الجيش الاسرائيلي أوحش الجيوش وأحقرها على كوكب الأرض ..مجزرة كفر قاسم نموذجاً
د. غازي حسين
وقعت مجزرة كفر قاسم الرهيبة في مساء التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956م، في نفس اليوم الذي أشعل فيه العدو الإسرائيلي حرب السويس العدوانية على مصر الشقيقة على إثر تأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس انطلاقاً من حق مصر في السيادة على أراضيها تمشياً مع مبادئ القانون الدولي. ففي نفس يوم المذبحة بدأت «إسرائيل» حرب السويس العدوانية لخدمة مصالح الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا وخدمة مصالحها الاستعمارية والعدوانية وتدمير الجيش المصري واحتلال سيناء لتحقيق الأكاذيب والأطماع التي رسخّها كتبة التوراة والتلمود والحركة الصهيونية.
في نفس اليوم الذي أشعل فيه الجيش الإسرائيلي الحرب العدوانية ارتكب مجزرة كفر قاسم لإدخال الخوف والذعر في نفوس الأقلية العربية داخل فلسطين المحتلة عام 1948 والاستمرار في ممارسة الإرهاب والإبادة الجماعية تطبيقاً للتعاليم التوراتية والتلمودية والصهيونية والإسرائيلية التي ترفع إبادة غير اليهود وبشكل خاص العرب إلى مرتبة القداسة الدينية تحقيقاً لأطماع اليهودية العالمية في الأرض والثروات العربية وبشكل خاص في فلسطين ومدينة القدس.
في نفس ذلك اليوم الأسود قامت مجموعة عسكرية بقيادة الرائد شموئيل ملينسكي واتخذت مواقعها على المعابر الرئيسية لقرية كفر قاسم. وكان الرائد ملينسكي قد تلقى تعليمات من قائده يسخار شدمي بفرض حظر التجول على القرية وإطلاق النار على كل من ينتهك حظر التجول.
وأعطاه تعليمات بقتل العمال والفلاحين المتواجدين خارج القرية قبل حظر التجول بعد عودتهم من أماكن عملهم ومزارعهم بعد الساعة الخامسة. وعندما سأل ملينسكي قائده شدمي عن مصيرهم أجابه قائلاً: «لا أريد عواطف، الله يرحمهم».
احتلت قوات الجيش الإسرائيلي مداخل القرية واقفلتها، وتوجه الرائد ملينسكي إلى مختار القرية وأخبره في تمام الساعة الخامسة إلا ربعاً بفرض حظر التجول على القرية بدءاً من الساعة الخامسة مساءً وحتى السادسة صباحاً، فأخبره المختار بوجود العديد من العمال والفلاحين خارج القرية ولا يستطيع إبلاغهم بحظر التجول خلال ربع ساعة، فأكد له الرائد في الجيش الإسرائيلي بأن جيشه لن يمسهم بسوء أو بأذى.
وأصدر ملينسكي تعليمات مشددة لضباط وجنود الكتيبة بتصفية كل عربي ينتهك حظر التجول، وبالتحديد «العمال والفلاحون» العائدون إلى منازلهم ولا يعرفون بحظر التجول.
بدأ العمال والفلاحون العرب بالعودة إلى القرية بعد الانتهاء من عملهم وقبيل غروب الشمس بالسيارات والعربات والدراجات وسيراً على الأقدام.
أوقف الجيش الإسرائيلي السيارة الأولى التي وصلت، وطلب الجنود من الركاب النزول لتفتيشهم و أمروهم بالوقوف، وصدر الأمر «احصدوهم» و أبادوا جميع ركاب السيارة.
ووصلت سيارة أخرى بعد فترة وجيزة من إبادة الدفعة الأولى فأوقفها الجيش الإسرائيلي وأمر ركابها بالنزول بحجة التفتيش وأمروهم بالوقوف في صف واحد و حصدوهم عن بكرة أبيهم.
ووصلت السيارة الثالثة وكان فيها (14) امرأة و(4) رجال وتابعت سفرها دون توقف، وطالبها الجنود بالتوقف فتوقفت فأمر الجنود الركاب بالنزول، ولكن النساء اللواتي شاهدن الجثث على جانبي الطريق، أخذن يتوسلن الجندي الرأفة بهن، ولكنه لم يستجب إلى توسلاتهن.
وعندما نزل جميع ركاب السيارة أطلق الجنود الإسرائيليون النار عليهم فقتلوا (17) وجرحت حنا سليمان عامر (14 سنة) في رأسها ورجلها وبدت وكأنها ميتة.
ووصلت السيارة الرابعة وشاهد سائقها الجثث المنتشرة على جانبي الطريق، فلم يستجب إلى أوامر الجيش الإسرائيلي، وهرب بسيارته بأقصى سرعة والجنود يطلقون الرصاص على الشاحنة ووصل إلى القرية ليجد بداخل الشاحنة العديد من القتلى والجرحى.
وعندما وصلت عربة يجرها بغل وفيها عقاب بدير، وتوفيق بدير أوقفها الجنود وأوقفوا معهم العديد من راكبي الدراجات وأمروهم بوضع دراجاتهم بجانب العربة والوقوف صفاً واحداً، وبلغ مجموع الذين أوقفهم الجيش الإسرائيلي في الصف (13) وصاح جندي بالجنود اليهود المتأهبين «احصدوهم» فحصدوهم ولكن تمكن المدعو مصطفى من الهرب.
حدثت إبادة ركاب السيارات الأربع والعربة والدراجات دون أن يعلم أحد في داخل قرية كفر قاسم بما حدث عند حاجز الجيش الإسرائيلي على مدخل قريتهم.
فتابع الجيش الإسرائيلي المجزرة داخل القرية وذلك عندما خرج أحد الأطفال البالغ من العمر 5 سنوات لإحضار علبة سجائر من منزل صاحب الدكان المجاور لمنزل والده، وعندما شاهده الجنود أطلقوا عليه الرصاص ووقع على الفور يتخبط بدمائه، فاندفعت أُمه راكضة نحوه لاحتضانه و لإنقاذه فأطلقوا الرصاص عليها وسقطت على الأرض واختلط دمها بدم طفلها، محتضنة فلذة كبدها ولفظا أنفاسهما سوية ليختتما المجزرة الجماعية الرهيبة التي بلغت حصيلتها (51) قتيلاً من المدنيين العرب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
انتشرت أخبار المجزرة وسط عرب الأراضي المحتلة عام 1948 ومنها إلى الرأي العام العربي والعالمي مما دفع بإسرائيل إلى تقديم القتلة إلى محاكمة صورية استمرت حوالي العامين، وأصدرت الحكم على الرائد ملينسكي بالسجن (17 سنة) والملازم جبرائيل دهان بالسجن (15 سنة)، وصدرت أحكام بحق الجنود الذين اشتركوا بالمجزرة بالسجن مدداً تصل إلى خمس سنوات، ولكن لم يقض أي واحد من المجرمين مدة الحكم الصادر بحقه، حيث قررت محكمة الاستئناف العليا الإسرائيلية أن الأحكام شديدة وصارمة فخففتها، ثم قام رئيس أركان الجيش وخففها، كما خففها رئيس الدولة ولجنة الإعفاء، وأفرجت السلطات الإسرائيلية عن جميع المجرمين اليهود، وعين المجرم ميخائيل دهان رئيساً للقسم العربي في بلدية الرملة.
تذرع الرائد ملينسكي بارتكاب المجزرة بحجة أنه وقع ضحية إخلاصه لتنفيذ الأوامر العسكرية الصادرة إليه من قائده العقيد شدمي الذي أمره بتصفية المدنيين العرب، العائدين من أماكن عملهم.
وتذرع المجرم العقيد شدمي بنفس الحجة وقال إنه كان ضحية إخلاصه هو الآخر للتعليمات العسكرية الصادرة إليه من الجهات العليا في الجيش الإسرائيلي.
وصدر الحكم بحق العقيد شدمي بتغريمه أغورا، أي قرش واحد لمسؤوليته عن إصدار الأوامر لارتكاب مجزرة كفرقاسم التي ذهب ضحيتها (51) من المدنيين العرب وعشرات الجرحى.
فأين ديمقراطية «إسرائيل» تجاه المواطنين العرب أصحاب البلاد الأصليين وسكانها الشرعيين؟
تمارس «إسرائيل» الإرهاب والإبادة والاغتيالات والهولوكوست على الشعب الفلسطيني منذ تأسيسها وحتى اليوم، وترفع قتل العرب إلى مستوى القداسة الدينية، والسياسة الرسمية، وتلجأ إلى الكذب والتضليل والخداع للتغطية على جرائمها.
أظهرت مجزرة كفر قاسم الرهيبة بجلاء تغلغل فكرة قتل العرب و إبادتهم في الجيش والقضاء الإسرائيلي، لترحيل الفلسطينيين بالقوة عن طريق بث الخوف والرعب في قلوبهم و لإجبارهم على القبول بالاستعمار الاستيطاني وسرقة أراضيهم وممتلكاتهم وتدمير منجزاتهم وتهويد أراضيهم ومقدساتهم.
وتسخّر «إسرائيل» المجازر الجماعية المستمرة لكسر الإرادات وخلق وقائع جديدة لتهويد فلسطين ولتحقيق «إسرائيل العظمى» الاقتصادية من النيل إلى الفرات عن طريق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ويخدم ارتكاب المجازر الجماعية كمجزرة كفر قاسم ودير ياسين وصبرا وشاتيلا والاغتيالات المستمرة وتدمير البنى التحتية والمنجزات الاقتصادية والتعليمية والعمرانية وترحيل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم ومقدساتهم إنجاح الاستعمار الاستيطاني اليهودي وتهويد فلسطين كمركز لليهودية العالمية للسيطرة على العالم.
فالإرهاب الصهيوني يتجسد في المجازر الجماعية والحروب العدوانية والاغتيالات وممارسة الإرهاب والعنصرية والتطهير العرقي والاستيطان كسياسة رسمية لإفراغ فلسطين العربية من سكانها العرب و لإخضاعهم وحملهم على القبول بالمشروع الصهيوني، مما أدى إلى إشعال المقاومة وإيمان الشعب والأمة بوجوب زوال الكيان الصهيوني وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الديمقراطية في كل فلسطين التاريخية.