التوجهات الاميركية الجديدة
تصحيح المسارات مع ايران واوروبا وروسيا والصين وعلى الحلفاء حماية انفسهم
عمر عبد القادر غندور*
لم تظهر حتى الساعة ملامح السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهد الرئيس الجديد جو بايدن، وان بدت ودية لا انفعال فيها ولا تسرع.
وليس هذا بالضرورة ان تكون السياسة الخارجية الاميركية الجديدة وخاصة في الشرق الاوسط، متفهمة لظروف شعوب المنطقة، ولكنها لن تكون اسوأ من سياسة الرئيس “المتهم” دونالد ترامب.
وتبدو السياسة الاميركية الحالية مترددة حذرة لا تُطمئن حلفاءها ولا تزعج اعداءها.
عن مثل هذا النموذج، يدعم وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن في كل الظروف الحالية سيطرة “اسرائيل” على مرتفعات الجولان السوري، ويقول ان الجولان مهم جدا لأمن “اسرائيل”.
وقيل له: هل تظن ان الظروف وحدها هي التي تحدد شرعية ضم الجولان الى “اسرائيل”؟
فأجاب: نحن نشكك في قانونية قرار ادارة ترامب وسنعيد النظر مستقبلا بشأن المنطقة الاستراتيجية.
وسرعان ما اصدر ديوان رئيس وزراء العدو نتنياهو بيانا قال فيه: الجولان ستبقى جزءا من “اسرائيل” الى الابد.
وكان العام ٢٠١٩ شهد اعتراف ترامب بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان السورية التي استولت عليها “اسرائيل” في حرب الايام الستة وضمتها لاحقا في خطوة ظالمة لم يعترف بها المجتمع الدولي!!
ويبدو ان بلينكن يدعم السيطرة الاسرائيلية على الجولان المحتل ولا يعترف بسيادة العدو النهائية على الجولان السوري.
لا شك ان ادارة الرئيس بايدن هي اليوم بصدد مراجعة ” التركة ” التي خلّفها الرئيس المتوتر دونالد ترامب. ومن خلال التعاطي مع هذه “التركة” يمكن للمتابع ان يستشرف معالم السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة.
يُفهم من التقارير والمعلومات والمواقف للادارة الجديدة، ان الرئيس بايدن يرى ان مرجعية الشرق الاوسط كموقع جو سياسي في حالة تراجع يؤكده انخفاض الحاجة الى النفط، ما يستدعي التخفيف من الانخراط الاميركي في المنطقة، والتركيز على التحدي الذي تمثله روسيا والصين باعتبارهما خصمين استراتيجيين لاميركا ولكونهما قوتين تعديليتين في النظام الدولي الذي اسسته الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية، والانتباه اكثر الى انتشار اسلحة الدمار الشامل الذي يمثل تحديا للامن والمصالح الاميركية.
ويُفهم، ان الادارة الاميركية الجديدة تريد عدم الاستمرار في الحروب اللانهائية في افغانستان، وان الرئيس بايدن يريد ان تستعيد الولايات المتحدة الثقة كوسيط لارساء سلام شامل ودائم في الشرق الاوسط قائم على حل الدولتين على ارض فلسطين ووضع حدّ لاحتضان الولايات المتحدة العميق لرئيس وزراء العدو نتنياهو وسياسات الضم الآحادي لاجزاء من الضفة الغربية والتوسع في الاستيطان الذي من شأنه تقويض آفاق حل الدولتين، وهو يؤيد نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، ويدعو الى اعادة العلاقات الديبلوماسية بين الولايات المتحدة والفلسطينيين وإعادة ضخ المساعدات الاميركية للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع التي اوقفتها ترامب، وبما يتفق مع القانون الاميركي، واعادة فتح القنصلية الفلسطينية لمنظمة التحرير في واشنطن وان الولايات المتحدة لن تبقى الى الابد مندوبة فوق العادة لاسرائيل .
ولان الرئيس بايدن يريد احداث تحولات تشبهه، فهو يرى سياسات ترامب تتعارض مع القيم والمبادئ الديمقراطية، لا بل هي انحرافات لا تمثل الولايات المتحدة، وتسببت بانعدام الاستقرار والامن الاقليميين في الشرق الاوسط ما ادى الى تعقيد ازماته وان استراتيجية ” الضغوط القصوى” التي اعتمدها ترامب وخاصة مع ايران، فشلت في كبح التأثير الايراني مع الجوار، وانتهت الضمانات التي تمنع ايران من امتلاك السلاح النووي .
ويقول الرئيس بايدن انه سيعرض على الايرانيين طريقا موثوقا والعودة الى الديبلوماسية بدعم من الدول الاوروبية وان اميركا بحاجة الى الهدوء للتحدث مع الايرانيين لتحصين الاتفاق النووي والتطرق الى الصواريخ الباليستية والدور الايراني والتشاور مع الدول الخليجية.
ويقول الرئيس الاميركي ايضا:
ترامب قلب المعادلات رأسا على عقب واخطأ في تقدير وباء الكورونا، وفي تعامله مع الصين وايران وتركيا واوروبا وفلسطين، وبالكثير من القضايا على المستوى العالمي وهو بصدد العودة الى اتفاقية المناخ والى منظمة الصحة العالمية وسيعيد النظر في التحالفات في الشرق الاوسط وخاصة مع السعودية، وان الولايات المتحدة لن تستطيع قيادة العالم لوحدها والآحادية انتهت واميركا معنية بتنظيم العلاقة مع اوروبا والشراكة مع الناتو، ويقول الرئيس بايدن ايضا انه يرفض النهج العسكري والقوة الخشنة في التعامل مع تهديدات الانتشار النووي في منطقة الشرق الاوسط، مع تقليل الوجود العسكري الاميركي الكبير في المنطقة مقابل تقدم التحالفات لتعزيز الاولويات المتبادلة بحيث تكون دول المنطقة مسؤولة عن حماية نفسها ولا تتحمل الولايات المتحدة وحدها تكلفة الدفاع عن امن واستقرار هذه الدول.
بنهاية هذا العرض، يتبين من خلال الاداء الشخصي للرئيس بايدن انه شخصية وسطية اكثر مرونة وعقلانية ونتوقع منه سياسات متوازنة غير اندفاعية التي عرفناها في شخصية ترامب المتوترة، ولذلك هو معني باصلاح ما افسده ترامب، ولابد لشخصيته الهادئة وميوله الايدلوجية والدينية ان تحدد مسارات سياساته الى جانب اهتمامه بحماية مصالح اميركا ووضع الخطط للشرق الاوسط خاصة وضمان امن الخليج كبقعة استراتيجية بالغة الحساسية، لان دولها اكثر استيرادا للسلاح والمعدات العسكرية الاميركية ما يوفر كمّا هائلا من الاموال، وهو حريص على تواجد القواعد الاميركية بضمان امن الخليج وامن “اسرائيل” ولردع ايران، وفي ذات الوقت يعتبر ان السعودية فشلت في حربها على اليمن ولم تحسمها بالشكل المطلوب وساهمت في اسوأ كارثة انسانية في العالم.
اما نظرته الى “اسرائيل” فهي واضحة رغم اعتراضه على سياسات ترامب المؤيدة للتوسع وضم الجولان السوري وقد حرص منذ ان نال عضوية مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي ١٩٧٣- ٢٠٠٩ على اعلان دعمه للدولة الصهيونية وقام بزيارة فلسطين واجتمع الى رئيسة الوزراء غولدا مائير وشدد على اهمية وجود “اسرائيل” في المنطقة العربية لحماية المصالح الاميركية وامن اليهود في العالم بوصفها وطنا قوميا آمنا ليهود العالم، وقد تلقى بايدن منذ ايام ثناءً حارا من نتنياهو وصفه فيه بصديق “اسرائيل العظيم”.
*رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي
بيروت في٢/١٢ /٢٠٢١