الأبرتهايد الصهيوني: من قرار”الصهيونية شكل من أشكال العنصرية”إلى “قانون القومية”وصولا الى وثيقة “امنستي”…!
نواف الزرو*
إمعانا في تعميق وتأكيد العنصريَّة الصّهيونيَّة، كانت حكومة الكيان أصدرت” قانون القومية” الذي يزعم”أن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي”، و”ان من حق الشعب اليهودي فقط تقرير مصيره على الأرض”، ما يعني جوهريا تثبيت الاستراتيجية الصهيونية القائمة منذ البدايات على “الاقتلاع الشامل”و”الإحلال الشامل”عبر سياسات التطهير العرقي والتمييز العنصري، ولا شك انَّ الاهمية الكبيرة لهذا القانون هي انه ينزع القناع تماما عن الوجه الصهيوني الحقيقي بوصفه وجها عنصريا –ابرتهايديا- ارهابيا اقتلاعيا احلاليا…!.
كما أن أهمية هذا القانون من جهة اخرى انه يؤكِّد ما ذهبت إليه مؤخرا منظمة”امنستي”باعتبار”اسرائيل دولة ابرتهايد”، وكذلك ما ذهبت إليه “هيئة الأمم المتَّحدة” في قرارها رقم ٣٣٧٩ الصادر في 10 تشرين الثَّاني (نوفمبر) 1975، وفيه “أن الصّهيونيَّة هي شكل من أشكال العنصريَّة والتَّمييز العنصري”، وقد طالب هذا القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولجيَّة الصّهيونيَّة، إذ تُشَكِّل خطراً على الأمن والسِّلم العالميين، وللاسف، فقد أُلغي هذا القرار، بموجب القرار 46/86 يوم 16 كانون الأوَّل (ديسمبر)1991، كجائزة ترضية لحكومة العدو لمشاركتها في مؤتمر مدريد المشؤوم .
لقد كانت لحظةً قاسية للقضية الفلسطينية، تلك التي وقف فيها الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش (الأب) على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء يوم 16/12/1991، ليطلب من الدول الأعضاء الموافقة على قرار بإلغاء القرار رقم 3379 الذي اتخذته الجمعية نفسها في 10/11/1975، والقاضي بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية. وفي سطر واحد فقط، صدر القرار رقم 4686، ليعلن أن الجمعية العامة ألغت قرارها السابق.
لقد اعتبر ذلك القرار تاريخيا آنذاك، حينما أعلن:”إن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، فكان ذلك القرار بمثابة صحوة انسانية أممية جامعة ضد”اسرائيل”كدولة احتلال وارهاب، وضد الحركة الصهيونية بمواصفاتها وممارساتها العنصرية”، وقد اتخذ القرار الاممي بتأييد اغلبية 75 دولة ومعارضة 35 و امتناع 32 عن التصويت، وأشار القرار كذلك بوضوح إلى اعلان الامم المتحدة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وادان الصهيونية باعتبارها تهديدا للسلم والامن العالميين.
وفي هذه الأيام يكون قد مضى سبعة وأربعون عاما على ذلك القرار التاريخي، الذي عادت الأمم المتحدة بعد ذلك بنحو ستة عشر عاما، لتتخذ قرارا جديدا في الاتجاه المعاكس تماما، في أعقاب حملة أمريكية غربية لاسقاطه والغائه، فلحست”قرارها السابق بقرار جديد يلغيه ويقدم اعتذارا ضمنيا لاسرائيل عنه، ليتناغم القرار الجديد تماما مع القاعدة التي كان دافيد بن غوريون قد أرساها بالنسبة للعلاقة مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حيث قال جهارا نهارا و بمنتهى الاحتقار للمنظمة الاممية:”بلا امم متحدة بلا هوى”، و”ان الامم المتحدة مقفرة فارغة لا قيمة لها”، مثبتا القاعدة الأخرى التي حكمت سلوك”اسرائيل”في علاقاتها مع المنظمة الدولية على مر العقود الماضية وهي:”ليس مهما ما يقوله الأغيار وإنما المهم ما يفعله اليهود على الأرض”،الأمر الذي جسده سفير “اسرائيل” في الامم المتحدة، حاييم هرتسوغ، أمام ناظر كل العالم، حينما قام بتمزيق الورقة التي طُبع عليها قرار الأمم المتحدة القاضي بأن “الصهيونية عنصرية”.
وما بين قرار الإلغاء، وما يجري اليوم، وخاصة المصادقة على “قانون القومية”، فان سياسات التطهير العرقي والتمييز العنصري الصهيوني، ليس فقط لم تتوقف ولم ترتدع، بل تمادت وتعمقت وتغولت على نحو إجرامي لم يسبق له مثيل في تاريخ سياسات الابرتهايد في العالم، وفي السنوات الأخيرة، عادت مسالة التمييز العنصري الصهيوني”الابرتهايد”، و جرائم الحرب والانتهاكات السافرة للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، لتحتل العناوين في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة على مستوى المؤسسات الأكاديمية على حد سواء، وذلك بعد أن شهدت الجامعات الأوروبية والكندية ما يطلق عليه اسم”اسبوع الابرتهايد الاسرائيلي”، حيث تنظّم هيئات ومجموعات مدنية مختلفة في أنحاء العالم فعاليات أسبوع مقاومة الأبرتهايد الإسرائيلي، وذلك لغاية التثقيف حول سياسات وممارسات الاحتلال الاسرائيلي العنصرية الارهابية، وتركز فعاليات الأسبوع على فضح وتصوير وفهم” إسرائيل” كدولة أبرتهايد، والعمل على إنهاء التواطؤ الدولي مع دولة الاحتلال، الذي يضفي الشرعية على نظام الاحتلال و الأبرتهايد الإسرائيلي، وتشكّل فعاليات الأسبوع مرجعًا هامًا لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، والتي هي أكثر الطرق فعالية لإنهاء التواطؤ الدولي معها وإجبارها على الإلتزام بالحقوق الدولية، كما شكلت فعالياته أساسًا للتضامن مع نضالات الشعوب الأخرى، والحركات الإجتماعية للعدالة في العديد من البلدان.
في ضوء كل ذلك، كان رئيس اللجنة الدولية لاعادة الاعتبار للقرار 3397 المساوي بين العنصرية والصهيونية د. جورج جبور، بعث برسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة، طالب فيها بـ:”اعادة الاعتبار للقرار “3379 ، مضيفا:”بما انه تم إلغاء القرار المذكور بعد ستة عشر عاما أي في عام 1991 بقرار من سطر واحد من دون تعليل، وبما أن الممارسات الصهيونية العنصرية ما تزال مستمرة، وتتمثل حاليا ببناء جدار الفصل العنصري الذي ادانته محكمة العدل الدولية ، وإعلان يهودية الدولة، والتصريح بتهجير الفلسطينيين المقيمين في أرضهم، وما قامت به “اسرائيل” من تصفيات خلال حرب غزة الأخيرة، وكان هدف تصفية الشعب الفلسطيني واضحا ، وبناء على كل ما تقدم، فاننا نتقدم اليكم طالبين العمل على تطبيق الميثاق والمعاهدات الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان كافة والقانون الإنساني الذي يرفض تماما أشكال العنصرية والتمييز العنصري كافة، وبالتالي إعادة الاعتبار للقرار 3379 وإعادة الاعتبار لقرارات الأمم المتحدة لردع أي شكل من أشكال العنصرية”.
ونذكر في هذا السياق الى ان ذلك القرار استند بالاساس الى مجموعة قرارات اخرى ضد العنصرية الصهيونية، ففي مثل هذا الشهر، في تموز 1975، اتخذ قرار في مؤتمر النساء الدولي في مكسيكو سيتي، وضع الأساس لقرار الأمم المتحدة الأكثر جرأة والذي اتخذ في أي وقت من الأوقات ضد “إسرائيل”: القرار الذي اتخذ في 18 تشرين الثاني من ذات السنة وصف الصهيونية كنوع من العنصرية، والحملة التي أدت إلى هذا القرار كانت تقوم بقدر كبير على أساس قرارات سابقة عديدة ربطت بين الصهيونية والحركات الاستعمارية، فمثلا، في 1973 نددت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بـ “الحلف غير المقدس بين الاستعمار البرتغالي، العنصرية الجنوب افريقية، الصهيونية والامبريالية الصهيونية”، وفي مكسيكو سيتي دعا مؤتمر النساء الى “تصفية” كل الاستعمار، الاستعمار الجديد، الاحتلال الاجنبي، الصهيونية و الابرتهايد.
يضاف الى ذلك المؤتمرات المناهضة للعنصرية الصهيونية التي عقدت تحت اسم”ديربان-1- وديربان-2″…الخ.
وما بين ذلك الزمن واليوم، ربما نكون على المستويين الفلسطيني والعربي بحاجة كبيرة ملحة لاحياء وانعاش مضامين ورسالة مؤتمر ديربان – 1 –و-2- أكثر من أي وقت مضى…؟، وكذلك “إعادة الاعتبار ل”قرار 3379 الصهيونية حركة عنصرية”، وربما نكون بحاجة ملحة جدا ايضا لعولمة “الحملة ضد العنصرية الصهيونية”على أوسع نطاق ممكن، وربما نكون كذلك بحاجة أشد الحاحية هنا ليقظة ومشاركة عربية في هذه الفعاليات الدولية ضد العنصرية الصهيونية، وخاصة على مستوى الكتاب والمثقفين والإعلاميين الفلسطينيين والعرب و الامميين…؟،