دونالد ترامب ومستقبل أمريكا الغامض
عميرة أيسر*
منذ استلم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يتبع سياسة مصلحية براغماتية تقوم على الابتزاز، و استعمال لغة العنف والقوة، وتوظيف كل وسائل الضغط السِّياسي والاقتصادي والثقافي، والإعلامي لإجبار الدول حتى الحليفة لواشنطن والضغط عليها من أجل تنفيذ برنامج دونالد ترامب الانتخابي، والذي على أساسه تم انتخابه كرئيس للبلاد، فهذا الرئيس الأرعن والمجنون كما يطلق عليه الكثير من أرباب السياسة، والفكر والإعلام في العالم الغربي لا يتوانى عن فعل أي شيء، وذلك من أجل تحقيق المصلحة العليا لبلاده طبعاً بما يتوافق مع عقلية التاجر التي تعتبر المفتاح لفهم الرجل، وفك رموزه وشفيراته السّياسية، فالإستراتيجية التي يتبعها البيت الأبيض في عهد ترامب تتسم بضبابية الرؤية، وعدم اتخاذ قرارات جيواستراتيجية مبنية على معلومات استخباراتية، ودراسات بحثية أكاديمية عميقة ، وأكبر دليل على ذلك هو الموقف من الملف السوري حيث خرجت علينا مندوبة الأمم المتحدة في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي لتأكد من خلالها، بأن بلادها يمكن أن تشن حرباً على دمشق إن لم تحترم قرارات الشرعية الدولية، أو توقف استهدافها للمدنيين، بينما أكد الرئيس دونالد ترامب في حديث لوسائل إعلام أمريكية، بأن واشنطن تفكر جدياً في سحب قواتها من سوريا قريباً، وتفكيك قواعدها العسكرية المتمركزة في شمال شرق سوريا وفي منطقة نهر الفرات تحديداً.
و هذا يعني ضمنياً الاستغناء عن خطة البنتاغون لرفع عدد المسلحين الذين ترعاهم واشنطن في سوريا، والبالغ عددهم حوالي 10 آلاف مسلح، والذين تتراوح مرتباتهم ما بين 400-200 دولار شهرياً، وكان من المزمع رفع هذا العدد إلى حدود 65 ألف مع نهاية العام الجاري، حسبما ذكرت ذلك جريدة واشنطن بوست الأمريكية، بالإضافة إلى أن ترامب يتعامل بسياسة الكيل بمكيالين فيما يخص مجمل قضايا السَّاعة المطروحة للنقاش على الخارطة السياسية الدولية، بداية من الملف النووي الإيراني وعزمه إلغاء الاتفاق النووي مع إيران قريباً، بالرغم من أن هناك أكثر من 160 عضواً من الكونغرس الأمريكي بحسب ما ذكرته صحيفة هآرتس العبرية في بداية شهر أكتوبر من الماضي الماضي، ينتمون إلى الحزب الديمقراطي طالبوا من خلاله الرئيس ترامب بعدم إلغاء الاتفاق النووي، والذي تم المصادقة عليه متطرف سلفه باراك أوباما سنة 2015م، ضمن مجموعة 5+1 وهي الخطوة التي إن قام دونالد ترامب باتخاذها، فستكون لها نتائج كارثية على منطقة الشرق الأوسط مما يفتح المجال على مصراعيه أمام إيران لتخصيب اليورانيوم بدرجة تسمح لها بإنتاج القنابل الذرية، وهو الشيء الذي لن تسمح بحصوله واشنطن، أو الكيان الصهيوني الغاصب بالتأكيد.
بالإضافة إلى الخطوة المتهورة التي قام بها الرجل، والقاضية بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بالرغم من المعارضة العربية والإسلامية والدولية الشديدة لقراره ذاك، هذا القرار التاريخي بحسب نتنياهو، الذي أعلنه ترامب بتاريخ 6ديمسبر/ كانون الأول 2017م، والذي أشعل الشارع العربي زاد من حدَّة الحنق الدولي على سياسات ترامب، و أطلق سلسلة من العمليات الفدائية الاستشهادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالأخص وأن صهره جيرالد كوشر وديفيد فريدمان السفير الأمريكي في تل أبيب، يهندسان وبتواطىء رسمي أردني مصري سعودي إماراتي لتمرير صفقة القرن، وإنهاء القضية الفلسطينية من الأساس، فالقرارات السياسية الرعناء التي اتخذها ترامب، وافتقاره للباقة الدبلوماسية في التعامل مع رؤساء الدول الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد ظهر ذلك جلياً للعيان بعد أخر زيارة قام بها ولي العهد الشاب الأمير محمد بن سلمان لواشنطن، والمعاملة المهنية التي تلقاها من ترامب، وأمام مرأى الجميع، وبحضور وسائل إعلام دولية، وذلك ما سبب الكثير من الحرج للأمير الشاب الذي أكد على استعاد بلاده لدفع مبلغ 200 مليار دولار للسيّد الأمريكي، معظمها ستكون على شكل استثمارات طويلة الأمد وصفقات عسكرية، تضاف إلى 400 مليار دولار التي حصل عليها ترامب غداة انتخابه رئيساً للبلاد، وذلك في أول زيارة خارجية قام بها إلى السعودية مباشرة بعد انتخابه بأيام قلائل. هذه السياسة الغير مدروسة خلقت للرجل الكثير من الأعداء حتى داخل الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه.
فدونالد ترامب الذي يعتمد على الرؤية الأحادية للأمور، ولا يقبل توجيه أي نوع من النقد لقراراته السّياسية، قام بإقالة حوالي 18 موظفاً من كبار الموظفين في البيت الأبيض، وعن طريقة حسابه في تويتر، وكان أخرهم ريكس تليرسون وزير خارجيته الذي كان يعتبر أخر العقلاء في إدارة ترامب، وجاء باليميني المعروف بولائه الشَّديد لإسرائيل مايك بومبيو، والذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات الأمريكية قبل ذلك، بالإضافة إلى تعيين جينا هاسبل كمديرة للمخابرات العامة الأمريكية، ا وهي التي كانت تشغل منصب مسئولة إدارة السجون السَّرية في وكالة المخابرات الأمريكية، والتي لها ملف أسود في استعمال مختلف طرق، وأساليب التعذيب ضدَّ المعتقلين في تلك السجون السَّرية، وهذا ما يراه الكثير من المراقبين رغبة من طرف ترامب في الاستعداد لحروب قادمة في المنطقة أو حتىَّ مع روسيا خصوصاً، إذا أثبتت التحقيقات القضائية ضلوعها في إيصاله لسدَّة الحكم عن طريق التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية، وهي التي ستعتبر من طرف الدولة العميقة في واشنطن إعلان حرب، وسيضطر ترامب إلى إعلان الحرب ضد حلفائه الروس مجبراً، أو حتىَّ مع الصين التي فرض ترامب عليها ضرائب بقيمة 70 مليار دولار، أو مع كوريا الشمالية التي سيعقد قمة مع رئيسها الشاب كيم جون أون الذي لا يختلف عن ترامب كثيراً في اعتداده بنفسه، ورغبته المحلة في الدخول في حرب نووية كبرى مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي يراها الخطر الأكبر على البشرية.
فكل المؤشرات والقراءات تقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية التي يبلغ حجم دينها الخارجي حوالي 19 تريليون دولار، وتعاني من ركود اقتصادي كبير، تسير نحو مستقبل غامض في ظلّ إدارة رئيس عنصري حاقد، يستعدي حتى حلفاء بلاده التقليديين كتركيا أو دول أوروبا الغربية، في مقابل تقاربه الشديد من الكيان الصهيوني، و تفضيل مصالح إسرائيل الضيقة على مصالح بلاده القومية العليا، وهذا ما سيكون لها نتائج وخيمة جداً على قوة، ونفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، وليس في منطقة الشرق الأوسط فقط.
*كاتب جزائري