نكبة فلسطين نكبة الأمة
بمناسبة مرور 73عاماً على النكبة
د. غازي حسين
يحيي شعبنا العربي الفلسطيني وأمتنا العربية في الخامس عشر من أيار من كل عام ذكرى نكبة فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني بدعم من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والأمراء والملوك العرب.
تمر في هذه الأيام الذكرى السنوية 73للنكبة والوضع الفلسطيني والعربي في أسوأ وأخطر أحواله بسبب توقيع اتفاقات الإذعان والتطبيع مع عدو الشعب والامة والانسانية وتدمير واحتلال العراق وسورية وليبيا واليمن والاعتداء على الاقصى وحي الشيخ جراح والمدنيين في قطاع غزة وكل فلسطين التاريخية.
وجهت السعودية وقطر والإمارات وجماعات الإخوان المسلمين والدول الغربية المجموعات التكفيرية وما يسمى بالمجاهدين إلى سورية، القلب النابض للأمة كما وصفها القائد العربي جمال عبد الناصر، والتي انطلقت منها المقاومة الفلسطينية المعاصرة لتغيير قيادتها وإضعاف جيشها وتمرير الحل الصهيوني لقضية فلسطين.
تمر هذه الذكرى الأليمة في هذا العام وقضية فلسطين أصبحت نسيْاً منسياً لدى النظام العربي الرسمي وخاصة أنظمة اتفاقات الإذعان والتطبيع.
وانقسمت الفصائل الفلسطينية إلى اتجاهين: الأول: يتمسك بالمقاومة وهو غير قادر على القيام بها لعدم توفر السلاح والعتاد والأموال والموقف الرسمي الغربي والعربي المعادي لها، والثاني: تخلى عنها لالتزامه باتفاق الإذعان في أوسلو و أموال الدول المانحة والتنسيق الأمني مع العدو الاسرائيلي المحتل.
قلما حدث في التاريخ الإنساني أنْ قامت أقلية أوروبية جاءت من وراء البحار، غريبة عن فلسطين، دخيلة عليها بطرد أصحابها الأصليين وسكانها الشرعيين باستخدام القوة والمجازر الجماعية والحروب العدوانية واقتلاعهم من وطنهم وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاض مدنهم وقراهم كما حدث ويحدث في فلسطين منذ 15 أيار 1948 وحتى اليوم.
ولا تزال النكبة مستمرة بتهجير يهود العالم إلى فلسطين، واقتلاع الفلسطينيين منها تحقيقاً للخرافات والأساطير والأطماع والأكاذيب التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود، وضمنها المؤسسون الصهاينة للصهيونية كأيديولوجية وحركة عالمية منظمة وكيان، لإقامة “إسرائيل” العظمى الاقتصادية جراء تفتيت البلدان العربية وإعادة تركيبها من خلال إقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، بحيث تكون “إسرائيل” بمثابة القلب والمركز والقائد له بالتعاون والتنسيق الكاملين مع آل سعود وثاني ونهيان وأردوغان وبدعم وتأييد كاملين من أمريكا زعيمة العالم الغربي وأتباعها العرب.
قامت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا وأمريكا الاستعماريتين وألمانيا النازية وبموافقة ودعم الأمراء والملوك العرب بتهجير اليهود من أوروبا وأمريكا وبلدان العالم إلى فلسطين وإقامة «إسرائيل» فيها وترحيل الفلسطينيين منها. ولا تزال هذه العملية الاستعمارية والعنصرية والإرهابية، والهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني مستمراًحتى اليوم.
كانت النكبة نكبة الأمة لأنها كانت حصيلة الاتفاقات والمخططات الأوروبية والصهيونية والرجعية ومنها تقرير كامبل عام 1907، واتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916، ووعد بلفور الاستعماري عام 1917، ومؤتمر الصلح في فرساي عام 1919، و مؤتمر الحلفاء في سان ريمو 1920، ونظام الانتداب البريطاني والفرنسي عام 1922 وقرار التقسيم غير الشرعي عام 1947، وتأسيس “إسرائيل” في 15 أيار 1948
وذلك لإبقاء البلدان العربية مجزأة مفتتة متخلفة، والحيلولة دون تحقيق وحدتها وتطورها، والمحافظة على تبعيتها للإمبريالية والصهيونية العالمية لاستنزاف ثرواتها و أمركتها و صهينتها ومحاربة العروبة والإسلام وتوجيه ما سمي بالربيع العربي والجهاد لتفتيت البلدان العربية وتدميرها، ومحاولة إقامة دولة الخلافة الإسلامية لتبرير يهودية الدولة وتحقيق الحل الصهيوني لقضية فلسطين.
تعتبر النكبة وإقامة “إسرائيل” أكبر جريمة تطهير عرقي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، وأكبر جريمة جينوسايد (إبادة جماعية) ارتكبت بعد الإبادة الجماعية التي ارتكبتها النازية بحق المعادين لها من جميع الشعوب والأعراق الأوروبية غير الآرية، وهي مخطط صهيوني استعماري عربي رجعي بدأ يتحقق عن طريق ارتكاب العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة75 مجزرة عام 1948 على غرار مجزرة دير ياسين وترحيل حوالي المليون فلسطيني قسراً ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وتدمير مدنهم وقراهم، وملاحقتهم في مخيماتهم وتدميرها، حيث قامت “إسرائيل” بتدمير أكبر مخيم في الضفة الغربية عام 1967 وهو مخيم عقبة جبر ومخيم عين السلطان في أريحا، وساهمت في تدمير مخيمي جسر الباشا وتل الزعتر وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا في بيروت. وقامت المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة المرتبطة بالسعودية و قطر و الإمارات و الولايات المتحدة وأجهزة مخابرات مختلفة باجتياح مخيم اليرموك و خان الشيح و النيرب وحندرات ودرعا لتهجير اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون عودتهم إلى مدنهم وقراهم في فلسطين إلى السويد وألمانيا وبقية دول العالم.
نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مخططات الترحيل والتهويد التي وافقت عليها المؤتمرات الصهيونية ولجان الترحيل التي شكلتها الوكالة اليهودية وحكومة “إسرائيل”، وعن قرار التقسيم غير الشرعي، والمجازر والحروب التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة و جريمة التطهير العرقي التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، واستغلال المحرقة واللا سامية وتآمر الأمراء والملوك الذين نصبتهم بريطانيا الاستعمارية، وتحمي عروشهم حالياً الولايات المتحدة الأمريكية في حرب 1948 الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية.
زعمت «إسرائيل» كعادة اليهود في الكذب ورسخّتْ في المناهج الدراسية فيها
إن القادة العرب هم الذين طلبوا من الفلسطينيين مغادرة ديارهم، وجاء المؤرخون الجدد في “إسرائيل” وأعلنوا «أن ترحيلاً جماعياً وقسرياً قد ارتكبته “إسرائيل” بحق الشعب الفلسطيني عام 1948م، وذلك بعد أن درسوا الوثائق الصهيونية السرية في الأرشيف الصهيوني».
إن النكبة لا تزال مستمرة وتتعمق بإستمرار بعد مرور أكثر من 73 عاماً عليها، ويحييها الشعب والأمة في ظروف ومرحلة أكثر خطورةً مما كان عليه الوضع في السنوات الماضية، لذلك يجب التوقف عن المفاوضات الكارثية التي أجرتها القيادة الفلسطينية طيلة (21) عاماً، والعودة إلى خيار المقاومة والانتفاضة وصراع الوجود والميثاق الوطني، الذي جسَّد وتضمن الاستراتيجية والإجماع الوطني على عروبة فلسطين وتحريرها من رأس الناقورة حتى رفح ومن النهر حتى البحر.
استغلت اليهودية العالمية معزوفتي الهولوكوست (المحرقة) النازي واللا سامية لإقامة “إسرائيل” وتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. فاستمرار النكبة والمحرقة زاد من المصائب و الويلات والعذابات والقتل والتدمير والعنصرية والتمييز العنصري الذي يعانيه الشعب الفلسطيني داخل وخارج وطنه فلسطين.
وجاء دخول المجموعات المسلحة إلى مخيم اليرموك وبقية المخيمات الفلسطينية في سورية ليزيد من المآسي والعذابات التي يعيشها أبناء شعبنا العربي الفلسطيني من الإرهاب التكفيري، مما يضع اللاجئ الفلسطيني أمام خيار أساسي لا بديل عنه «وهو حق وواجب عودة اللاجئين إلى ديارهم في وطنهم فلسطين ».
إن حق العودة هو جوهر قضية فلسطين، وهو الذي أدى إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، وإلى اندلاع المقاومة الفلسطينية المعاصرة في بداية عام 1965، ولا يمكن التوصل إلى حل عادل وسلام دائم إلاَّ بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولا تزال قضية حق العودة حية وحيوية، وتترسخ يوماً بعد يوم، وهي الأمل والحلم والهدف للشعب والأمة.
إن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم حق أساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان، وهو حق لا يزول بزوال الدول أو يسقط بالتقادم، وغير قابل للتصرف، ولا تجوز فيه الإنابة أو التمثيل، وهو ملك للاجئ نفسه وليس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أو مؤتمرات القمم العربية، وهو حق عادل ومقدس، فردي انطلاقاً من القانون الدولي الإنساني وجماعي انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير.
وتؤكد آراء فقهاء القانون الدولي، والعهود والمواثيق الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 على حق العودة الطبيعي للإنسان إلى منزله كأحد قواعد القانون الدولي الأساسية.
أدت وثيقة سلطان بن عبد العزيز لبريطانيا التي تعهد فيها بإعطاء فلسطين للمساكين اليهود، ومشروع الأمير فهد الذي وافقت عليه قمة فاس الثانية عام 1982 وأصبح يعرف بمشروع السلام العربي، ومشروع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله الذي إقترحه الصحفي اليهودي الأمريكي توماس فريدمان لوقف الحملة اليهودية الأمريكية على السعودية بعد تفجيرات 11 أيلول في نيويورك ، والذي وافقت عليه قمة بيروت العربية 2002، وأصبح يُعرف بمبادرة السلام العربية (وتضمن شطب عودة اللاجئين إلى ديارهم) وتعديل أمير قطر للمبادرة العربية بحيث تتضمن تبادل الأراضي لضم 85% من المستعمرات اليهودية التي أقيمت في القدس وبقية الضفة الغربية لإسرائيل لإلحاق أفدح الأضرار بقضية فلسطين أعدل قضية في تاريخ البشرية.
وجاءت المجموعات التكفيرية وتوجيه ما يسمى بالجهاد إلى سورية والعراق بدلاً من توجيهه لتحرير القدس ليلحق أفدح الأضرار بقضية فلسطين.
إن شعبنا العربي الفلسطيني يؤكد بعد مرور 73عاماً على نكبته المستمرة أن العودة حق وواجب، وأن الصهاينة عابرون ونحن عائدون، وهم ذاهبون ونحن مغروسون في أعماق الذاكرة والأرض والإنسان. ويؤكد على التمسك بحقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وعلى خيار المقاومة حتى التحرير وعودة اللاجئين إلى ديارهم وإستعادة أرضهم وأملاكهم تطبيقاً للقانون الدولي وأسوة بالتعامل الدولي.
أن مصير “إسرائيل” ككيان استعماري استيطاني ونظام عنصري وإرهابي اغتصب فلسطين والجولان ومياه وغاز وثروات بلاد الشام وعدو لجميع الشعوب العربية والإسلامية إلى الزوال، كما زالت النازية من ألمانيا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر، والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الأبارتايد من جنوب إفريقيا.