان ومكان أعمال عظيمة، علينا أن نتبحر فيها ونتعلم منها.
*سفيرة المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام