يوم أرض مجيد ، وعطاء شعب عظيم
بقلم د. مصطفى البرغوثي
الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية
مرة أخرى اجترح الشعب الفلسطيني وخاصة ابناءه وبناته البواسل في قطاع غزة الصامد مأثرة شعبية مذهلة.
مئات الآلاف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال خرجوا في مسيرات شعبية ليؤكدوا تمسك الشعب الفلسطيني بأرض وطنه ، ويحق اللاجئين في العودة الى ديارهم التي هجروا منها.
ومرة أخرى تأكدت في يوم الارض وحدة نضال الشعب الفلسطيني
بتوازي الفعاليات النضالية في أرض 1948 وفي الضفة الغربية بما فيها القدس وفي قطاع غزة وحيثما تواجد أبناء الشعب الفلسطيني في المهاجر.
يوم الأرض كان كالعادة رمزا لوحدة الفلسطينيين التي تجسدت في ميدان النضال متجاهلة الإنقسام السياسي والصراع على سلطة، كلها تحت الاحتلال.
لكن يوم الأرض هذا العام كان يوم مجد للمقاومة الشعبية، كفكرة، وكنهج وكممارسة نضالية، بعد أن تبنتها كافة القوى الوطنية والإسلامية وأدركت مدى فاعليتها وتأثيرها.
وبعد ستة عشر عاما من إنطلاق شراراتها الأولى ضد جدار الأبارتهايد العنصري وتعمق محتواها بالتظاهرات ضد الإستيطان،
وبسفن كسر الحصار على قطاع غزة، وقرى المقاومة مثل باب الشمس وأحفاد يونس والمناطير، وبحركة المقاطعة ضد المنتجات الإسرائيلية،
وبالهبة الشعبية التي أجبرت نتنياهو على التراجع عن إجراءاته في القدس ضد المسجد الأقصى، وبتباشير المظاهرات الأولى على حدود قطاع غزة ، وصلت المقاومة الشعبية ذروة جديدة بما حققته المشاركة الشعبية الشاملة في قطاع غزة في مسيرة يوم الأرض والعودة.
ولا شك أن التبني الواعي والمنظم للمقاومة الشعبية يمثل علامة نضج نضالي لدى مجمل الحركة الوطنية الفلسطينية وتحديا في نفس الوقت لكل القوى الفلسطينية كي تشارك بكل طاقتها فيها، بإعتبارها أهم أسس الإستراتجية الوطنية الفلسطينية لتغيير ميزان القوى الى جانب حركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل.
وقد أكدت البطولة والبسالة التي أبدتها جماهير الشعب الفلسطيني رغم إستشهاد ستة عشر فلسطينيا وجرح أكثر من 1800 في يوم واحد ،
الرفض الشعبي الشامل لقرارات إدارة ترامب حول القدس ولصفقة القرن الرامية إلى تصفية قضية الشعب الفلسطيني ولمشاريع التطبيع الخبيثة على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية .
وكان التمسك بحق العودة وممارسته ، هو الرد على مساعي إدارة ترامب لخنق وكالة الغوث كوسيلة لتصفية حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
كما أكدت هذه الجماهير ، وجود بديل فعلي نضالي لما فشل من مراهنة على المفاوضات وعلى النهج الذي أدى إلى إتفاق أوسلو.
وإذ كانت إسرائيل قد أصيبت بالرعب ، من العودة الظافرة لمظاهر الإنتفاضة الشعبية الأولى ، وبعد أن اهتزت أركانها بالمعلومات عن أن عدد الفلسطينيين قد تجاوز عدد اليهود الإسرائيلين على أرض فلسطين التاريخية ، فان ما قامت به قواتها بقيادة رئيس أركان جيشها ايزنكوت، بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزل الذين تظاهروا سلميا ، مثل فضيحة كبرى وجريمة حرب لا تغتفر.
إذ لم يكن استخدام الرصاص الحي دليل قوة بل مظهر لعجز وضعف الجانب الإسرائيلي في محاولاته منع المسيرة الشعبية وفشله الماحق في ردعها.
ولا بد هنا من توضيح مدى كذب الرواية الإسرائيلية التي إدعت أن الشهداء والجرحى أصيبوا وهم يحاولون إجتيازسياج قطاع غزة ، إذ رأى الجميع أنهم أصيبوا وهم دأخل ما يسمى بالمنطقة العازلة داخل قطاع غزة، والتي فرضها جيش الإحتلال ولا تقل مساحتها عن 24% من قطاع غزة ، علما بأن من حق الغزيين إجتياز السياج كي يصلوا الى قراهم ومدنهم التي هجروا منها كالمجدل، وحمامة، والمسمية وغيرها.
القناصة الإسرائيليون لم يقصروا جرائمهم على قطاع غزة ، اذ واجهوا تظاهرتنا في رام الله أمام مستعمرة بيت أيل، والمظاهرات الأخرى في الضفة الغربية بنفس الأسلوب،
وإذا كان النجاح الباهر ليوم الأرض ولمسيرة العودة رغم الخسارة الباهظة في أرواح الشهداء وإصابات الجرحى الذين سقط معظمهم في قطاع غزة يمثل بداية لحراك سيستمر ومقاومة شعبية ستتصاعد، فإنه يجب أن يكون حافزا للقادة السياسيين كي يترجموا الوحدة الميدانية الكفاحية إلى إنهاء شامل وكامل للإنقسام، ولتحقيق الوحدة الوطنية
القائمة على الشراكة الحقيقة والكفاح المشترك.
وقد أكدت بطولة أهل غزة ضرورة مساندة الجميع لهم، وتحريم أي شكل من أشكال المس بهم،
كما أن ما جرى يجب أن يترجم إلى إحالة فعلية فورية للجنود والضباط الإسرائيلين المجرمين وعلى رأسهم رئيس الأركان الإسرائيلي ايزنكوت إلى محكمة الجنايات الدولية .
أما الأطراف والحكومات الأجنبية التي ساوت بين الجلاد و الضحيةو لم تعلق على ما جرى الا بمطالبة الطرفين بضبط النفس، فلا بد أن نذكرها بالمحاضرات و النصائح التي طالما تشدق بها ممثلوها حول ضرورة أن يقوم الفلسطينيون بمسيرات سلمية صخمة بالآلاف،
وها هو الشعب الفلسطيني قد فعلها بمئات الآلاف، فهل سنرى هذه الحكومات تفرض على إسرائيل أي شكل من العقوبات لبطشها الوحشي بالمتظاهرين العزل؟
وبغض النظر عما سيفعلونه فإن الشعب الفلسطيني قد إستعاد وعي الإنتفاضة الشعبية الأولى، وإستعاد الإدراك بأن اعتماده الأول يجب أن يكون على نفسه، وأن السبيل للنجاح هو بتنظيم النفس، وتحدي إجراءات وقرارات منظومة الإحتلال والأبارتهايد ، ومقاومتها.
الخلود لشهدائنا البواسل، والشفاء العاجل لجرحانا، وكل الاحترام لشعبنا، وخاصة أهل غزة، الذي اثبت عظمته مرة أخرى.